الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مكرم : الأستاذ

نصارعبدالله

2013 / 6 / 28
الصحافة والاعلام


مكرم : الأستاذ د/ نصارعبدالله
قرب نهاية عام 2008 اتصل بى الأستاذ عادل حمودة رئيس تحرير الفجر طالبا منى أن أختار شخصية أرى أنها جديرة بالكتابة عنها لكى تكون من بين الشخصيات التى سوف تتناولها الفجر فى عدد رأس السنة ، وقد اخترت يومها أن أكتب عن الأستاذ مكرم محمد أحمد ، ورغم انقضاء أكثر من أربعة أعوام حافلة بالأحداث والمواقف على نشر مقال: "مكرم : الأستاذ" ، فإن رأيى فى الأستاذ مكرم لم يتغير ، وقد رأيت أن أعيد نشر المقال انتصافا للصحفى والكاتب الكبير، وتقديرا لمكانته الرفيعة.
***
لو أننا سألنا أى متابع للشأن الصحفى فى مصر من هو الجدير حقا بوصف الأستاذ من بين سائر الصحفيين المعاصرين، لو سألناه فإنه على الأرجح سوف يجيب بغير تردد : "محمد حسنين هيكل" ، .... بعد هيكل، غالبا سوف تتباين الآراء ، ولكل رأى أسانيده، .....بالنسبة لى شخصيا أستطيع أن أزعم، وبقدر كبير من الثقة أنه مكرم محمد أحمد، ولا أحد سواه !! هذا الزعم من جانبى أبنيه على أسانيد وأسباب كثيرة: أولها أن مكرم محمد أحمد كاتب واسع الثقافة إلى حد مذهل وهى سمة آخذة فى التقلص بين الأجيال الجديدة من الكتاب !!،وبوجه خاص رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير الحاليين الذين لا نظلمهم كثيرا إذا قلنا إن بعضهم أنصاف أميين، وأغلبهم تنطبق عليه عبارة الدكتور طه حسين الشهيرة التى قالها فى أواخر أيامه فى وصف أحد رؤساء التحرير المشهورين إذ ذاك :" هذا شخص رضى عن جهله، ورضى جهله عنه!! " ... كان هذا منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما، عندما كان رئيس التحرير الشهير فريدا فى جهله، أما الآن فقد أصبحت تلك النوعية فى كل مكان تقريبا، لا فارق فى ذلك بين تلك الصحافة المسماة بالحكومية أو المسماة بالمعارضة أو المستقلة!!، وأما ثانى تلك الأسباب فيتمثل فى أن مكرم يمتلك بالإضافة إلى ثقافته الواسعة موهبة فريدة ونادرة فى التحليل عموما وفى التحليل السياسى خصوصا، وهو فى عرضه لأى موضوع يكشف دائما عن نظرة نافذة وناقدة يستطيع من خلالها أن يصل إلى لب الموضوع وجوهره، ويستبعد ما قد يحيط به من التفصيلات عديمة الدلالة أو المضللة، أما ثالث تلك الأسباب فهى إيمانه الشديد بأنه لا مستقبل لأية أمة تستبعد من حياتها منهج التفكير العلمى والعقلى وتحاول أن تبنى حاضرها ومستقبلها تأسيسا على تأويلات معينة للنصوص الدينية تخرج بالدين عن جوهره الذى ينبغى أن يكون، وهو صيانة الكرامة للإنسان الفرد وتحقيق العدالة والتقدم للمجتمع، وانطلاقا من تلك القناعة راح يتصدى بكل قوة وثبات لتلك التيارات التى كانت تسعى لشد المجتمع إلى الوراء والتى استخدمت وقودا لها مجموعة من الشباب المضللين الذين كانوا يتوهمون أنهم يدافعون عن صحيح الإسلام، وقد كانت تلك القناعة من جانب الأستاذ مكرم على وشك أن تكلفه حياته عندما تصدت له مجموعة من أولئك المغيبين المضللين وأطلقت عليه النار حينما كان متوجها كعادته إلى لقاء السهرة الأسبوعية التى كان يعقدها أسبوعيا مع مجموعة من المثقفين الأصدقاء،.. بعدها ومن موقع إيمانه بأهمية الحوار العقلى لعب دورا هاما فى الحوار مع بعض المعتقلين السياسيين وفى إقناعهم بمدىالخطأ الذى ارتكبوه فى حق مجتمعهم ووطنهم مما أسفر بعد ذلك عن قيامهم بصياغة ما عرف بوثيقة المراجعة التى هى وثيقة تاريخية بكل المعايير ، أما رابع تلك الأسباب فيتمثل فى أنه نموذج نادر للصحفى الذى لم يبع قلمه قط ولم يتكسب من مهنته قط ، وعلى مدى حياته المهنية بأكملها لم يتقبل هدية أو دعوة واحدة مشبوهة وجهها إليه شخص من الأشخاص أوجهة من الجهات أيا ما كانت جنسيتها أو انتماءاتها، وعندما كان فى موقع المسئولية فى دار الهلال كان يحرص حرصا شديدا على عدم التساهل مع أى صحفى يجعل من نفسه أداة لخدمة ذلك المسئول أو ذلك الأمير أو هذا الوزير، أو يصدر منه ما يسىء بأى وجه من الوجوه إلى شرف مهنته كصحفى، وفى المقابل كان يقف بكل ما أوتى من قوة إلى جانب أى صحفى يواجه أى ضغط أو يتعرض لأية مشكلة أثناء أدائه لعمله بل إنه كان يقف إلى جانب أى صحفى يتعرض لمشكلة ما حتى لولم تكن لها صلة بعمله ،... ربما يأخذ البعض على مكرم محمد أحمد أنه شديد القرب من رأس النظام الحاكم وأن هذا فى حد ذاته قد يطعن فى استقلاليته كصحفى، وقد يفقده مصداقيته فى تقديم نفسه كواحد من الذين يدافعون عن الكيان المستقل لمهنة الصحفى ، ...صحيح أنه واحد من المؤيدين لأغلب قرارات وسياسات الرئيس مبارك كما كان من قبل واحدا من المؤيدين لأغلب سياسات وقرارات الرئيس أنور السادات، لكن الأمانة تقتضى منا مع هذا أن نسجل له فى هذا المجال أنه يختلف اختلافا جذريا عن غيره من المؤيدين فى أنه أولا ليس واحدا من الذين يقدمون ولاء مفتوحا ويبصمون للحاكم مقدما على بياض ويقبلون سلفا كل ما يمكن أن يصدر عن الرئاسة من القرارات!!! ، بما فى ذلك ما قد يتعرض منها للمساس بحرية الصحفى أو بكرامته أو بلقمة عيشه ، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو ما حدث فى خريف الغضب الشهير عام 1981 عندما أرسلت مؤسسة الرئاسة إلى رؤساء مجالس الإدارات الصحفية قائمة بأسماء المغضوب عليهم من الصحفيين العاملين لديهم طالبة فصلهم أو نقلهم إلى جهات عمل أخرى، يومها سارع الكثيرون من رؤساء مجالس الإدارات إلى تنفيذ ما طلبته الرئاسة ، بل إن بعضهم قد تطوعوا وأضافوا إلى القائمة أسماء أخرى حتى يبرهنوا للرئاسة على مدى ولائهم وتفانيهم فى خدمتها ، ... شخص واحد فقط هو الذى رفض فصل أى صحفى تابع لمؤسسته ، مبلغا الرئاسة بأن هؤلاء الصحفيين سوف يستمرون فى عملهم على مسئوليته ، وإذا كان لا بد أن يذهبوا فسوف يكون هو أول الذاهبين معهم !!! ( روى لى هذه الواقعة الأستاذ ماجد عطية الذى كان فيما روى واحدا من قائمة المغضوب عليهم )، كما يختلف مكرم عن المؤيدين الآخرين فى أنه لم يستثمر هذا التأييد قط لتحقيق منافع شخصية ( بعض المؤيدين الآخرين تضخمت ثرواتهم الشخصية إلى عشرات الملايين أو إلى مئاتها فى بعض الروايات )... لم يستثمر مكرم صلته الطيبة بالحكم لتحقيق منافع شخصية ولكنه استثمرها فى أمرين: أولهما هو تحقيق كل ما يمكنه تحقيه لمصلحة المشتغلين بمهنة الصحافة خاصة عندما يجدون أنفسهم فى مواجهة غير متكافئة مع القوى الأمنية الباطشة التى لا تختلف فى مسلكها كثيرا عن مسلك قوى الإرهاب وثانيهما هو أن قربه من النظام كمثقف يتيح له أن يقدم رؤيته الخاصة التى قد تكبح ولو فى حدود معينة جماح ما يريده الحاكم بالوطن ككل أو بجماعة المثقفين بوجه عام وبجماعة الصحفيين بوجه خاص، والواقعة السابقة التى رويناها منذ قليل مثال على ذلك، .....الكثيرون من المثقفين المتعاونين مع الحكام، خاصة مع الحكام المستبدين يبررون ذلك لأنفسهم بأنهم إن لم يفعلوا ذلك، فسوف يفعله غيرهم بدون شروط أو خطوط حمراء، وسوف يطيعون الحكام ولو على حساب أبناء مهنتهم، أما هم فإنهم سوف ينقذون كل مايمكن إنقاذه ،..... الكثيرون من المثقفين يقولون لأنفسهم هذا ،.. لكنهم عندما تحين لحظة الإختبار ينسون خطوطهم الحمراء والخضراء ويتصرفون مثل الآخرين تماما....وحده، ووحده فقط، مكرم محمد أحمد هو الذى لم ينس هذه الخطوط ، وعندما حانت لحظة الإختبار تصرف كما يليق بالمعلم والأستاذ
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن


.. اندلاع اشتباكات مسلحة بين قوات الاحتلال ومقاومون في مخيم بلا




.. حزب الله يعلن استهداف موقع البغدادي الإسرائيلي بالأسلحة الصا