الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوية ...... بدل ضائع

جواد كاظم الدايني

2013 / 7 / 2
مواضيع وابحاث سياسية



كما يبدوا لم تعد فوبيا الاسلام مرضا نفسيا تعاني منه المجتمعات الغربية "الكافرة " , بل انتشرت كذلك داخل المجتمعات الاسلامية "المؤمنة " , رغم انها كانت حاضنة للحركات الدينية المتطرفة المسؤولة عنها . فقد اعقب تعيين احد اعضاء الجماعة الاسلامية في مصر والتي تعرف الان بحزب البناء والتنمية محافضا للاقصر "اشهر المدن السياحية في مصر" احتجاجات واسعة اثارت حفيظة سكان المدينة, فلقد كانت الجماعة مسؤولة عن عملية ارهابية استهدفت سياحاً اجانب في العام 1997 اوقعت العشرات كان بينهم مصريين, تلك الاحجاجات دفعت بالمحافظ الى الاستقالة بعد ما اعترف ان الجماعة طلبت من الحكومة المصرية مسبقا تسمية المرشح لاي منصب او محافظة اخرى !؟ فقط ليهربوا من تاريخهم القبيح .
اتاحت العولمة وتقنيات الاتصال, مجالا واسعاً ورحباً للنظر الى الغرب بمنجزاته الفكرية والعلمية ورخائه الاقتصادي والاجتماعي تم خلالها نقل ازمة الوعي لدينا لمستوى نقدي اعلى, بدأ يسمح للمجتمعات بأعادة النظر في مسألة الهوية, فمن الاضطرار الى انتماءات دينية وفئوية الى البحث عن هويات تسهل التواصل والتفاعل مع العالم الخارجي, بدلا من حالة التقوقع الثقافي المحدود.
فهل نحن مجتمعات اسلامية حقا ؟ يبدوا سؤالي غريبا, فاذا كنا نتحدث عن سلوكيات واخلاق "اسلامية" فهي اخلاق كونية دعت اليها جميع الاديان التي سبقت الاسلام, وللملحد او غير المتدين ان يتسم بها, كذلك فنحن نشترك مع الكثيريين بأننا نكذب ونسرق ونقتل ونعتدي ونثمل ونزني ونغتاب وننافق وهي اخلاق (غير اسلامية), ومع ذلك نبقى مجتمعات طاهرة ! مقارنة بالمجتمعات الغربية النجسة ! .
دساتيرنا ليست اسلامية وتحت ضغط المؤسسة الدينية يورد بند الاسلام احد مصادر التشريع, لأن الحياة لا تملك الشجاعة لمجاراة التشريع الاسلامي الا ما ندر ربما في (ايران والسعودية) ذلك ان بعض التشريعات العتيقة لا تتلائم والقيم الحضارية والانسانية فقطع الرؤوس وقطع يد السارق ورجم الزاني والزانية واحكام الذميين وقتل المرتد جميعا تعتبر تشريعات مخزية تنافي ابسط حقوق الانسان في الحرية والحياة, المضحك اننا نتمسك فقط بأحكام الزواج والارث لا لشيئ الا لانها تكرس السلطة الذكورية في العائلة والمجتمع, وهذه حقيقة فأذا كان الاسلام قد انصف المرأة في العصر الاسلامي فهو قطعا يسيئ اليها الان اذ ابقى على تلك التشريعات "المقدسة..!" والتي يمن بها يوميا على نساء الاعالم والاسلام .
تبقى الممارسات والطقوس العبادية, التي لا تكفي كونها مجموعة حركات وشعائر في اغلبها لا تمت بصلة الى الاسلام ( الكثير منها سابقة له) ان تصبح انتماءاً وهوية تلتف حولها امة ما زالت تتخبط بوحل التخلف والجهل, في عالم يسوده العلم والتقدم الحضاري ويأخذ العقل دوره في عقلنة التاريخ الانساني .
فمن الذي يطبع مجتمعاتنا بهذه التسمية ؟ اعتقد جازما ان الامر لا علاقة له بتدين المجتمعات, انها المؤسسة الدينية وقوة السلطة الحاكمة فهي من توهم الناس بتلك الهوية فقط لاضفاء الشرعية عليها. طبعت الصفة المسيحية المجتمعات الاوروبية لقرون طويلة فمنذ الإمبراطور الروماني قسطنطين (حوالي 285-337 م) والى لويس السادس عشر(1799 م), تحالفت المؤسسة الدينية مع استبداد السلطة في معاهدة قذرة لاخضاع الناس واجبارهم على الاقرار والخضوع , من خلال مباركة رجال الكنيسة لعهر الحكام, وبعد قرنين من النظال والثورات والانجازات الكبيرة في مجال العلوم والفكر والفلسفة, تنجح المجتمعات في توليد الدولة القومية وتجريد السلطة من اي ايدولوجيا فكرية والاقتصار على انها نظام ادارة دولة معنية بحماية الدستور ومستأمنة على تطبيق القانون وغير مسؤولة عن تحديد ثقافة الناس وتوجهات المجتمع الفكرية والدينية ما لم يهدد ذلك حياة المجتمعات.
ومع ذلك فأن المسيحية لم تلغى من المجتمعات التي تدين بها لكنها فقط اخذت حجمها الطبيعي في الحياة والمجتمع الى الممكن المسموح به لمراعاة الجانب الروحي لها . فهي وجميع الاديان لا تعدوا اكثر من كونها حرية شخصية لا يجب ان تتجاوز ابواب منازلنا . وهذه مشكلتنا الكبيرة فرغم ان الدين عندنا ليس بأهمية الحياة والفكر والجنس والمتعة الا انه يأخذ حيزا كبيرا في وجودنا لان هناك دائما من ينفخ فيه كمرجل لاستعباد المجتمعات وتكريس فكرة العبودية التي تنقلها المؤسسة الدينية من العبودية للخالق الى العبودية للمخلوق. وفي عهود الدكتاتورية لم تكن تعني لنا اننا مجتمعات متحضرة اومدنية اكثر من اننا لا نسكن بيوت الشعر والطين, فلم نكن مجتمعات حرة بل كانت السلطة تصبغنا بأيدولوجيتها وتضفي علينا ما تشاء من الهويات والمسميات.
الدين كان عارضاً على البشرية عندما لم يكن بقدور العقل والعلم الاجابة عن الاسئلة التي يطرحها الوجود الانساني.
ما يظهر من محاولة الهيمنة على الدولة وظهور السلطة كقوة متعجرفة هو لوضع المجتمع في قالبها, وهو ما سبب الفوبيا الجديدة واثار حفيضة الكثير من الاتراك للاحتجاج على محاولة اردوغان لاسلمة ساحة تقسيم ووضعها في قالب سلوكه الاسلامي الملتزم ناهيك عن محاولاته لتقنين شرب الخمور وتبادل قبلات العاشقين. اما السيد مرسي فلم يتحمله الكثيرين بطلته الاسلامية واسلوبه الوعظي وهو يحاول اخونة الدولة المصرية , ان ايحاء التعجرف السياسي هذا لا يوجد ولا يستشرعه الأمريكيين مثلا لذا فأن اعادة انتخاب السيد اوباما لم تمثل مشكلة قياسا بالسيد المالكي وبسنة مرسي الوحيدة. اوباما لم يحاول ان يوصل رسالة معينة بشأن بروتستانتية ولم يحاول الظهور بالمظهر البطولي الاوحد ولم يحاول ان يذكر الشعب الامريكي ان امريكا بدونه " nothing " . وفي الانتخابات الرئاسية يصبح كيري خصمه السياسي الجمهوري وزيرا لخارجيته , اوباما لا يجد في انتقاده ومثوله امام الكونغرس منقصة لهيبته فهي اولا واخيرا هيبة الدولة بالعكس تماما من هيبة السلطة عندنا تأتي فقط من قوة الاجهزة الامنية والعسكرية .
لذلك تخاف المجتمعات المغيبة تحت يافطة "اسلامية" من انظمتها الاسلامية المنتخبة ديمقراطيا . الاوضاع الغريبة في المنطقة هي بسبب عجز المجتمعات على فرز نظام سياسي يتحمل معضلة كبيرة اسمها التنوع الديني والعرقي والطائفي التي تأخذ منطقتنا خصوصيتها منه وبالتالي فأن السلطة الحاكمة يحب ان تكون بمرتبة من القوة الانسانية الراقية تتيح له التجرد من الانتماءات على الاقل في السنوات التي يحكم فيها .....
‏الثلاثاء‏، 02‏ تموز‏، 2013
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -علموا أولادكم البرمجة-..جدل في مصر بعد تصريحات السيسي


.. قافلة مساعدات إنسانية من الأردن إلى قطاع غزة • فرانس 24




.. الشرطة الأمريكية تداهم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات الطلاب


.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24




.. بلينكن يلتقي من جديد مع نتنياهو.. ما أهداف اللقاء المعلنة؟