الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا بركان الغضب

فريدة النقاش

2013 / 7 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


احتشد المصريون بالملايين في غالبية ميادين البلاد معلنين غضبهم. وكان هذا الغضب قد تراكم عبر عامين ونصف العام منذ إطلاق ثورتهم في 25 يناير سنة 2011 وكانوا أثناء هذه الثورة قد بلوروا أهدافها بصورة عبقرية مكثفه في عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية كرامة انسانية. وكان أن صعد تيار اليمين الديني لأسباب كثيرة. إلي السلطة بعد فترة انتقالية تولتها القوات المسلحة، وقدرت حينها ان جماعة الإخوان المسلمين علي نحو خاص هي الجماعة الاكثر تنظيما وعددا من بين القوي السياسية المختلفة فساعدتها القوات المسلحة علي تولي حكم البلاد بعد انقضاء الفترة الانتقالية فحصل اليمين الديني بكل ظلاله علي الأغلبية من الانتخابات النيابية كما صعد الدكتور محمد مرسي إلي الرئاسة ودانت لهم الدنيا بما فيها وما عليها طبقا لوضعهم هم وأخذوا يطبقون ما أسموه بمشروعهم الاسلامي ، هذا المشروع الذي جربه المصريون واحتملوه لمدة عام ثم انفجروا ليقول بركان الغضب لليمين الديني كفاية. ويطالب «مرسي» بالرحيل مثلما سبق ان طالب مبارك فرحل حين دعم الجيش مطلب الشعب.

ويرفض اليمين الديني المقارنة بين أدائه وأداء حكم «مبارك» بعد أن كان قد روج علي مدي العامين ونصف العام فكرة تقول انه كان شريكا في الثورة رغم أن طبيعة مشاركته في الثورة ظلت حتي هذه اللحظة غامضة ومحاطة بالاسرار وتلفها الشكوك خاصة حول قناصتهم الذين استهدفوا عيون الثوار.

ويقودنا التحليل الشامل لما يسمي بالمشروع الإسلامي من التطبيق إلي معرفة أعمق بماهية هذا المشروع وركائزه الفكرية والثقافية التي تجعل منه صنوا للفاشية في تجلياتها المختلفة وتجاربها المريرة التي عانت منها البشرية ودفعت شعوب ثمنها وأول خصائص الفاشية الدينية الحاكمة الآن هو خوفها من الثقافة ومعاداتها الصريحة للنقدية وهو ما اتضح في تجربتنا حين أتت الحكومة الهزيلة بوزير للثقافة يعادي المثقفين ويقوم بما سماه عملية تطهير في المؤسسات الثقافية بدعوي تطهيرها من الفساد طبقا لادعاءاته اضافة لمنهج السمع والطاعة الذي يريدون فرضه علي الشعب المصري بعد أن فرضوه علي أعضائهم الذين تحول بعضهم الي كائنات مشوهة محدودة الأفق.

أما الخاصة الثانية فهي ممارسة الارهاب الفكري والمادي للمثقفين بهدف عزلهم واسكات أصواتهم الناقدة، وهو ما اتضح جليا من الغارات التي قام بها انصار اليمين الديني ضد اعتصام المثقفين احتجاجا علي ممارسات الوزير ، فضلا عن التكفير كأداة جهنمية طالما أدت ممارستها الي القتل كما سبق ان حدث لفرج فودة قبل واحد وعشرين عاما حين اتهمه شيوخ بالكفر والارتداد وقام سماك بسيط لا يقرأ ولا يكتب باطلاق النار عليه وقتله تنفيذا لفتوي الشيوخ.

وهو ما حدث بعد ذلك مع نجيب محفوظ الذي نجا من القتل بالمصادفة البحتة وكان الشاب الذي اعتدي عليه قد سمع من شيوخ انه كتب رواية اولاد حارتنا وهي رواية تتحدث عن الله وتدعو للكفر في زعمهم.

وإضافة إلي مصادرة النقد وارهاب الخصوم وتكفيرهم وتشويه سمعتهم وعزلهم عن جماهيرهم وصولا الي النفي والقتل يعمل اليمين الديني علي افقار الثقافة وحصرها في مصدر واحد من مصادرها وهو الدين واقحام الدين في كل من العلم والفلسفة فضلا عن السياسة بما يؤدي الي إزاحة مبدأ المواطنة الذي تقوم عليه الدولة الحديثة لاحلال الهوية الدينية وكان الهوية الوطنية وتقسيم الشعب بين مؤمنين وكافرين ومسلمين ومسيحيين وسنة وشيعة إلي آخره من التقسيمات والتصنيفات التي تعود بالمجتمع الي العصور الوسطي، وبسببها يجري افتعال الفتن الطائفية والدينية لتحويل الصراع الطبقي ضد الاستغلال والاستبداد إلي صراع ديني يستفيد منه التحالف الحاكم وقاعدته الاجتماعية من التجار وكبار الاثرياء باغراق الطبقات الشعبية التي يجري استغلالها وافقارها واستلاب حرياتها في بحور الصراعات الطائفية ، ولنا من ما حدث مؤخرا من أبو النمرس من قتل وحشي لمواطنين شيعة أبرز مثال علي هذا التوجه البغيض والمخطط له جيدا من قبل اليمين الديني والفاشية الحاكمة.

ومن حسن حظ الشعب المصري أن تكاتفت عوامل كثيرة لإنضاج وعيه بهشاشة واجرامية مشروع اليمين الديني الذي فجر بركان الغضب بالصورة الرائعة التي تجسدت في هذه الحشود بالملايين التي لم ترفع سوي علم مصر معلنة عن تشبثها بمبدأ المواطنة وبأهداف الثورة التي سرقها اليمين الديني ، وهكذا يتفجر بركان الغضب معلنا بدء الموجة الجديدة من الثورة بعد أن تعلم المصريون من أصحاب المصلحة من استمرارها دروس الموجة الأولي منها بالدماء التي دفعها الشباب من شهداء ومصابين فيها ومن الآمال التي علقها العمال والفلاحون والموظفون والطبقة الوسطي عليها ثم سرعان ما أجهضها حكم الإخوان المسلمين الذي هو حكم الثورة المضادة بالتمام والكمال اذ لم تنطل كذبتهم علي الشعب حين قالوا انهم ثوار.

وأيا ما كانت النتائج التي ستسفر عنها هذه الأيام المجيدة فإن براكين الغضب ستواصل الانفجار يغذيها هذا الخيال العبقري لشعب عظيم ينحني له العالم دهشة وإجلالا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كل خطوة نحو المدنيّة وأنتِ بخير عزيزتي الأستاذة
ليندا كبرييل ( 2013 / 7 / 4 - 09:25 )
لك ولجهودك وأمثال حضرتك فضل في هذا الإنجاز العظيم الذي حققه وما زال الشعب البطل الذي أنت منه
أبارك جهودك الرائعة، ولك مني أطيب التحية ونحن مواصلون معك لتتبع كل خطوة نحو النور
أعانق في شخص الكريم الإباء والعزة المتمثلة في الإنسان المصري

اخر الافلام

.. كأس الاتحاد الإفريقي - -أزمة القمصان-.. -الفاف- يتقدم بشكوى


.. نيكاراغوا تحاكم ألمانيا على خلفية تزويد إسرائيل بأسلحة استخد




.. سيارة -تيسلا- الكهربائية تحصل على ضوء أخضر في الصين


.. بمشاركة دولية.. انطلاق مهرجان ياسمين الحمامات في تونس • فران




.. زيلينسكي يدعو الغرب إلى تسريع إمدادات أوكرانيا بالأسلحة لصد