الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكينونة الملهمة لجمال عبد الناصر وحسن نصر الله

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2013 / 6 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


إذا كان التاريخ العربي الحديث مليء بالشخصيات الجزئية الملهمة مثل عبد القادر الجزائري وعمر المختار وعبد الكريم الخطابي والمهدي وحسن البنا وشكيب ارسلان وعبد القادر الحسيني وياسر عرفات وكثير غيرهم، فأنه بالمقابل يفتقد إلى رموزه السياسية الجامعة الكبرى بشكل عام والدنيوية منها بشكل خاص. والاستثناء الأوحد والوحيد هو لجمال عبد الناصر.
وترتبط هذه الظاهرة العامة بالنسبة للعالم العربي بحالة التجزئة الجغرافية السياسية والثقافية الحالية. وهذه بدورها مقدمة ونتاج ضعف او انعدام منظومة المرجعيات المتسامية القادرة على صنع إجماع قومي. وهذا بدوره نتاج ملازم لمرحلة الانتقال من الحالة الدينية اللاهوتية والدينية السياسية إلى مرحلة التاريخ السياسي الاقتصادي التي يمر بها العالم العربي حاليا، أي الانتقال من مرحلة الدولة البدائية إلى الدولة الحديثة، ومن البنية التقليدية إلى البنية القومية. وهي مرحلة مديدة ومعقدة ومتعرجة وقابلة للصعود والهبوط، والانتصار والهزيمة، لكنها تجري من خلال كل هذه المتناقضات لكي تبلغ وعيها الذاتي بوصفها حركة تلقائية عربية الوسائل والغايات.
وليست الشخصيات الملهمة الكبرى في تاريخ هذه الحركة سوى مؤشرات على ذلك. بمعنى أنها تشير إلى أن ظهورها واختفاءها لا يدل على أنها مجرد نيازك في فضاء بارد، بقدر ما يكشف عن أنها طرق ملتهبة في المسار التاريخي العربي. وبأثره تتحدد معالم الطريق الذاتي، الذي يجد تعبيره الأولي في صعود "الشخصيات الجامعة" الكبرى للروح القومي الثقافي. وقد جسّد كل من جمال عبد الناصر وحسن نصر الله هذا النموذج الأولي الكبير. فهما يمثلان جغرافية الروح المقاوم والمتحدي في العالم العربي الحديث من خلال سبك وحدة الإرادة والتحدي في مواجهة الأعداء الخارجيين والداخليين. وهذا بدوره ليس إلا الصراط المستقيم لصنع المستقبل الذاتي. وليس مصادفة أن يتعرض كلاهما إلى معارضة نفس الأعداء الخارجيين (مراكز الكولونيالية الأوربية الانجلو – فرنسية والأمريكية وإسرائيل) والأعداء الداخليين (مملكة آل سعود وعبيدها في الجزيرة). وفي كلتا الحالتين كانت هذه القوى الخارجية والداخلية تتربص كل ما بإمكانه أن يكون مادة ووسيلة للانقضاض عليهما. وإذا كان سلوك الأعداء الخارجيين له حوافزه ونوازعه المرتبطة بهيمنة غريزة المصالح الضيقة وتقاليدها الكولونيالية، فان اشتراك أعداء الداخل هو مؤشر على عدم ارتقاءها بعد من الغريزة إلى العقل، ومن الجسد المتهالك إلى الروح المتسامي، ومن البداوة إلى المدنية، ومن الأعراف إلى الحق، ومن العبودية إلى الحرية. وكلاهما يلتقيان في الأس، أي في هيمنة الغريزة البدائية وانعدام العقل الثقافي الإنساني. بينما كانت هواجس ونوازع وتوجهات ومساعي وأهداف عبد الناصر وحسن نصر الله وما تزال باقية من حيث الأصل والجذر والغاية في فعل الإرادة الحرة والتحدي الإنساني والفناء في غاياته المتسامية، أي إرادة الحرية القومية التامة والانتماء الثقافي للنفس. وقد كان دروبهما مختلفة فيما أسميته بالصراط المستقيم في صنع المستقبل الذاتي، شأن كل مجاري المياه الحية المعذبة في مجاريها من اجل الخروج بهيئة منبع عذب للروح والجسد.
