الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما العلة الحقيقية في انهيار سوريا

نعيم إيليا

2013 / 7 / 3
الارهاب, الحرب والسلام


يورغن تودِنهِوفر. ترجمة نعيم إيليا

كتب يورغن تودِنهيفر في صحيفة Der Tagesspiegel الصادرة في برلين في الأول من تموز 2013 رقم 21734 بعنوان ( Woran Syrien wirklich zerbricht ):
((توالت زياراتي لسوريا، البلد الغارق في اليأس والقنوط، في السنتين الأخيرتين ستَّ مرات.
أشياء كثيرة تذكرني بما شاهدته في زيارتي الأولى بداية عام 2002 وبما شاهدته في زيارتي الثانية عام 2003 للمنطقة أثناء الحرب العراقية التي سبقت. كنت في أثناء هاتين الزيارتين قد صدمت تماماً كما صدمت في زياراتي لسوريا، بما يروجه الساسة الغربيون من الأضاليل عن هذا البلد، وصدمت بأشد من ذلك بما يعانيه الناس فيه من الجزع وفقدان الأمل.
الولايات المتحدة، والسعودية العربية، وقطر لا تهتم بالصراع الدائر في سوريا؛ أي ليس الصراع السوري الداخلي هو الذي يعنيها، وإنما يعنيها في الأصل إيران؛ الدولة التي أصبحت قوية جداً بفضل الحرب العراقية الطائشة الرعناء التي شنها الرئيس السابق للولايات المتحدة جورج بوش الابن. إن هذه الدول تسعى من خلال إسقاط الأسد؛ حليف إيران، إلى إضعاف النفوذ الإيراني المتفوق في الشرق الأوسط.
وقد أدت هذه الاستراتيجية إلى انهيار سوريا وانهيار مجتمعها المكون من أديان مختلفة وقوميات متعددة كانت تتعايش في وئام وتسامح رائع عجيب! علماً بأن هذا النموذج للتعايش الاجتماعي في سوريا– مع الأسف – لم تكن له قط صفة الديمقراطية.
وفي الوقت الذي تنهار فيه سوريا وبنيتها الاجتماعية، تزداد بالحرب قوة تنظيمات القاعدة ضراوة وبأساً. فجبهة النصرة – وهي فرع من القاعدة - تضم في صفوفها من المقاتلين 1500 مقاتل ثلثهم من الجهاديين الأجانب. إنها، في غضون هذا السياق، القوة التي تتبوأ مرتبة القيادة بين التنظيمات المقاتلة، والقوة التي لها الحظ الأوفى من التركيز والعناية من جانب التنظيم الأم؛ القاعدة. والقوة التي تنذر بخطر نشوء (تسونامي) من العنف والإرهاب.
وليس من المستبعد، فضلاً عن ذلك، أن يمتد خطر الحريق، حريق الحرب، ليشمل رقعة واسعة من المنطقة. فحتى الآن هناك عشرة بلدان متورطة في الصراع يمكن أن تمتد إليها الحرائق. وإذا ما اشتعلت الحرائق في الشرق الأوسط، فلا غرو أن تنطفئ عندنا – في أوروبا – المصابيح.
فكيف يمكن منع هذه التطورات الخطيرة في الشرق الأوسط من الاشتعال والانفجار؟
في البدء لا محيد عن تنحية الأكاذيب الدعاوية لكلا الفئتين وإهمالها؛ لأن هذه الأكاذيب (البروباغندا) تصعِّب مهمة التحليل السليم للصراع الدائر، وذلك قبل الشروع في تحليل الصراع الذي يمكن حصره في النقاط التالية:
1- بخلاف ما يحدث في تونس وفي مصر وليبيا، لا يقاتل في سوريا (شعبٌ) ضد طاغية مستبد جائر معزول، وإنما هي أقلية معارضة قوية تقاتل ضد أكثرية حاكمة مستقرة نسبياً. فالأسد يحوز دعماً من الشعب السوري لا يقل عن الدعم الذي تحوزه المعارضة والثوار، وربما أكثر... أعجبنا هذا أم لم يعجبنا.
2- (جريمة) مئة الألف ضحية، شهيد، لا تدخل في الحساب الجاري للقوات النظامية للدولة السورية فحسب، بل تدخل أيضاً في الحساب الجاري للثوار؛ فالثوار يقتلون من الشعب مثلما يقتل النظام. وبحسب التقديرات الإحصائية التقريبية فإن ثلثاً من القتلى جنودٌ ورجال أمن، وثلثاً ثوار، وثلثاً مدنيون. صرح لي بطريرك سوريا، قال: "بل إن الثوار يقتلون أعداداً من المدنيين، تفوق أعداد المدنيين الذين يقتلهم النظام". ومتى كان تنظيم القاعدة يراعي أمن الناس ويحرص على أرواحهم!؟
