الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تُزيَّف حقيقة الصراع في مصر!

جواد البشيتي

2013 / 6 / 30
مواضيع وابحاث سياسية



بين مَنْ ومَنْ يدور ويحتدم الصراع (الآن) في مصر؟
أوَّلاً، مصر الآن هي لـ "الحقيقة (العارية السافرة)" مكاناً وزماناً؛ وفي "ساعة الحقيقة"، التي تعيشها مصر الآن، يكاد يتلاشى الفَرْق بين "الظاهر" و"الباطن"؛ فظاهر كل طرف من أطراف الصراع هو باطنه، وباطنه هو ظاهره؛ وما عاد من داعٍ للتغليف والتمويه والزخرفة والتدليس.
عن ذاك السؤال، سَمِعْتُ، غير مرَّة، وكثيراً، "إجابة إسلامية" هي الآتية: إنَّه صراع يدور ويحتدم بين "الإسلام" و"العلمانية"؛ بين "الإسلاميين" و"العلمانيين".
ولَمَّا تَوَجَّهْتُ بالسؤال نفسه إلى "الواقع الموضوعي" لهذا الصراع، ولأطرافه، أو لطرفيه، أجابني قائلاً: كلاَّ، لا وجود، من حيث الأساس، لمثل هذا الصراع؛ وإنَّ مُدَّعي وجوده يعوزهم الدليل والإثبات؛ فلا وجود لصراعٍ بين طرفين لا وجود لهما أصلاً.
لكنَّ إجابتهم، المنافية لـ "الحقيقة الموضوعية"، تفيد في الحشد والتأليب والتسخين واكتساب النفوذ والشعبية؛ فالعامَّة من الناس (المسلمين) يُنْفَث في روعهم أنَّ "العلمانية"، والتي هي من "الكفر"، إنْ لم تكن هي "الكفر بعينه"، تشن حرباً على "الإسلام"؛ وعندئذٍ، يسهل الخيار؛ فَمَن ليس مع "الإسلام" فهو مع "الكفر" حتماً!
وتَوافُقَاً مع منطق هذا الخطاب، يمكن ويجب تصوير ثورة الخامس والعشرين من يناير على أنَّها ثورة تنتصر لـ "الإسلام" في صراعه ضدَّ "العلمانية"، التي كان يمثِّلها نظام حكم حسني مبارك!
وإنَّكَ بهذا الخطاب، الذي كالتابوت لجهة صلته بالحقيقة، تَسْتَقْطِب تأييد المتعصبين من العامة من المسلمين، فيَشْتَقُّون من تعصُّبهم الدِّيني تعصُّباً على اليساريين والقوميين والليبراليين أيضاً، وعلى كل من ينادي بالدولة المدنية بمفهومها الخالص من "الأسلمة"؛ وتَنْقَطِع صلته، من ثمَّ، بالقِيَم والمبادئ التي انتصرت لها ثورة الخامس والعشرين من يناير، ومن أجلها قامت هذه الثورة.
الطرفان فشلا وأخفقا في أنْ يؤسِّسا لرؤى ومواقف جديدة تشبه ثورة الخامس والعشرين من يناير في قِيَمها ومبادئها ودوافعها ومطالبها وغاياتها؛ فـ "الطرف الآخر"، المتطيِّر من "الأسلمة" وعواقبها، لم يُطِحْ من نهجه العام، ومن صلاته وتحالفاته، ما كان يجب أنْ يُطاح مع إطاحة حسني مبارك؛ فـ "الانتهازية"، التي زيَّنت له "التصالح المستتر (على وجه العموم)" مع كثيرٍ من بقايا عهد مبارك، رَجَحَت كفَّتها على كفَّة "المبدئية" التي تستصلحها تلك الثورة؛ وكان ينبغي له أنْ يجتهد في تمييز نفسه (رايةً ووجهة نظر وموقفاً ومطلباً وشعاراً..) عن الطرفين كليهما، أيْ عن الطرف الذي يمثِّل عهد، أو بقايا عهد، مبارك، وعن الطرف الإسلامي الذي لم يتخلَّ عن سعيه إلى التأسيس لدولة تتنافى والدولة المدنية في مفهومها الذي لا جامع يجمعه مع مفهوم "الدولة الإسلامية".
ولو كان لحزب الرئيس مرسي أنْ يتغيَّر، فكراً ورؤيةً ونهجاً، بما يجعله متصالحاً مع قِيَم ومبادئ ثورة الخامس والعشرين من يناير، لرأَيْنا مصر في عهد مرسي تَعْرِف من الديمقراطية والعلمانية والدولة المدنية ودولة المواطَنَة أكثر مِمَّا عرفته، وتعرفه، تركيا في عهد أردوغان.
الطرفان تصارعا في مصر بما جَعَل ثورة الخامس والعشرين من يناير عُرْضَةً لفسادٍ، بعضه متأتٍّ من بقايا عهد مبارك، وبعضه متأتٍّ من قوى وجماعات إسلامية متعصِّبة على كل ما يمت إلى الدولة المدنية بصلة، وعلى كل من ينادي بها.
خيار الثورة إنَّما كان "الدولة المدنية التي تتَّسِع لكل من لا يناصِب مقوِّماتها وأُسسها العداء"؛ وكان ينبغي لحزب مرسي أنْ يكون إسلامياً بما يسمح له بالتصالح مع الدولة المدنية، ويجعل له مكاناً تحت شمسها، لا أنْ يسعى في إعادة تعريفها بما يجعلها تشذُّ عن جنسها؛ فإنَّ "أسلمة" الدولة المدنية هي هَدْمٌ لأركانها، وتأسيس، في الوقت نفسه، لدولة الاستبداد الدِّيني، مهما حاولوا زخرفتها وزركشتها وتزيينها.
إذا كان ممكناً (موضوعياً) وجود إسلام سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي.. ، فإنَّ التأسيس لهذا الوجود، أو السعي إلى التأسيس له، كان يجب أنْ يكون بالدولة المدنية، وفيها، وبما لا يذهب بمقوِّماتها وأُسسها، التي لا تتلوَّن بلون دين أو مذهب أو عرق أو جنس..؛ لكنَّها تُلوِّن بلونها كل أفراد وجماعات وفئات المجتمع.
إنَّها دولة يحتاج إليها كل البشر؛ لأنَّها دولة "كُنْ كما تريد أنْ تكون؛ لكن بما لا يجحف بحق غيرك في أنْ يكون كما يريد أنْ يكون".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزي الكاتب
مجدي محروس عبدالله ( 2013 / 6 / 30 - 21:46 )
انت لم تجيب على السؤال الهام الذي دار حوله مقالك
ما هو حقيقة الصراع في مصر؟


2 - عندما
ناس حدهوم أحمد ( 2013 / 7 / 7 - 13:27 )
نعم أيها الأستاذ الكريم
الدولة المدنية هي الدولة العادلة لأنها دولة لكل المواطنين بما هي
دولة مواطنة تضمن الحرية والكرامة للجميع بدون أي استثناء
وهذا المفهوم للدولة لا تهضمه جماعة الإخوان- المسلمين
لو كانوا مسلمين حقا لما كانوا بشعين لهذه الدرجة من البشاعة
ينفر منهم كل من له عقل مستنير فهؤلاء لا يتحدثون إلا بالمطلق
كأنهم هم من على صواب وغيرهم كافر وضال ولا أدري هؤلاء ماذا
يوجد في رؤوسهم مخ مثل بني البشر أم شيء آخر
الناس لابد أن تختلف ولا يمكن أن يكون الناس جميعهم بفكرة واحدة
والديمقراطية نفسها التي يتدرع بها هؤلاء ولا يريدونها إلا في خدمتهم
لا يمكن إلا أن تكون في خدمة الجميع وفي خدمة الإختلاف الناعم
ولكن الحقيقة لا يمكن أن تكون عند هؤلاء المتعصبين ولهذا علينا
أن نقطع عليهم الطريق ونمنعهم عن تحويل الدولة إلى إيران مصرية
فهؤلاء الفقهاء مكانهم هو في المسجد وليس في السلطة

اخر الافلام

.. الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مسجدا يؤوي نازحين في دير البلح وس


.. مقتل وإصابة طلاب بحادثة انقلاب حافلة في كولومبيا




.. رحلات الإجلاء تتواصل.. سلوفاكيا تعيد رعاياها من لبنان


.. ما الذي قدمته إيران إلى لبنان منذ بدء الهجوم الإسرائيلي؟




.. فرنسا.. مظاهرات في باريس تنديدا باستهداف المدنيين في لبنان و