فقد كانت الناصرية حركة فوقية، بينما حركة (حزب الله) حركة قاعدية. ولكل منهما تاريخه العريق في تقاليد الفكرة الحرة والفكرة القومية العربية في كل من مصر ولبنان، ومن خلالهما وعبرهما في العالم العربي ككل.
فقد كانت تجربة جمال عبد الناصر تجربة وطنية، وفي وطنيتها عربية (قومية)، أي أنها تتمثل الخط المعتدل والحد الوسط بين مغرب متغرب وبعيد نسيا عن هموم القومية الكبرى، ومشرق هو قومي وصانع الفكرة القومية العربية، كما حددها عبد الناصر لنفسه في مجرى تأمله اللاحق لتجربة ثورة يوليو. ومن الممكن تتبع ذلك فيما يمكن دعوته بوعي الذات الشخصي لجمال عبد الناصر نفسه كما وضعه في كتابه (فلسفة الثورة). فعندما يتتبع الأسباب الدفينة القائمة وراء مشاركته في انقلاب يوليو 1952، فانه يجدها في صيرورته الشخصية بوصفها شخصية اجتماعية وطنية قومية. من هنا بحثه عن تاريخ "الفوران" والثورة في أعماقه الذي تركم مع مجرى الأحداث في مصر وطبيعة صراعها الداخلي الطويل والمرهق. انطلاقا من "أنه لا شيء يمكن أن يعيش في فراغ"، "حتى الحقيقة لا يمكنها أن تعيش في فراغ". وبالتالي لم تكن "ثورة يوليو" حادثا عابرا او ناتجا عن لا شيء! وقد لخص جمال عبد الناصر كل هذا التعقيد في عبارة موجزة تقول، بان مشاعره "في البدء اتخذت هيئة الأمل المبهم"، ثم "فكرة محددة" ثم "تدبير عملي"، ثم تجارب "وضعت موضع التنفيذ هذه المشاعر". إن الانتقال من الحس إلى العقل إلى العمل، او من العلم إلى الحال إلى العمل، فيما لو استخدمنا العبارة الصوفية، فان النتيجة كانت "ثورة" على النفس والواقع، قد لا تخلو من مغامرة، لكنها مغامرة الروح العامل بمعايير الوطنية الصادقة والإخلاص لها في كل شيء، والذي وجد ذروته في تمثل حقائق الروح القومي والفكرة العربية.
أما حركة )حزب الله( فهي حركة الفكرة العربية المجاهدة بمعايير التحدي الحر والنزعة الوطنية (اللبنانية) والتوجه القومي (العربي) والانتماء الإسلامي (الثقافي). وقد كانت تلك منذ البدء. بمعنى أنها لم تكن تجريبية كما هو الحال بالنسبة لعبد الناصر، وذلك لأنها من حيث الأصل العقائدي والجذر التاريخي ذات انتماء واضح المعالم بمعناه الثقافي والقومي. وضمن هذا السياق يمكن فهم ماهية وحقيقة (حزب الله) وشخصية الشيخ حسن نصر الله في كل ما يخطط له ويقوم به من أقوال وأعمال. وذلك لأنها جميعا محكومة بفلسفة الإرادة والتحدي، أي تلك القوة الجوهرية لما دعته المتصوفة بانتصاب القلب في طلب الحق، بالضد من حالة الغريزة الكامنة في صلب الأعداء الداخليين الذين تحكمهم قوة الفرجين، مع ما يلازمها بالضرورة من انتصاب الباه والجاه، بوصفهما ذروة المعاناة وغاية الغايات!!
إن هذا الاختلاف الجوهري في المشروع ينبع من اختلاف الأصول والرؤية والغايات. (فحزب الله) هو نتاج حركة اجتماعية وسياسية وثقافية ذاتية أصيلة. ومن ثم هو على خلاف غيره، بما في ذلك مع عبد الناصر، يقوم في انه لم يوظف قوة الدولة لتنفيذ رؤيته ومهماته التاريخية، بل صنع دولة داخل دول مجزأة. وفي وحدته وشعاراته وأساليبه وغاياته يمثل الوحدة الاجتماعية والوطنية اللبنانية والعربية. وضمن هذا السياق، فانه يمثل بصورة نموذجية نوعية الانتقال من اللاهوت السياسي إلى الفكرة السياسية القومية والثقافية (الإسلامية). وبالتالي، فأنه الأنموذج الأكثر ايجابية وأصالة بين مشروعين متصارعين ومتناقضين في العالم العربي الحالي، بين زمن وتاريخ، بين ركود مفعول به ومستقبل فعال. وبهذا المعنى يصبح الموقف منه هو معيار الموقف الاجتماعي والوطني والقومي والثقافي (الإسلامي). وذلك لأن حقيقة الموقف الاجتماعي عند (حزب الله) مرتبط بفكرة المقاومة والتحدي، ومن ثم مرتبط بالأبعاد الدفينة لفكرة الحرية. وبالتالي فانه مثل وتمثل رحيق الضمير الحي والوجدان الأصيل في مواجهة قوى الداخل الخربة وقوى الخارج الكولونيالية. أما حقيقة موقفه الوطني، فينبع أيضا من فكرة التحدي والمقاومة بأبعادها التحررية. وضمن هذا السياق، على سبيل المثال لا يعني وصف (حزب الله) بأنه دولة داخل دولة سوى اتهام الأعداء الداخليين والخارجيين الذين يرون فيه تحديا فعليا. وذلك لأن حقيقة الوحدة الصلبة (لحزب الله) تقوم أولا وقبل كل شيء في المعنى الذي يمثله. وبالتالي فأن استقلاله بالقرار ضمن حدود الدولة اللبنانية والصراع فيها وحولها يعادل المعنى القائل، بأن (حزب الله) ليس دولة داخل الدولة اللبنانية، بل هو نموذج للدولة العربية البديلة من حيث مشروعها الوطني والقومي والثقافي (الإسلامي). أما حقيقة موقفه القومي، فانه يتجلى في صراعه الشامل والعنيف ضد أعداء الخارج والداخل. وفي مجرى صراعه قدم ويقدم صورة نموذجية عن وحدة الأبعاد الاجتماعية والوطنية والقومية (العربية) والإسلامية (الثقافية). ومن ثم تتوحد فيه المرجعيات الجوهرية للصيرورة العربية الثقافية ووعيها السياسي الحديث. وذلك لأن رؤيته في الصراع والتحدي والمقاومة هي رؤية اجتماعية ووطنية وقومية وإسلامية بقدر واحد. أما موقفه الإسلامي- فانه مرتبط بفهم معنى الإسلام وحقيقته، بوصفه عقيدة الإخلاص للحق. الأمر الذي جعل منه استظهارا جديدا وحيا لفكرة الثبات الجوهرية في الإسلام، أي الصبر على الحق بالحق للحق، أي كل ما يمكن الرمز إليه بعبارة أن (حزب الله) هو حجر الكعبة العربية للمقاومة الفعلية والتحدي وإعادة تأسيس القيم المتسامية للتقاليد العربية والإسلامية ودمجها في الوعي الاجتماعي والسياسي والأخلاقي.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رهان ماكرون بحل البرلمان وانتخاب غيره أصبح على المحك بعد نتا


.. نتنياهو: سنواصل الحرب على غزة حتى هزيمة حماس بشكل كامل وإطلا




.. تساؤلات بشأن استمرار بايدن بالسباق الرئاسي بعد أداءه الضعيف


.. نتائج أولية.. الغزواني يفوز بفترة جديدة بانتخابات موريتانيا|




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: سنواصل الحرب حتى تعجز حماس عن إعادة