الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلاد الموت قهراً هي بلادي

أحلام طرايرة

2013 / 6 / 30
ملف - القضية الفلسطينية، آفاقها السياسية وسبل حلها


لا بد أن يكون الشاب الفلسطيني الذي أضرم النار بجسده اليوم أمام وزارة المالية الفلسطينية قد كابر كثيراً- كما يفعل أهل هذه البلاد- قبل أن يحرق نفسه قهراً. تقول الأخبار أن الشاب العشريني هو أسيرٌ محرّر، وهذا يخبرنا بالكثير. فالغربة التي يعيشها الفلسطيني في أسره تعلّمه الكثير عن المحتلّ وعن نفسه وعن مجتمعه الذي يعود إليه غريباً ويعيش فيه بعد ذلك غريباَ. لكن ليس كل من يحرق نفسه في فلسطين هم أسرى محررون. فمنذ حادثة البوعزيزي وانتشار هذا النوع من الاحتجاج في البلدان العربية، أضرم الكثير من الفلسطينيين النار بأجسادهم أمام مقرات حكومية قهراً أيضاً. لكن ما لا يعرفه الناس، أو يتجاهلونه، هو أن كل من يموت في هذه البلاد يموت قهراً وإن تعددت الأسباب الظاهرية من هرمٍ وأمراضٍ وحوادثَ سيرٍ ونوباتٍ قلبية! حتى أولئك الذين يظنون أنهم يهاجرون هربا يموتون في غربتهم قهراّ على أحلامٍ تمنّوا أن تصبح حقيقة يوما في وطنٍ لم يكن كما يجب للأوطان أن تكون- وهم يعتقدون أن هجرتهم كانت خياراً طوعياً وهي ليست كذلك أبداً. كلنا نموت قهراً. الفرق هو أن حارق جسده يمتلك من الشجاعة ما لا يمتلكها غيره فيعلنها صراحة وبصرخة مدويّة ونيران تأكل جسده: أيها العالم، أنا مقهور!! متجاهلاً بذلك كل الأعراف والمعتقدات الدينية التي تمنعه من إنهاء حياته لأن عليه أن يكابر ويصبر ويحتسب ذلك عند الله وإلا فالعار ونار جهنم هما مصيره المحتوم، فالاعتراض على القدر خطيئة وعيب! لكنه ببساطة يصفق بكل ذلك عرض الحائط ويصفعنا جميعا ويجرب بنفسه هذه النار التي نهدده بها!

نعم، هو أيضاً دفعته الحياة لهذا الخيار الجبري لكنه في الحقيقة أصدقنا مع نفسه. لا شك أنه سيختلف الكثير في تفسير حرق الناس لأجسادهم، إلا انه ليس من الصعب أن نشهد ذلك في بلادٍ يعرف الناس فيها عن الموت أكثر مما يعرفونه عن الحياة، وفي بلادٍ فيها من التعقيدات المركّبة مل قلّ نظيرها في بقاع الأرض الأخرى حيث أنك تواجه ظلمين كبيرين، ظلم الاحتلال واغتصاب الأرض والإنسان، وظلم الفلسطينيين لأنفسهم، فالحكومة ظالمة والمجتمع ظالم. في بلادٍ عليك أن ترضى بالظلم قدراً وتحتسب صبرك طمعاً في ثوابٍ ما في يومٍ يدعى يوم الحساب! لكن سياسة الترويض هذه لم تعد قدرا هي الأخرى، وصار بوسع البعض أن يصرخ وصار بوسعهم أن يبصقوا غضبهم في وجوه المروّضين. هذا ما يفعله حارق جسده، هو يبصق كل ما روّضه من معتقدات ووصفات حياتية للنفاق والتلوّن والمكابرة والكذب على الذات في وجوهنا ولسان حاله يقول: أنا ذاهب إلى الجحيم التي لطالما هددتموني بها، وأنتم لاحقون بي لا محالة!

لم يكن البوعزيزي أول من يحرق جسده قهراً، وإن كان أشهرهم في العالم العربي. ولن يكون آخرهم ما دام الظلم هو فرعون هذا الزمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة