الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقات الشائكة بين أمريكا والعرب ( 2 )

فؤاد قنديل

2013 / 7 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



عندما أعلن الشقيري إنشاء " جيش فلسطين "عام 1964أيقن الدبلوماسيون الأمريكيون أن ذلك لم يكن يعني أكثر من أن عبد الناصر سيصدر شارات جديدة للواء فلسطيني موجود في سيناء ليلوح بفكرة الجهاد العربي لاستعادة الأرض المغتصبة ، وسرعان ما شعرت الإدارة الأمريكية بالانزعاج لأن الرئيس المصري أعلن في خطاب له أن الجيش الفلسطيني سوف يتلقى أعلى التدريبات والأسلحة كي يحرر أرضه ، وظلت الأمور تبدو للأمريكيين على أنها مجرد شعارات وخطب للاستهلاك المحلى حتى قام ناصر باصطحاب عرفات معه إلى موسكو وتقديمه للقادة السوفييت بوصفه قائد الجيش الفلسطيني الذي يتعين دعمه من أجل تحرير بلده ، وتزايد الشعور لدى الأمريكيين بخطورة ما يحدث .
يقول دوجلاس : وبينما كانت نذر الحرب تلوح في الأفق ، كانت واشنطن تنحو باللائمة على العرب بسبب تعنتهم الذي جعل التسوية مستحيلة ، وبعد زيارة قام بها هارولاند سوندرز خبير الشرق الأوسط بالبيت الأبيض للمنطقة قال : لا توجد أي بادرة تدل على أن الفلسطينيين روضوا أنفسهم على فقدان بيوتهم التي تركوها في إسرائيل ، وبعد أن عاشوا قرابة العقدين في بيوت الصفيح والخيام القذرة أصبح كرههم للصهيونية بلا حدود، وكرر سوندرز ما سبق أن صرح به : حاول ألا تقع في خطأ الاعتقاد أن الزمن كفيل بحل مشكلة اللاجئين، وذكر رؤساءه في 16مايو 1967 بأن جماعة فتح الإرهابية ترسل مخربيها إلى إسرائيل وتختارهم من بين الأكثر مرارة وحقدا من هؤلاء اللاجئين ""
ويقول دوجلاس ليتل في كتابه وهو أحد هؤلاء المستشرقين الذين لم يستطيعوا برغم الدرس العلمي أن يتخلصوا تماما من الرؤية الأمريكية الاستعمارية : كان من الخطأ أن تعتقد فتح ومن معها أن هناك أمل في استعادة وطنهم المفقود عن طريق القتال .
أسرع الأمريكان يصممون الخطط لاقتناص الديك الرومي كما كانوا يسمون الرئيس المصري وقد أمكن ذلك في عام 1967 ، إذ لم ينهزم عبد الناصر فقط في الحرب ولكنه رحل أيضا عام 1970 ، وتنفس الأمريكيون الصعداء وتجدد الأمل في معاودة العمل من أجل الاستيلاء على هذه المنطقة المستعصية ، ليأتي من بعده من ينتهج نهجا مضادا تماما لاتجاه سلفه ، ويعلن بوضوح استعداده لتوطيد العلاقات مع أمريكا وأن يطور في سياساته لتتسق مع الرأسمالية الغربية وينهي كل ما له علاقة بالرومانسية الثورية والقومية العربية .
لم تمر سنوات قليلة على التخلص من الثوري المصري وعودة مصر إلى الحظيرة الأمريكية حتى استولى زعيم الثورة الإسلامية الإمام الخوميني على سدة الحكم في إيران عام 1979 وطرد الشاه ، وبدا الأفق ملتهبا وملتبسا على نحو من الأنحاء ، لكن القادة الأمريكيين انشغلوا بتأمل التجربة وعندما أوشكوا على استكمال التصور الفعلي لما تم ظهر الاتحاد السوفييتي في أفغانستان مفتشا عن البترول بقواته العسكرية .
قال جيمي كارتر بعبارة حاسمة لم تتردد على لسانه كثيرا :
" المنطقة التي تهددها القوات السوفييتية الآن في أفغانستان ذات أهمية إستراتيجية ، فهي تحتوي على أكثر من ثلثي النفط المصدر للعالم . فليكن موقفنا واضحا تماما إذ إن أي محاولة من أي قوة أجنبية للسيطرة على الخليج الفارسي سوف تعتبر اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية ، وسوف يتم التصدي لهذا الاعتداء بكل الوسائل الممكنة بما في ذلك القوة العسكرية "
لم تحارب أمريكا مباشرة لإخراج السوفييت من أفغانستان ، لأنها في العادة تدفع بغيرها ليقوم بمبادرات مفتوحة ومتعددة المجالات ، لتعطي نفسها فرصة تأمل الخريطة وحالة الأطراف ذات الصلة وفي الوقت ذاته تتواصل جهود رجالها لبحث الخيارات المتعددة لوقف الاعتداءات بأقل خسائر ممكنة ، وقد أوعزت بذلك لكثير من المجاهدين العرب الذين عرف عنهم مقتهم المتعاظم للشيوعية ، وتكفي لإطلاق شرارة اللهب في مساحات حماسهم الشاسعة أن تتم الإشارة عبر وسائل الإعلام أو قنوات دبلوماسية متأخرة أو غير معنية تماما إلى نية الشيوعيين في الاستيلاء على بلد إسلامي ، وهذا ما حدث طوال الثمانينيات حيث تنادى المجاهدون العرب والمسلمون من الأقطار العربية المختلفة ، واندفعوا إلى أفغانستان وقاتلوا بشراسة نادرة جحافل الجيش السوفييتي حتى اندحر .وكان طبيعيا أن تتسع الابتسامة على وجه تمثال الحرية وتمتد من نيويورك حتى واشنطون .
لكن الابتسامة سرعان ما تبدلت بحالة من التوجس ، واستيقظ العرب والعالم صباح الثاني من أغسطس عام 1990على حدث صادم مزق الأمة العربية بلا رحمة ، إذ اقتحم صدام الكويت في سلوك همجي أحمق لا مبرر له وغير مسبوق وتمادي فهدد بالاستيلاء على ما جاورها ، وليس أهم من أفغانستان إلا الخليج ، لذلك أسرعت القوات الأمريكية مدعومة بقوات بعض الدول لإخراج المعتدي وتكسير عظامه إذا أمكن حتى لا يكرر التجربة التعسة .
على أن الإدارة الأمريكية في فترة حكم الرئيس كلينتون كانت تتابع ما يجري في العراق وترصد بدقة الوضعين السياسي والعسكري ، كما كانت تنصت جيدا للأحوال في السودان ، وأقدمت القوات الأمريكية على توجيه ضربة عسكرية محدودة للجماهيرية الليبية بحجة أنها وراء ارتكاب عدد من حوادث اختطاف الطائرات ، وسعت لاستصدار قرار من الأمم المتحدة بتوقيع عقوبات على ليبيا وفرض حصار على حركة الطيران منها وإليها ، وهكذا ظلت العلاقات الملتبسة تتواصل هنا وهناك وتزداد خيوط كرة الصوف تشابكا وتعقيدا دون أن تلمس الجماهير العربية بادرة أمل في حل مشكلة الشرق الأوسط الأولي وهي احتلال إسرائيل لفلسطين ، واستمرار التربص الأمريكي بدول عديدة في المنطقة بصورة دعت لأن يتشكك الكثير من المتابعين في النوايا الأمريكية التي لم تختلف مطلقا رغم تغير الرؤساء.
وبعد سنوات قليلة ضربت طائرتان برجي مركز التجارة العالمي الشهير بمدينة نيويورك ، وأسرع الإعلام الأمريكي يتهم العرب ، وتعالت الأصوات التي لا تري في الإسلام غير أنه عقيدة إرهابية ، والعرب ليسوا إلا سفاحين وقتلة .. ومن ثم عادت إلى فضاء الشرق الأوسط كرة البنج بونج الملتهبة التي كان حتما أن تتقاذفها كل الأطراف في المنطقة ، وتصور الأمريكيون في عهد بوش الابن أن الأمور لن تكون تحت السيطرة إلا بعمل عنيف سرعان ما تجلى في احتلال أفغانستان والعراق .
هذا بالفعل كتاب مهم ، ولا تكمن أهميته في عرضه تفاصيل العلاقات الأمريكية الشرق أوسطية ، أو الأمريكية الإسلامية على وجه التحديد ، ولكن لأنه يكشف الكثير مما جرى في الكواليس السياسية من مخاوف أحيانا وشكوك ، وما كان يحتدم في رؤوس الأمريكيين بشكل شبه دائم من أفكار ونوايا وصراعات وترتيبات إزاء هذه المنطقة المرغوبة والملغومة في آن ، وربما لا تزال كذلك برغم حراك جزرها نحو البحار الأمريكية ، ولابد من الاعتراف الذي لا يقره مؤلف الكتاب بأن العلاقات الأمريكية الإسلامية كانت وستظل هي التي يمكن أن تكون راسخة وقوية لأسباب كثيرة أعمق مما يتصور البعض لولا الدعم الأمريكي لإسرائيل،وعدم استعدادها للاستغناء عنها لأنها ترى أن مصالحها مع العرب ليست كافية لإقامة علاقة مأمونة ولابد من إبقاء هذه القنبلة على باب المنطقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوتين يضع شروطه لإنهاء الحرب.. ورفض قاطع لها من أوكرانيا|#غر


.. المنطقة..وتأرجح بين التهدئة والتصعيد|#غرفة_الأخبار




.. عسكريون إسرائيليون عبر وسائل إعلام عبرية يحذرون من مغبة الحر


.. سلاح جيش الاحتلال يتسبب في فقدان نطق طفل في غزة




.. مواجهات بين شبان فلسطينيين وقوات الاحتلال بعد اقتحامها بلدة