الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل حسّن التقدم العلمي وثورة المعلومات والإتصالات الحديثة من أخلاق البشر؟

منعم زيدان صويص

2013 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


يتطور تفكير الانسان وتتطور معه اساليبه وطرقه، وتصبح معقدة وملتوية مع تقدم العلوم والتكنولوجيا، بغض النظرعن اخلاقية او لاخلاقية هذه الاساليب او الطرق، فليس من الضروري أن يرفع التقدم المادي مستوى الأخلاق، فطرق الكذب والخداع أيضا ترتفع إلى مستوى أعلى كلما ارتفع مستوى التكنولوجيا، محدثة اضرارا اكبر واوسع ومهددة الأخلاق والقيم الإنسانية بصورة أو بأخرى، وخاصة في الدول غير المتطورة. وقد ادى التقدم العلمي في العصر الحديث، وخصوصا في مجال الإعلام والاتصالات والمعلوماتيه، الى التفنن في اساليب الخداع والالتفاف على القوانين، وهذا واضح في الطرق الملتويه الخادعة للدعاية والاعلان. فاذا توفر المال وقليل من الجهد والذكاء يستطيع الكثيرون ان يبنوا لهم شهرة، وحتى قاعدة شعبيه محترمة، بأساليب غير أمينة.

ويعتمد السياسيون على الإعلام في تدمير منافسيهم والذين يختلفون معهم في الرأي او الهدف. و تعتمد الحكومات على الأدوات الرسمية التى تسيطر عليها، بالاضافة الى الإعلام، لتنفيذ خططها، صحيحة كانت أم خاطئة. وهذا ينطبق على المعارضة أيضا. والحكومة، أوالمعارضة، عادة ما تركب موجة المد الشعبي حتى لو كان المد الشعبى مرتكزاً على حسابات خاطئة مبنية على العواطف او على الإعلام الكاذب الذي يعتمد الاثارة، وما أكثره هذه الأيام. والحقيقة ان نجاح الحكومة، أو المعارضة، يتناسب طرديا مع مدى استجابتها لعواطف الناس، وكأن هناك قانون في السياسة يقول: أذا اردت ان تقود الناس فاجعلهم يقودونك اولاً. فاذا لم يمش السياسي خلف الناس البسطاء هذه الأيام، لن يسيطر على الشارع ولن يكون له حظ من النجاح، وأدوات الإعلام والإتصال الحالية لا يمكن الإستغناء عنها لتحقيق هذه الغاية. ومهما كان السياسي مخلصاً ومحباَ لمصلحة شعبه فلن ينجح الا اذا استطاع ان يسيطرعاطفيا على العامة.

قبل عقود قليلة كانت المعلومات حكرا على عدد محدود من الناس -- الباحثين والمثقفين والعلماء وأمثالهم -- وكان معظم الناس لا يعرفون ماذا يدور خارج بلادهم أو حتى مدنهم أو الأحياء المجاورة، ولكن وسائل الأتصال الحديثة في عصر الإنترنت جعلت كل المعلومات مشاعا بين الناس، حتى لو كانت درجة التأثّر بهذه المعلومات أو إستيعابها يختلف من شخص إلى آخر، حسب درجة الثقافة والعلم، وكما قال المتنبي:

ولكنْ تأخذ الأذهان منه على قدر القرائح والفهوم

إن سهولة الإتصال وإنتشار المعلومات في هذا العصر خدم العلم والمعرفة ولكنه خلق مشاكل للناس والدول على حد سواء. لم يبق أسرار بين البشر فمن السهل حصول معلومات عن أي إنسان والتشهير بالناس واغتيال شخصياتهم وتشويه سمعتهم وسمعة عائلاتهم، وحتى دفعهم للإنتحار، ومن الصعب أن يعود الشخص الذي تعرض للتشهير إلى وضعه الطبيعي حتى لو استطاع أن يثبت براءته. وقد استغل بعض الناس مبداء حرية الرأى بطريقة سيئة بحيث أن التعدّيات على حرية الآخرين، بدل أن تكون حالات إستثنائية، أصبحت عامة، وامتد الأذى إلى أسرار الدول التي يعتبر إفشاؤها خيانة عظمى. فكل دولة فيها جهاز سري للأمن يسمى مخابرات وهو مهم جدا للإستقرار وحماية البلاد. والمعلومات عن ما يحصل داخل هذه الأجهزة تبقى أسرارا، أما الذين يفشون هذه الأسرار فلا يقدّرهم سوى الفضائيات وأجهزة الإعلام لأن مثل هؤلاء يخدمون مصالح هذه الأجهزه من حيث الشهرة والمال. وفي الأجهزة السرية هذه لا يهتم المسؤولون كثيرا بمبادىء حقوق الإنسان لأن لهذه الدول مصالح أعلى وأغلى منها، كالأمن الوطني والمصلحة العامة.

وقد رأينا كيف أن جنديا أمريكيا صغيرا إسمه برادلى مانينغ، حنث بالقسم الذي أخذه على نفسه، وأفشى أسرار الحكومة الأمريكية، المتمثلة بمئات الآلاف من الوثائق الرسمية، لجوليان أسانج الأسترالى، صاحب الموقع الألكتروني ويكي ليكس في عام 2010، جاعلا منه واحدا من أشهر الشخصيات في العالم ومن أبطال الفضائيات والإعلام، وكل ذلك تحت عنوان حرية الرأي. ولأن هذه الوثائق في معظمها تقارير يبعثها الدبلوماسيون الأمريكان لوزارة خارجية بلادهم عن محاضر إجتماعات مع مسؤولين في البلدان التي يعملون بها تحتوي معلومات لا يصرح هؤلاء المسؤولون بها للإعلام، فقد خلق نشرها بلبلة ومشاكل بين هذه البلدان والولايات المتحدة، واستغلتها الفضائيات وانشغل الناس بها، وخصوصا في عالمنا العربي، لأن من عادة كثير من المسؤولين العرب عموما أن لا يحرصوا على السرية في أحاديثهم للأجانب، معتقدين أن "سرهم في بير" كما يقول المثل العامي عندنا. ولا تزال قضية "ويكي ليكس" حية والأنباء تستمر في حمل آخر ما حصل لبطلها جوليان أسانج، الذي كان يهاجم المواقع الإلكترونية عندما كان صبيا، والذي لم يكن موقعه معروفا بعد أن أسسه عام 2006، إلا بعد أن إلتقى ببرادلى. بعض المحللين لهذه التسريبات، والذين يؤمنون بنظرية المؤامرة، خرجوا باحتمال أن تكون الحكومة الأمريكية وراء ماحدث لفضح هؤلاء السياسيين أمام شعوبهم، أو "لغرض في نفس يعقوب." ولا تزال ويكي ليكس مستمرة في نشر هذه الوثائق ولا تزال الولايات المتحدة تحا ول إعتقال أسانج وترحيله إلى الولايات المتحدة لمحاكمته.

أما الدول والأنظمة، فقد إستغلت هي أيضا ثورة المعلومات والإتصالات لدعم جهودها التجسسية، حتى على الناس العاديين، بحجة مكافحة الإرهاب. فمنذ أيام كشف موظف أمريكي آخر يُدعى إدوارد سنودن عن أن وكالة الأمن القومي الأمريكية وال (CIA) تتجسسان على الإتصالات والمكالمات الإلكترونية الخاصة، في الولايات المتحدة وخارجها. وأدى هرب سنودن إلى خارج البلاد إلى ضجة غير مسبوقه في الإعلام واحتجاجات دولية وتوتر في علاقة أمريكا مع الصين وروسيا وغيرها من الدول التي مكث فيها أو مرّ بها.

ومنذ أن نشأت الإنترنت ونحن نسمع عن الشباب الذين يهاجمون المواقع الإلكترونية للأفراد والشركات والمنظمات والدول، فيقتحمونها ويعيثون فيها فسادا، ويضطر المسؤولون عن هذه المواقع إلى إجراء تغييرات مُكلفة، وقتا ومالا، في أجهزتهم.

أكاد أن أجزم أن هذا التقدم العلمي وثورة المعلومات والإتصالات الحديثة لم تساعد على تقوية أخلاق الناس أو النشء الجديد فالجميع يستغلونها لمصلحتهم غير آبهين بالضرر العام الذي يحدثونه. ولا أريد أن أتطرق إلى المواقع اللا أخلاقية والإباحية التي ساعدت ثورة المعلومات على خلقها، ولا إلى التخطيط المشترك لبعض المجرمين لتنفيذ أعمال إرهابية وتعليم الشباب صنع المتفجرات من مواد خام رخيصة لنشر القلاقل وعدم الإستقرار وآيديولوجيات التعصب والإرهاب، وخاصة في الدول الذي يستفحل فيها الجهل والتأخر. ولا شك أن ثورة الإتصالات ساهمت بوضوح في عدم الإستقرارالذي يسمّى الربيع العربي. لقد حقق هذا التقدم العلمي فوائد ماديه لبعض بني البشر ولكنه لم يحسّن أخلاق الناس على الإطلاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قضية احتجاز مغاربة في تايلاندا وتشغيلهم من دون مقابل تصل إلى


.. معاناة نازحة مع عائلتها في مخيمات رفح




.. هل يستطيع نتنياهو تجاهل الضغوط الداخلية الداعية لإتمام صفقة


.. بعد 7 أشهر من الحرب.. تساؤلات إسرائيلية عن جدوى القتال في غز




.. لحظة استهداف الطائرات الإسرائيلية منزل صحفي بخان يونس جنوبي