3- الغالبية العظمى من الثوار، لم تعد تقاتل، منذ وقت طويل، من أجل الديمقراطية. لقد جنحت إلى التطرف الديني.
وحتى أبعاض (الجيش السوري الحر) وأقسامه التي كان مفترضاً أنها معتدلة، صار هدفها تحقيق مشروع الخلافة الإسلامية، صار هدفها إقامة ديكتاتورية دينية متطرفة.
في هذا الوضع الشائك، فإن تزويد الثوار بأسلحة غربية، سيكون بادرة خالية من الإحساس بالمسوؤلية؛ إذ لم يبق ثمة ثوار جديرون بصفة الاعتدال. أضف إلى ذلك أن تنظيم القاعدة السوري، أمسى من القوة والخبرة بحيث يستطيع أن يستولي على الأسلحة المصدرة للثوار، ويتخير لنفسه أفضلها وأكثرها تطوراً وفاعلية في ميادين القتال ضد أعدائه في كل مكان. ولهذا فإن من يزود الثوار بالأسلحة، فإنما يزوّد بها القاعدة فيدعمها ويقويها ويحميها. والولايات المتحدة تفعل هذا سراً منذ زمن بعيد، كما أنها تمنح الموافقة للسعودية وقطر لتصدير السلاح إلى القاعدة السورية؛ التنظيم الذي تدعمه هاتان الدولتان دعماً غير محدود . وبهذه السياسة تكون الولايات المتحدة جعلت القاعدة طابوراً خامساً لها؛ فنقضت مبدأ مكافحة الإرهاب.
إن حلّ الصراع في سوريا لن يتحقق إلا على طاولة المحادثات، لن يتحقق إلا بالحوار بين الفئتين المتحاربتين، وكذلك عبر الحوار مع إيران. وما فوز حسن روحاني بانتخابات الرئاسة الإيرانية، إلا سانحة تاريخية، لإزالة حاجز العداء الصامت منذ ثلاثة وثلاثين عاماً بين طهران وواشنطن. كنت في الأشهر الأخيرة، كما كنت أكثر من مرة في السنوات الماضية في إيران زائراً، وأعلم أن إيران منذ عام 2010 وضعت أمام البيت الأبيض مقترحات شاملة لإنهاء النزاع.
ينبغي للولايات المتحدة أيضاً أن تتفاوض مع الأسد، إذا أرادت أن تبطل برنامج الإرهاب الذي زرعته في سوريا.
ولا يجوز أن تتقيد بحجة أن الأسد، سياسياً، مسؤول عن مقتل مائة ألف إنسان، ولا اعتبار هذه (الجريمة) عائقاً في طريق المفاوضات؛ فالولايات المتحدة نفسها تتحمل مسؤولية مقتل أكثر من هذا العدد في العراق وأفغانستان. وفي إحصائيات منظمة (أطباء ضد الموت النووي) يقدر ضحايا الحروب الأمريكية بما يزيد عن مليون وستمائة ألف ضحية.
من أجل "سلام عادل" يبدو الأسد مستعداً لتقديم تنازلات واسعة، ولقد تلمست ذلك عندما تهيأت لي فرصة الالتقاء به والبحث معه في هذه النقطة لساعات كثيرة. والولايات المتحدة على بينة من جميع التفاصيل المتعلقة بهذا الشأن.
أهم شروط حل العقدة السورية، أن توقف السعودية وقطر ضخ المال إلى المقاتلين، وتكفان عن تزويدهم بالسلاح، ويجب أن تلتحق بهما روسيا وإيران في التوقف عن ضخ المال وتصدير السلاح. فإذا تُوصِّل إلى هدنة، واستراح السلاح، أمكن الوصول إلى تحقيق المساعي والنتائج التالية: حكومة مؤقتة مؤلفة من النظام والمعارضة بعدد متساو، دستور ديمقراطي يحفظ للشعب السوري تعدديته الثقافية، استئصال شأفة القاعدة، انتخابات حرة.
أما إذا كان السوريون راغبين في تغيير النظام، فلهم الحق في التعبير عن رغبتهم باتخاذ قرار التغيير، وليس الأمر للولايات المتحدة التي عليها الآن أن تتدبر المسألة على هذا النحو: من هو الأخطر عليها، القاعدة أم الأسد؟
ولو كان الجواب لتشرتشل هنا لقال: " إنهم مصرون على ذبح الخنرير الذي أخطأوا في اختياره للذبح".
________________________
Jö-;---;-----;---rgen Todenhö-;---;-----;---fer: مؤلف. مرشح الحزب المسيحي الألماني الديمقراطي ( CDU ) في البرلمان من عام 1972 إلى عام 1990

مدير بوردا حتى عام 2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ نعيم ايليا المحترم
جان نصار ( 2013 / 7 / 3 - 07:10 )
اعتقد ان هذا التحليل فيه كثير من الصواب والعله الان هي كيفة خروج القوى الخارجيه جميعا من التدخل في الشأن السوري.الجلوس على طاولة المفاوضات وانقاذ ما يمكن انقاذه.كل ساعه قتال وتناحر يدفع ثمنه ابناء الشعب السوري .لا الولايات المتحده وحلفائها ولا روسيا وايران وحلفأهم هم الاحرس على سوريا وشعبها.اعادة اعمار سوريا والقتلى والدمار هو اكبر خساره وطالما النزاع مستمر سيجرف المزيد من الويلات. الشعب السوري هو الذي يقرر مصيره ولا وصايه عليه.
تحياتي ومودتي واشكرك


2 - الاخ نعيم ايليا:الاسلام هو محرك القتال القذر
مالوم ابو رغيف ( 2013 / 7 / 3 - 09:48 )
الاخ العزيز نعيم ايليا المحترم
تحياتي لك
اشارك الاخ جان نصار في تقييمه للمقال، فهو يشخص وبصواب الكثير من النقاط التي نشترك معه فيها وسبق ان اشرنا اليها في كتابات مختلفة.ـ
انا اعتقد ان الشعوب هي ضحية للفكر الاسلامي في المنطقة، لا نخطأ ان قلنا ان المحرك الاساسي لهذا الصراع الدائر ضد سوريا، هو الفكر الاسلامي المتصارع بين المذهبين الرئيسين السني والشيعي، وهذا لا يخفيه مقاتلوا المعارضة، يعربون عنه في كل مناسبة، تجده مكتوبا على الحيطان وعلى اللافتات ومثبتا في المواقع الاكترونية وفي الخطب وفي الفتاوى وفي المقالات السياسية.ـ
معظم الناس في الشرق الاوسط لم تتطور الى درجة مواكبة الفكر والتقدم الانساني، ولا تهتم بذلك، ان ما يشغلهم هو الاسلام، مع ان الاسلام قد ثبت علميا ونظريا وعمليا عدم صلاحيته في كل العصور التي تسيد او حكم فيها، واخرى في مصر.ـ
ان الحل الوحيد ليس لمشكلة سوريا فقط، بل لكل مشاكل المنطقة، هو تحجيم رجال الدين والتقليل من تاثيرهم على الناس ومعاملة الدول الدينية، مثل السعودية وايران، او الدول الطائفية مثل البحرين وقطر باعتبارهما دول فاشية نازية
اكرر التحية


3 - مشكلة الشعوب العربية
فؤاده العراقيه ( 2013 / 7 / 3 - 15:00 )
تحياتي عزيزي نعيم
بداية اعترض على قول يورغن تودِنهيف في ان ايران اصبحت قوية بفضل حربها مع العراق , فليست هناك حرب تقوي طرف على حساب آخر , بل تضعف فقط
فعلا نقطة الضعف كما اشار لها الزميل مالوم هي اهتمام الشعوب العربية في افكار بالية
ومفاهيم لا تتناسب مع عصرنا والتقدم الحاصل في بقية البلدان وهذه نقطة الضعف التي استغلتها ضدنا امريكا واسرائيل لتعمل بالطرق العديدة لترسيخها اكثر وتشجيعها لتهيمن على المنطقة فاصبحت البلدان العربية معتكفة بنفس دائرتها لا تريد مبارحتها بالأضافة الى التفكك وعدم تكاتفها مع بعضها البعض وهذه نتيجة حتمية لتخلفها
المشكلة ليست سوريا ولا مصر ولا العراق , هي مشكلة العرب جميعا , والحلول تكمن في الوعي بما يحصل لهذه الشعوب لتتجاوز ازمتها
ومثل ما قال الزميل جان نصار الشعوب هي التي تقرر مصيرها وهذا المفروض ولكن ما يحدث بأن الشعوب غير قادرة على هذا التقرير بسبب ضعفها وضعفها ناتج من تخلفها وتخلفها ناتج من تشبثها بالقديم + دخول امريكا واسرائيل طرف في هذا التخلف مستغلة هذه الثغرة
المسؤولية تقع على عاتق الأحزاب اليسارية والمنظمات التي عليها التنظيم والعمل الجاد والحقيقي


4 - شكراً لكم أيها الأعزاء
نعيم إيليا ( 2013 / 7 / 3 - 16:28 )
تحياتي للأخت العزيزة فؤادة: اشتقنالك
وللأستاذ العزيز جان نصار
ولأستاذنا القدير مالوم أبو رغيف على المساهمة
سأنقل ملاحظاتكم للكاتب
تقبلوا خالص المودة والتقدير


5 - الاستاذ نعيم ايليا
عبد الرضا حمد جاسم ( 2013 / 7 / 3 - 19:13 )
تحية و سلام ومحبة و احترام
اشتقنا ولكن المهم انكم بخير
شكرا على هذا الجهد
اعرف انه ليس رأيك لكن اقول
ان من اكبر الجرائم التي حصلت فيما جرى و يجري هو هو تبرير القتل عندما يمارسه المرتزقه والثوار و الاعتراض عليه عندما يمارسه النظام و اتباعه و بالعكس
هذا الخطأ الكبير الذي و قع فيه الكثير من المثقفين والسياسيين من ناصر التحرك و من عارضه
شكرا ايها الكريم


6 - معك
نعيم إيليا ( 2013 / 7 / 3 - 21:27 )
أشكرك صديقي العزيز أبا الحيدرين




7 - يأس
رامي شمرا ( 2013 / 7 / 5 - 21:57 )
هذه الثورة الطائفية لم تكن لتصل الى ما وصلت له لولا تشجيع الغرب لها وتبريره كل فعل طائفي بأنه اما رد فعل او من افعال النظام، وقد شارك قسم كبير من مثقفي سوريا واقلياتها في تغطية سياسية واخلاقية للقطيع الهائج الذي ثبت لاحقا انه اقل مرتبة من قطعان الحيوان
ربح الغرب والخليج مؤقتا، عصفوران بحجر واحد، سوريا اضعف وارهابيين اقل
بينما على المدى الطويل هذا الجنون الاسلامي سيضرب الجميع
اما سوريا ف الله يرحمها

شكرا للاستاذ ايليا على ترجمة المقالة ونشرها
سلامي ومودتي عزيزي ايليا



8 - وجهك خير علي
نعيم إيليا ( 2013 / 7 / 6 - 10:36 )
صديقي العزيز الرفيق الماركسي الدكتور رامي، كم سرني أن سمعت صوتك!
أرجو ألا تكون تضررت، كما تضررت أنا!
وجهك خير علي، بفضلك ألقيت نظرة على المقالة، فاكتشفت خطأين نحويين، سأصوبهما وإن جاء التصويب متأخراً. أن تصل متأخراً خير من ألا تصل
((في البدء لا محيد عن تنحية الأكاذيب الدعاوية [لكلا] الفئتين وإهمالها))
والصواب لكلتا
((أهم شروط حل العقدة السورية، أن توقف السعودية وقطر ضخ المال إلى المقاتلين، و[تكفان] عن تزويدهم بالسلاح))
والصواب وتكفّا
تحياتي لجميع الرفاق في سوريا والسعودية


9 - عساه دائما خيرا
رامي شمرا ( 2013 / 7 / 7 - 14:50 )

الله يديم الخير عليك ويبعد الضرر عنك، وان شاء فليرسل لك بملائكة اللغة عند كل مقالة
و ليبعد عنك شياطينها في كل ترجمة، وان شاء يَعف عن اهل سوريا البلاء ويلطف بحالهم و يِعف عن ربهم هو وثورته، بيكون احسن وافضل.
لم ينزل بنا ضرر الا ما كتبه الله على يد جهادييه من الحثالة، تهجير وسرقة البيت وذكرياته لا اكثر. ارجو ان لا تكون احوال اهلك اسوء
سلامي من السعودية

اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا