الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة الماركسية... الدياليكتيك المادي

اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني

2013 / 7 / 3
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية




بحسب تعاليم كارل ماركس و فريدريك انجلز, فان الفلسفة لا يمكن, و لا يجب ان تكون (علم مطلق) يطمح الى حل كل المسائل و الألغاز, و هي تشكل جزء من العملية العامة للمعرفة النظرية, وبالتالي تتطور و تغتني دون توقف. و هي لن تصل الى شكلها النهائي بصورة مطلقة, لأن الحقائق المطلقة بالرغم من وجودها تظهر بصورة حقائق نسبية مترابطة تشكل عملية معرفة العالم
ما هي اذن مهمة الفلسفة؟ و كيف يمكن تحديد مكانها بين مجمل العلوم الأخرى في التراث الفكري الإنساني؟
لكل علم هدفه و غرضه الخاص, يدرس شكل معين لحركة المادة, او لمجموعة ظواهر معينة مترابطة, فالبيولوجيا تدرس الأجهزة العضوية للكائنات الحية بما فيها النبات و الحيوان, و الكيمياء تدرس شكل ترابط ذرات المادة ببعضها البعض و ترابط عدد من العناصر بعناصر أخرى, و لا يمكن ان نقول ان البيولوجيا تستطيع ان تدرس اشكال المادة السائلة و الغازية و الصلبة, فكل علم يجب ان يحدد غرض دراساته, و لذلك فان كل علم يتمتع بهذا القدر او ذاك من الاستقلالية عن الفرع الاخر من العلوم الأخرى, و لكنه يجب عدم إقامة حواجز عازلة بين العلوم و الفروع, لأن أشكال حركة المادة, و التي هي موضوع دراسة العلوم المختلفة ليست ابدا منعزلة فعلا, و لكنه تحددها علاقات متبادلة, فمثلا, من المعلوم ان الحركة الميكانيكية تنتقل الى اشكال حركة اخرى, الكهرباء و الحرارة, ينبغي اذن اقامة روابط بين العلوم, و هكذا فان البيولوجيا ترتكز على الكيمياء و تلجأ الى الفيزياء, و لكن ما هو الشيء الذي يتيح للاختصاصي في هذا المجال او ذاك ان يتصل مع الفروع الأخرى من العلوم؟ فطبعا, ثقافته العامة, و معرفته العامة و دراسته تتيح له المجال أن يأخذ ما يحتاجه من العلوم الأخرى من اجل اختصاصه, و لكن يجب ان نفهم انه هذا لا يكفي ابدآ, فيتوجب على أي اختصاصي ان يكون لديه استيعاب لأشمل قوانين الطبيعة و المجتمع, استيعاب ينتج عن تركيب و دمج نظري لكل حاصل المعارف المكتسبة من قبل الفكر الإنساني, و هي الفلسفة, و الفلسفة العلمية التي تعطي النظرة الصحيحة لذاك الحاصل, هو المادية الدياليكتيكية و المادية التاريخية.
إن مختلف العلوم تدرس هذا الجزء أو ذاك من الطبيعة او المجتمع, و تفكه من مجمل منظومات المادة, و تحلله و تدرسه على حدة, و من ثم تربطه (الجزء المراد دراسته )بالمنظومات المرتبطة به مرة أخرى على العموم, بينما تهدف الفلسفة الماركسية إلى إعادة رسم الصورة النظرية للعالم في وحدته, ليس من واقع انه (العالم) مجرد, بل من مجرد انه واقع.
و من المستحيل دون ريب, ان نقوم بجمع ميكانيكي لحاصل المعارف الإنسانية من مختلف الاختصاصات في قالب واحد, و لكنه ينبغي ان يكون هناك قوانين عامة تتعلق بالطبيعة و المجتمع, و لكن هل تشكل هذه القوانين العامة حقل ذا امتياز موضوع فوق القوانين الخاصة؟طبعا لا, فان اشمل القوانين المدروسة من قبل الفلسفة الماركسية تتجلى في عمل كل القوانين الخاصة بكل مجموعة من الظاهرات, و ان القوانين الشاملة هي جوهر القوانين الخاصة التي هي موضوع هذا الفرع العلمي او ذاك.
ان الحقيقة القائلة بأن كل شيء مترابط و لا شيء موجود في عزلة عن الأشياء المحيطة به, تظهر بصورة ترابط مفاهيمي لنظرية عامة عن العالم, و تظهر ايضا في الإدراك اليومي بشكل سطحي, كما لو ان الأمر لا يتعلق بعلاقات تحدد الأشياء, بل بمجرد روابط ظاهرية.
ان التبعيات و العلاقات التي تربط هذه الظاهرة بما حولها يشكل جوهر المادية الدياليكتيكية, فانه عندما يتم الحديث عن الماء, لا يتم الحديث عن الهيدروجين و الاكسجين, بل يتم الحديث عن الماء, بوصفه العلاقة المترابطة المبنية بين هذين العنصرين.
ان الديالكتيك يعود الى أقدم العصور, و ان هيغل هو من أعظم الدياليكتيكيين ما قبل الماركسية, إلا أن دياليكتيكه المثالي قد جهل العمليات الحقيقية , عمليات المادة داخل الطبيعة و المجتمع, و قد أسس ماركس و انجلز الدياليكتيك المادي.
إن ما يشكل السمة الأساسية للفلسفة الماركسية هو الوحدة و التداخل بين المادية و الديالكتيك.
يعلمنا تاريخ الفلسفة ان كل المذاهب الفلسفية يقوم كل منها على صيغة نظرية لأحد المفهومين, المادي او المثالي, للعلاقات المتبادلة بين الفكر و المادة, و الظاهرات النفسية و الأشياء الموضوعية, بين الموضوعية و الذاتية, و هذا هو الخيار الرئيسي لكل فلسفة. فالمساهمة للمادية التي قبل ماركس تتلخص في أنها عمقت الروابط التي تجمع بين وعي الإنسان لجوهره المادي و بين واقعه المحيط, و بأنها أثبتت أن الفكر و الوعي لا تشكل مبدأ ارفع من الإنسان و الطبيعة, بل تشكل خاصية للمادة, و من جهة اخرى انعكاس للعالم الحقيقي خارج الذات المفكرة, إلا أن تطور الفكر لم يجد مكانا له في المادية السابقة لماركس لأن تطور المادة الذي أدى إلى ظهور الوعي (في مرحلة معينة) كان غير معروف فيها, و كذلك تطور الفكر و الوعي مع تقدم المجتمع.
و من وجهة نظر المادية الدياليكتيكية اما قام ماركس و انجلز بحسم أولوية المادة على الوعي, و قد اثبتا الضعف النظري للمادية القديمة التي كانت تؤمن بوجود (ذرة أولية) للمادة.
ان الفكر هو الثانوي بالنسبة للمادة, أي انه انعكاس للمادة, وهذه المادة بدورها توجد بدورها خارج الوعي, و المادية الديالكتيكية تقول أيضا بتحول الفكرة الى مادة, و بتحول الذاتي الى موضوعي, فمثلا ان تصور لهيكل تصميمي معين في ذهن الإنسان يتحقق في بناءه و يصبح (مادة) و هذا التفاعل الديالكتيكي الذي يقوم على اساس حسي, موجود, يظهر بشكل جلي في العلاقات الاجتماعية, بين الحياة (المادة) و العلم (الوعي).
ان الفلاسفة الماديين ما قبل ماركس عجزوا عن تطبيق الديالكتيك على نظرية المعرفة, و هم كانوا يعتبرون المعرفة كنتيجة لتأثير الأشياء المادية على حواسنا, و لكن ماركس و انجلز, قد اكدا انه كما ان العالم يعكس في ذهن الانسان فكرة ما و تصور, فان المعرفة لا تكتمل اذا لم يؤثر الانسان على العالم الخارجي أيضا (الممارسة) العملية, كمقياس للمعرفة.
قبل ظهور النظرية الماركسية, لم يتخطى الماديون حدود الذات المعزولة و المدركة بالحواس للواقع الخارجي, فان المادية الديالكتيكية أن على النظرية ان تعطي بيان عن مجمل عملية المعرفة المحققة من قبل الناس طوال تاريخهم, و هي مدعوة من وجهة النظر هذه الى تحقيق تركيب علمي من هذا الانتقال من الجهل الى المعرفة.
و عندئذ تصبح المعرفة عملية تاريخية و اجتماعية, لا تسمح لنفسها بالاقتصار على نشاطات فردية معزولة, مهما كانت ذات اهمية كبيرة.
ان في نظرية المعرفة الماركسية, ما يهمنا الحديث عنه هنا, و هو أن المادية الدياليكتيكية تنظر بشكل عميق مقولتي التجربة و التفكير, او ما يسمى بالتجريبي و العقلاني.
فان التركيب النظري هو ارفع درجة للمعرفة المختلفة نوعيا عن الصورة التجريبية للعالم, و هذا التركيب النظري يقوم محتواه بتجاوز جميع مجموع المعلومات التي تنتج من الإحساس المباشر, بالتالي, و بما ان كل نظرية تقوم على تجربة و تحقيق, فإنها (النظرية) تمثل صورة اصدق عن الواقع, و ان هذا التعارض لن يجعلنا مطلقا نرفض ما تعطينا إياه الحواس, بل يدعونا لأن نتحقق منها, و نمحصها و ندرسها بشكل عقلاني, و نخضعها للتجربة.
ما هو مقياس الحقيقة؟ ان الفلسفات ما قبل الماركسية , كان بعضها يقول بأن (العقل) هو قادر على تحديد الحقيقة, و بعضها الآخر كان يقول بأن (الأحاسيس) هي من تفعل, و قد حل كارل ماركس و فريدريك انجلز المسألة بإثباتهما ان المقياس لا يمكن ان يكون الا الممارسة العملية التي تحدد بأشكال مختلفة- من المشاهدات, و القياس, و الأدوات العلمية, و حتى العمليات التاريخية و الممارسة الثورية- المحتوى الموضوعي لتصوراتنا و مفاهيمنا النظرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | تعطل حركة الطيران في مطار ميونخ، والسبب: محتجون في


.. إسبانيا: آلاف المتظاهرين ينزلون إلى شوارع مدريد للدفاع عن ال




.. لماذا تتبع دول قانون السير على اليمين وأخرى على اليسار؟ | عا


.. مظاهرات في القدس تطالب بانتخابات مبكرة وصفقة تبادل والشرطة ا




.. Boycotting - To Your Left: Palestine | المقاطعة - على شمالَِ