الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع المدني بقيادة فرنسا في المستنقع الرملي بأزواد

محمد أغ محمد

2013 / 6 / 30
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


قبل البدء:
"في البدء كانت البادية" ـ عنوان الصحراء ـ حيث العدم المشاهد، والسراب الريان، والضبابية في الوضوح!.
لقد كانت الصحراء مرتعا آمنا، تزهو فيه براءة الطفل، ويزدهر مرح العجوز، وهي تحكي للصبايا أساطير الأسلاف، تربيهم على الحب، والسلام، والشهامة، والمروءة، كل أطماع سكانها الزرق تنقب في "السماء"، بالصلوات، والقرابين، لا في بطن أمهم الرؤوفة "، إنهم يحسون بشيء ما مخيف في الأسفل، ! بكنز مدفون، بأمر جلل !! تحت أقدامهم، يشعرون بطاقة خرافية في عمق البيداء لكن إيمانهم بما في السماء، وتقديرهم لمن فوق السماوات العلى ألهاهم عن النظر إلى التحت، إضافة إلى تقديسهم الأسطوري للرمال، وخوفهم منها !
عنها قال روبرت موزيل: "لقد كانت الصحراء دائما وطن الرؤى السماوية"، ولهذا خرج إليها ابنها البار العاشق/ ابراهيم الكوني في روايته الرائعة "الخروج إلى وطن الرؤى السماوية".
إلا أنها أصبحت "وطن الرؤى الأرضية" في ملحمة العالم الحديث.
الصحراء يغتصبها أهل المدنية!
لم تلبث وهي كذلك "بكرا مقدسة"، محروسة برجال زرق، متعاونين مع "الجن"، "والتمائم"، والحيوانات البرية جمعاء ـ حسب زعمهم ـ مما يمدهم بشجاعة استثنائية، لم تلبث كذلك حتى اكتشفتها الأطماع المدنية البشعة، فركزت عليها أجهزتها المنقبة، فإذا بها "غطاء لمختلف المعادن، وكنز مشحون بأصناف الطاقة، والغاز، واليورانيوم، والبترول"، فليست وطنا للرؤى السماوية، بل "مجرد مخزن لمصادر القوى الأرضية".
مادية الإنسان المدني الشره ـ بطبيعة الحال ـ لن تساعده على احترام البراءة الصحراوية، والترحم على العمائم الزرقاء، فهو جاحد لدود ل"للأرواح، والسماوات، والأخلاق"، ذلك "المثلث" المختزل "للعقلية الصحراوية البريئة"، فلتذهب الأساطير المقدسة إلى الجحيم، ولتحترق معها الأرواح البشرية، والخفية.
أجل، تحول "بطنها" إلى لعنةٍ على سكانها كما يزعمون في وصايا الكهان، لقد أصبح "أسفلها جحيما حقيقيا" بعدما كان أعلاها "نعيما بكرم الحرية، ودفء الأمان".
مادية فرنسا أخطأت في الحسابات!
لقد خرجت فرنسا 1960م، ـ وإن كانت باقية ـ وهي على علم بكل الكنوز النفيسة المضمرة تحت أقدام الملثمين، والتي تخفيها الصحراء الكبرى، فأودعها الفرنسيون عند من دربتهم على الشره، والاحتيال، من الأفارقة، و"العرب ـ البربر" في الشمال الإفريقي، مدعية أنها ستحتكر تلك "الكنوز"، وتضعها في احتياطها الاقتصادي الفائض إلى حين الحاجة! وكأنها لم تضع في حساباتها الاستعمارية أن هناك منافسين أشداء في أمريكا، والصين، وأوربا، وأن "الرجال الزرق" قد يتعلمون أسرار التقدم الغربي يوما ما !، ولم تدرك حينها أن الأفارقة أنفسهم قد يطمعون يوما في استهلاك الوديعة بإرادتهم، وبدون استشارة السفير الفرنسي، ولم تدرك كذلك أن العالم الإسلامي الممتد من آسيا إلى إفريقيا قد يفكر في جميع مساحته التاريخية.! لقد استيقظ كل هؤلاء، وتسابقوا إلى "الصحراء"!.
الصحراء يتناحر على بكارتها أهل المدنية:
عاد الكل،: الطوارق طالبوا بأرضهم التاريخية، ونجحوا قليلا في استقطاب جيرانهم من العرب، والسنغاي، وإن لم يوفقوا في ذلك، وأمريكا دخلت في الخط، ومعها بلجيكا، وسويسرا، والصين، وألمانيا..... فضلا عن الجزائر، وموريتانيا، ودول غرب افريقيا، وقطر، وتونس..... وحدث المكروه الأكبر لفرنسا! إذا شاركها الجميع في الاغتصاب!، ونافسها الكل في الكعكة، وسقط في يدها الملطخة بالدماء، وأصبحت في "حيص بيص".
لقد كانت فرنسا تأمل في أن تكون اللاعب الأول والأخير في مساحة الصحراء الكبرى، مثلها الجزائر، فإذا بها ترى من كل النواحي لاعبين معروفين، ومجهولين، واحد يمتطي جوادا تاريخيا دينيا، وعرقيا كالطوارق، والعرب، والأمازيغ، وآخر ناقة اقتصادية وسياسية، وجغرافية، كالصين، وأمريكا، والأفارقة، فتكاثرت الأشباح، وازدحم اللاعبون فأصبح الكل مجبرا على الاعتراف بالآخر زميلا له في الشركة، حتى انكشف بعض الأقنعة في المفاوضات التي أجريت بعاصمة بوركينا فاسو.!
فرنسا تتيه بحثا عن الخروج من "المستنقع الرملي":
الرمال الصحراوية تغرق فيها الرجال كما البحر، وتتيه فيها الأفكار كالرؤى السماوية الغامضة، فقد اختلط الحابل بالنابل على صناع القرار بفرنسا، فسعت الحكومة الفرنسية السابقة في استقطاب الطوارق علها تلخص من تشعب الملف، وتقبض على طرفي الورقة "الطوارق، ومالي"، لكن الرئيس المالي المخلوع أمدو توماني توري كان مرتابا من سياسات فرنسا دائما، وليس مطواعا لها فتم خلعه، وطرده، ولأن البخل الفرنسي المعروف حال دون تمويل الطوارق حتى يقيموا "دويلة شكلية" تحت إرادة فرنسا، إضافة إلى ترددها من منح الصحروايين المسلمين دولة تكون معقلا للمجاهدين مستقبلا لغز الصليبيين، تلك الفكرة الراسخة في كثير من أذهان الرجال الزرق ـ وفرنسا على علم بها، هذا في خيار استيلاء التيار الديني الإسلامي على أزواد، وهو التيار الأكثر قوة، وشعبية، وفي خيار استيلاء التيار القومي الأمازيغي فسيكون حلفاء فرنسا في شمال إفريقيا على شفا جرف هار! ومن ثم تفقد فرنسا نفوذها المباشر على المنطقة الاستراتيجية، وفي كلا الخيارين خسارة للأمن القومي الفرنسي، ونضوب للموارد الاقتصادية الفرنسية.
فها هي الحكومة الفرنسية اليوم تفقد ثقة الماليين، وصداقة الطوارق، وأكبر من ذلك تشاركها أمريكا، والصين، وكل من هب ودب في إدارة الملف الصحراوي الغني بالاستراتيجية العميقة، والموارد الاقتصادية العظيمة! فكان يجب أن تجبر مالي والأزواديين على "إيقاف الحرب، والهدوء، وإجراء انتخابات كرها في وقتها المحدد"، لعل تلك الهدنة تستغلها عقول الفرنسيين لإيجاد حل نهائي لأزمة فرنسا في الصحراء الكبرى، لا لأزمة السكان المحليين، الذين أغلب ما يرجى منهم أن يكونوا "وقودا" لنار قد تضرم في أية لحظة بين القوى الكبرى التي أحطت الرحال في قلب "وطن الرؤى السماوية". لولا أن الطوارق أنفسهم خرج منهم على حين غفلة "رموز قليلة" تشكل عامل تشويش صغير على أحفاد نابليون، فيجب استقطابهم، أو إعدامهم الحقيقي، أو الرمزي.
الخاتمة:
ينبغي أن يعي الخارج والداخل تعقد القضية الأزوادية المالية، ويستحضر الجميع أبعادها التاريخية، والدينية، والاقتصادية، والسياسية، والجغرافية، ولا ننكر أحدا منها، فإن اختزال "القضايا" يؤدي إلى سوء فهمها، وسوء فهمها يبعدنا عن إيجاد حل مناسب لها. وإني لأعتبر فرنسا صاحبة المشكلة، وصانعة هذه الفتنة قبل ستين سنة، فما لم نخرج عنها، ومنها لن نتحرر، ولن نستقر، فأشجع فكرة إشراك الآخرين معها في الملف إلى أقصى الحدود، وليس إبعادها مطلقا فأنا لا أدعو أيضا إلى تصنيفها من "الأعداء الأبديين"، فالعدو يتحول إلى صديق، والعكس صحيح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار