الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وتريات الحب والحرب : رواية الفصل 7

حبيب هنا

2013 / 6 / 28
الادب والفن


- 7 -
عندما انتقلنا من مكة إلى منى، حدثت معي قصة طريفة وغريبة في آن معاً. كان ذلك في صبيحة اليوم التالي، وكانت خيام النساء في المخيم الذي نزلت فيه صغيرة قياساً بخيام الرجال التي تتسع الواحدة منها إلى ثمانين نزيل، وأذكر أنني وجدت كيساً لدواء السكر لا أعرف كيف وصل إلى حقيبتي، مكتوب عليه اسم المرأة صاحبته .
وعندما قمت بالسؤال عنه في خيام الرجال لم أجد صاحبه، ولأنني خشيت على المرأة من أن تتعرض لأي أذى جراء فقدانها الدواء، ذهبت إلى خيامهن أسأل عن صاحبته، خيمة خيمة على أمل إيصاله قبل فوات الأوان . الآن أذكر كيف وصلت إلى خيمة الحمامات دون معرفة،وعندما سألت عن المرأة وقبل أن أذكر اسمها أمامهن صرخت واحدة صرخة أفزعتني، دون معرفة السبب، غير أنني تداركت الأمر عندما غطت الأخريات رؤوسهن بما يحملن من ملابس .
تراجعت من فوري خجلاً في الوقت الذي سمعت أحداهن تقول : كيف تجرأت ودخلت إلى مكان السيدات ؟
انهالت شتائمهن فوق رأسي وأنا كاظماً للغيظ برفقة السيدة التي سمحت لي بالسؤال وهي ترافقني في هذه الجولة، ولما طفح الكيل ونحن نسمع أقدح الشتائم ، تركتني المرافقة وعادت إليهن تصرخ بأعلى صوتها في وجوههن قائلة : هذا جزاء الخير الذي صنعه من أجل المريضة، ثم هل تعتقدن أنه جاء للحج تاركاً زوجته كي ينظر إليكن ؟ عيب عليكن . ما فعلتنه بحقه معيب . لم يتسلل إلى مضاجعكن، بل جاء طالباً الإذن مني وبمرافقتي ..
عندها فقط، أدركت حجم الخطأ . نساء رؤوسهن مكشوفة وشعرهن يتحرك تبعاً لحركة الجسد، تفاجأن بدخول رجل إلى خيامهن وهن يغسلن ملابسهن في وضع لا يسمح لرجل غريب مشاهدته حتى وإن كان بغير قصد .
ومع ذلك، مازلت أتذكر أطراف الحديث الذي سمعته والذي لم أعطه أدنى اهتمام لولا هذه الحادثة . كانوا يقلن مطمئنين إلى أنهن نساء يعرفن لغة بعضهن البعض : مسكينة فلانة، لقد فاتها الحج هذا العام بسبب حضور الدورة الشهرية . وترد أخرى : لماذا لم تأخذ العلاج الذي أعطاها إياه الطبيب ؟ وترد ثالثة : هذا إذا كانت تعرف أن هناك طبيباً لهذا الغرض، فهي قروية لا تعرف من الدنيا سوى شجرة الزيتون .
كانوا يتحدثن على هذا النحو، ولكن ، بحياء متخيل ، حاضر معهم من المدن التي جئن منها ،يفتنهم سحر المكان ويعطي معنى لما يفعلنه ويهذب كلماتهن قدر المستطاع ، كأني بهم يخفن أن تصيبهن المعاصي من حيث لا يعلمن وتذهب فريضتهن بعد كل هذا العناء .
تذكرت المكابدات العابرة في هذا الطقس الروحاني الذي أقف فيه أمام الله وجهاً لوجه ، فترفعت عن الرد عليهن والسرور يغمرني . في تلك اللحظة هطل المطر واشتد قويا كأن السماء لم تمطر قبلئذ .
حدثت نفسي وأنا ناسياً تماماً ما سمعته من كلمات قاسية : عجباً لهذا الوجود المعجزة ، ما أن افتح عينَيّ حتى أرى السماء صافية لا أثر للغيوم والسحب ، وما أن أغمضهما وأنا في ذروة الغضب ، حتى يتساقط المطر غزيراً مدراراً كأن الله أراد أن يطفئ لهيب غضبي !
وما أن ابتلت الأرض حتى فاحت عطرة و أخذت الجبال تلتمع وحملت الريح لنا معنى قدسية المكان . إنها المعجزة التي تؤكد أن هذه الديار المقدسة التي تحرقها الشمس ما كانت لتنبت الحياة فيها لولا الارتباط الروحي في هذا المكان وتدفق الحجاج من مشارق الأرض ومغاربها كي يؤدوا طقوس العبادة والطاعة والانصياع لمشيئة الله وحب رسوله الكريم الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وطالبنا بمحبته أكثر من الأب والأم والابن والابنة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب