الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقاطعات بين استراتيجيتين على حساب ثورة السوريين

خالد قنوت

2013 / 7 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


إن الثقة العالية التي كان رأس النظام يتحدث بها في مقابلته الشهيرة مع صحيفة أمريكية قبل قيام الثورة تحديداً في شباط عام 2011, عن استحالة حدوث ثورة أو انتفاضة في سورية لم تكن عبثاً أو هذيان كعادته, أو كحالة خروج عن الواقع. لقد عرف منذ نعومة أظافره و في بيت والده, أن الأسد الأب استطاع أن يرسخ حكمه بسياسة اللعب على التوازنات, داخلية كانت أم خارجية.
سورية المعقدة ديموغرافياً يمكن بسهولة أن يحكمها آل الأسد, بقبضة من حديد و بقفاز مخملي و بعد فترة حكم أمني قوي و مروراً بتجربة القضاء على حركة الإخوان المسلمين في الثمانينيات.
في سورية مواطنين لا يملكون حق المواطنة و لا حق التخاطب مع بعضهم تعريفاً أو نقداً, إثنياً كعرب و أكراد و أرمن و شركس و أشوريين أو دينياً كمسلمين و مسيحيين و يهود أو طائفياً كسنة و علويين و دروز و اسماعليين وشيعة بينما كانت أفضل حالاً بالنسبة للطوائف المسيحية.
يمكن لأي مسؤول أمني سوري, قبل قيام الثورة في آذار 2011 أن يتبجح و بعنجهية الواثق من كلامه أن هذا النظام من التعقيد ما يستحيل فيه حدوث أي ثغرة تتعلق بقيام تمرد أو انتفاضة بين المدنيين كانت أو بين العسكريين تؤثر على كيان النظام.
لكن ما سر هذه الثقة؟ و ما هي الأسس التي اعتمد عليها رأس النظام و أجهزته الأمنية لبناء هذه الثقة؟
من المؤكد أن النظام إدار حكمه لسورية على مبدأ أساسي, طال كافة نواحي الحياة السورية و الدولة السورية, هو أن يبق و يستمر كحاكم نهائي لسورية محولاً إياها إلى جمهورية توريث. الأكثر تفسيراً لتلك الثقة الظاهرة في تعامل النظام مع الوضع الداخلي السوري, هو استراتيجية متكاملة حاضرة و متجددة, مكتسبة من مصادر أجهزة الأمن في دول حلف وارسو البائد و من تجربته المحلية على مدار حكم الأسد الأب و من مساعدة إيرانية مخابراتية و عسكرية. تعتمد هذه الاستراتيجية على العمل المتكامل سياسياً و عسكرياً و اقتصادياً و اجتماعياً ظهر واضحاً و جلياً للسوريين منذ أول يوم من الثورة.
* من الناحية السياسية, تقوم استراتيجية النظام على سيناريو تشويه أي عمل مدني سلمي مناهض له و ذلك بأسلمته و إضفاء صفة التطرف و السلفية على أي تحرك و الإدعاء بوجود متطرفين من خارج سورية قبل وصولهم اللاحق, و توصيف أي معارضة له بأنها مؤامرة على مواقفه المقاومة و الممانعة.
النظام و قد خبر كل الشخصيات و الأحزاب السورية المعارضة, يملك كل الثقة بأن هذه المعارضات المتناقضة لن تنتج تحالف أو قيادة مشتركة لأي عمل سياسي معارض له بل ستقع بفعل الشرزمة و التناحر في صراع عقيم لا يكون المستفيد الوحيد فيه سوى النظام نفسه.
النظام يملك من المخزون السلفي و الإرهابي الكثير من جراء تدخله في لبنان و في العراق ليخرجه من السجون إلى الشوراع كي ينفذ استراتيجيته بينما يدخل المعتقلات ألوف السوريين أصحاب الفكر الحر و الشعور الوطني و يصفي الكثير منهم جسدياً.
خارجياً, ورقة التطرف و الإرهاب هي فزاعة الغرب و أمريكا و امتلاك هذه الورقة يعني تحييد أي تدخل مباشر.
* من الناحية العسكرية, تعتمد استراتيجيته العسكرية على التعامل المباشر مع أي مظاهرة أو تمرد بكل قسوة تصل إلى حد الدهشة من حجم هذا العنف مقابل مدنيين يريدون عودة أبنائهم المعتقلين في درعا, ليعبروا بعبارة الاستغراب الشهيرة (سلمية.. سلمية يالله..سلمية) بينما كان الرصاص هو الرد و الحل العسكري الحاسم لصرخاتهم.
في بداية الثورة, اتبع النظام و بدرجة كبيرة من الغباء استراتيجية تسليحها حيث أدرك السوريين ذلك فكانوا يعيدون قطع السلاح المتروكة قصداً من قبل أجهزة الأمن. النظام يعرف تماماً أن قوته العسكرية هي ضمانته لسحق أي تمرد مسلح فكان سيناريو تسليح الثورة هو جرها نحو أرض القضاء عليها.
* من الناحية الاقتصادية, تتركز استراتيجيته على عزل المناطق الثائرة و قطع وسائل الحياة عنها من ماء و كهرباء وغذاء لضرب الحاضنة الشعبية لأي ثورة ثم تعميم هذه الحالة على كافة المناطق حتى الموالية له في حالة عقاب جماعي يهدف من خلالها الوصول لتململ و نقمة شعبية على الثورة.
* من الناحية الاجتماعية, و هي الاستراتيجية الأخبث و هي خلق تصدعات شاقولية و أفقية بين مكونات الشعب السوري إما بالترهيب و التخويف من الآخر أو بالعزل برشوة بعض المكونات الاجتماعية في منحها بعض حقوقها التي اغتصبها سابقاً منها و كذلك باستحضار الطائفية و المذهبية كسلاح ناجع للتدمير الذاتي لأي توافق أو تحالف مجتمعي ضد نظام استغل كافة التكوينات المجتمعية السورية لصالحه.
قد يكون هناك نواحي أخرى أشد خطورة و أكثر تعقيداً لا نعرفها و لكن التركيز الآن على نتائج هذه الاستراتيجية الجهنمية بعد حوالي السنتين و نصف من عمر الثورة و مساهمة الآخرين بها, بقصد أم بغير قصد.

أكثر من ستة شهور, حافظ السوريون الثائرون على الطابع السلمي لمظاهراتهم و لحراكهم و تحملوا بصورة اسطورية عمليات القتل و النهب و الاغتصابات و التحريض الطائفي و الاعتقال و التعذيب على أيدي أجهزة النظام الأمنية و العسكرية و قطعان الشبيحة و كان السؤال كيف يتحمل السوريين كل ذلك و إلى متى؟ خاصةً أن الثورة بالأساس قامت في الأرياف السورية و هي المرة الأولى في التاريخ تكون فيه ثورة الأرياف غير مسلحة.
أنتج الحراك الثوري ظاهرة عظيمة و هي التنسيقيات التي يمكن اعتبارها البداية الحقيقية لقيام قيادة من رحم الثورة و هو ما عالجه النظام بالقمع الدموي لأفرادها و ناشطيها.
بالمقابل, ماذا كان رد فعل القوى السياسية المعارضة حتى ذلك الوقت؟
انقسمت المعارضات بشكل عميق و تناحري بين هيئة التنسيق و المجلس الوطني في محاولة كل منهما لإدعاء تمثيل الثورة بعيداً عن الواقع, دخل الطرفان في سجال عقيم بين لاآت هيئة التنسيق و بين رفض المجلس الوطني لها و استدعاء الحالة الليبية للداخل السوري مبتعدين على قراءة و تحليل سياسي دقيق للحالة السورية و محاول الأخير تشكيل جسم سياسي كبير من المغترين السوريين نواته الإخوان المسلمين و الإصرار على إقصاء الآخرين لتصدر المشهد أمام الدول الداعمة و الممولة للثورة. لقد أصر المجلس الوطني على استراتيجية تمثل استنساخاً للشكل الليبي في إسقاط النظام و الصعود لقمة السلطة فكان تغيير العلم بالعودة لعلم الاستقلال مع أن أضخم التظاهرات قامت برفع العلم الرسمي. كانت الدعوة لتغير العلم مشاركة فعلية في خلق شرخ وطني بين السوريين معارضين و موالين كانوا في بداية الثورة يرفعون نفس العلم و لكنهم انقسموا و صار لكل واحد علمه الخاص.
أيضاً, طلب التدخل الخارجي و عرض الخدمات اللوجستية لتحديد الأهداف التي يجب قصفها في حالة طفولة سياسية لما تعنيه فكرة التدخل الأجنبي المباشر للقضاء على النظام.
التحريض على حمل السلاح و الدفع بالانتقال من الحالة السلمية إلى الحالة العسكرية رغم أن المنشقين العسكريين لم يحملوا السلاح في البداية و إنما انخرطوا بالحراك السلمي.
الدفاع و حماية ظهور الجماعات المتطرفة و تضخيم حجمها و عملها العسكري قبل أن تعترف بأجندتها القاعدية و التكفيرية المخالفة لمبادئ و أهداف الثورة.
الالتقاء عملانياً من أجندة النظام باستراتيجية التطييف و الاصطفاف الإلغائي للآخر من قبل بعض المعارضين.
مع اتساع العمل العسكري و انحسار الحراك المدني السلمي, سعت أطراف كثيرة من المعارضات إلى استغلال حاجة المقاتلين للمال و السلاح فأقاموا كتائب و ألوية بمسميات إسلامية بطلب من دول خليجية ممولة في ظاهرة متكلفة و مستفزة و على حساب الطابع الوطني للمقاتلين. فمن حمل السلاح لم يحمله بصفة مسلم سني ضد نظام علوي. صحيح, أن أكثرية الثوار السوريين متدنيون و لكنهم غير متطرفون لدينهم أو لطائفتهم و كان نضالهم من أجل حرية و كرامة كل السوريين.
كان هناك إصرار مشكوك بنواياه على عدم قيام قيادة عسكرية مع أن من أولى مبادئ العمل العسكري الثوري هو وجود قيادة موحدة و الأكثر استغراباً استبعاد الضباط العسكريين المنشقين عن قيادة الكتائب و الألوية و تركها للمقاتلين المدنيين متواضعي الخبرة و الانضباط العسكري, نتج عنها فيما بعد ظهور إمراء حرب سيكونون أكثر سوءاً من النظام الاستبدادي نفسه.
مع تزايد حجم القصف الجوي و المدفعي الأسدي للمناطق المحررة لم نسمع باستراتيجية وطنية قامت بها المعارضات خاصةً المجلس الوطني ثم الائتلاف الوطني لدعم صمود الناس و الأهل بل كان هناك شبه تواطؤ في دفعهم للجوء إلى خارج الوطن و التسول من دول العالم. كان نتيجة ذلك فضائح بسرقة أموال الاغاثات و المعونات مما أحجم كثير من الدول و المنظمات و المغتربين السوريين عن المساهمة في ذلك لاحقاً.
من كل ما ذكرت, لا أقصد تخوين أي كان و إنما أعتبر سلفاً أن هناك حسن نية من الجميع و لكن هناك قصور في الامكانيات السياسية و الفكرية تصل إلى حد الكارثة الوطنية الحقيقية على الأرض.
لن أكتفي بالتوصيف و النقد و لن أدعو اليوم لمحاكمة أحد, لأنه يوم قادم بعد سقوط النظام و لكن سأرسم وجهة نظر إنقاذية للثورة التي مازالت مستمرة بقواها الذاتية و بإصرار الشعب السوري الثائر على طريق اللاعودة إلى بيت طاعة الأسد و نظامه الدموي.
تعتمد هذه العملية الانقاذية للثورة على توفر ثلاثة ركائز اساسية و هي:
* ضرورة قيام جسم سياسي وطني خالص بعيد عن أي أيديولوجية همه انقاذ الثورة و انقاذ الوطن يكون أساسه الداخل السوري, بدعم و مساعدة من السوريين الثوريين في الخارج.
* حتمية تجميع القوى العسكرية ذات الاجندة الوطنية تحت قيادة واحدة و إشراك العسكريين المنشقين في قيادة العمل و تحقيق الانضباط كنواة للجيش الوطني القادم.
* تأمين التمويل المالي الوطني اللازم من رجال الأعمال السوريين في الداخل و الخارج و من المغتربين السوريين دون الحاجة للارتباط الأجنبي أو العربي المشروط و اعتبار أن مساهمة الجميع هو استثمار وطني يحافظ على سورية و يعيد بنائها بعد سقوط النظام.

من المفيد أن يكون هذا الكيان الوطني غير المؤدلج في حالة سرية و غير علنية على الأقل في البداية, لأنه سيكون هدفاً لسهام الجميع من أجهزة النظام و الأجهزة الأمنية للدول المتدخلة بالشأن السوري و كذلك بأطراف تعتبر استمرار الفوضى مكسباً لها على الأرض. ربما بعد اكتمال الحالة التنظيمية لهذا الكيان و اكتساب حالة شعبية له يمكن عندها التفكير بحالة إعلامية وطنية تعبر عنه و عن توجهاته الوطنية الحقيقية.

إن الثورات تمر بحالات متناقضة من التقدم و التراجع و لكن مع كل حالة على الجميع القيام بجردة حساب للتصحيح و استنباط العبر للمرحلة القادمة, نضالنا طويل و مشوارنا مليء بالمخاطر و لكن لا رجعة فيه عن هدف الحرية و منع أي استبداد من التمكن من مصير و مستقبل سورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق


.. الاعتداء على داعمين لفلسطين اعتصموا بمركز تجاري بالسويد




.. تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي: 96% من سكان غزة يواجهون مست


.. مصادر العربية: إطلاق النار في محج قلعة أثناء القبض على من سا




.. -إيرباص- تُعاني بسبب الإمداد.. والرئيس التنفيذي للشركة يتوقع