الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لك الله يا جنوبنا الصابر

فايز شاهين

2005 / 5 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


اللهم ارحم شهدائنا الأبرار الذين قضوا بسبب السيول في عسير بالمنطقة الجنوبية لبلادنا، اللهم أدخلهم فسيح جنّاتك، وألهم أهلهم الصبر والسلوان. الله انتقم من الذي تسبب في هذه الكارثة، بل الكوارث التي لازالت مستمرة لعدة عقود في مناطق الوطن، والمنطقة الجنوبية بالذات.
جنوب المملكة هو الأكثر كثافة سكانية، ومنطقة ممطرة ومليئة بالجبال والمناطق الجمالية، ومع ذلك تعيش وضع مأساوي اتضح بشكل كبير قبل عدة أعوام عندما حلّ مرض حمى الوادي المتصدّع ليكشف لنا تصدّع البنية التحتية، بل غِيابها هناك. الكثير من القرى بدون كهرباء، وبدون خدمات صحية، بل أن العديد من الأطباء دائماً يتندّرون بوضع الجنوب المأساوي حيث يتحدّثون عن الأمراض وإن كل مرض تريد أن تراه على الطبيعة، على الطبيب أن يذهب للمنطقة الجنوبية. أحد الأطباء يقول هل سمعت عن البلهارسيا؟ الإجابة: طبعاً نعم، وهو منتشر في مصر، لكن الطبيب يقول بأن المنطقة الجنوبية أقرب من مصر، وأكثر الناس هناك مصابون، وكذلك مصابون بالملاريا، وأمراض عدة أخرى قضت عليها أفقر الدول في العالم.
بعد كارثة حمى الوادي التي قضت على المئات وأصاب آلاف من المواطنين، خرجت الصحف تتحدث عن التقصير المتعمّد في تنمية المنطقة الجنوبية، وبرزت "حكومتنا الرشيدة" كعادتها ورصدت ميزانية لبناء مستشفيات الخ، لكن يبدو أنه بعد عدة سنوات، لازال الوضع مكانك راوح.
هذه الأيام طغت على الأخبار الصحفية موضوع السيول التي جرفت عائلات بأكملها، رجالاً ونساءً، شيوخاً وأطفالاً، جرفتهم السيول إلى الموت، ومع كل الانتقادات التي برزت تتهم جهات معينة بالتقصير، إلاّ أن الوضع أكبر من ذلك وأكثر تعقيداً، بل ربما ليس به من التعقيد الشيء الكثير. ما حدث في عسير لا يمكن وصفه إلاّ بأن وضعهم أشبه بدولة مثل الهند أو بنغلادش، أو أكثر فقراً من ذلك. البعض طالب بمعاقبة الجهات المختصة التي لم تستعد للكارثة مثل الدفاع المدني، والبعض طالب بمعاقبة وزارة النقل والمواصلات لأنها وعلى مدار 25 عاماً لازالت تماطل في رصف طريق، والبعض اتهم هيئة الأرصاد والبيئة، والبعض اتهم البلديات وأمانات المناطق، كأمانة مدينة جدة مثلاً؛ لكن أحداً لم يجرؤ على التحدث عن المتسبب الحقيقي في هذه الكارثة.
المتسبب الحقيقي في الكارثة هي الحكومة الفاسدة بقيادة آل سعود والتي لم تعرف الشفافية يوماً ولا العقاب لأي مسؤول تسبب في مقتل مئات المواطنين، وما يحصل من تقصير في وزارة أو مؤسسة حكومية إلاّ ثمرة هذا الفساد المستشري في الحكومة، فالحكومة لازالت تدفع بالبلايين من الريالات في مشاريع بنجد التي تحظى بحصة الأسد في كل المشاريع التنموية تاركةً بقية المناطق تعيش وضعاً مأساوياً في بلد تصدر عشرة ملايين برميل يومياً من النفط. أين تذهب تلك الأموال؟ أين هي المشاريع في مناطق المملكة، عدا الرياض وما جاورها؟ لو نظرنا إلى سياسة الحكومة السعودية لوجدناها تفعيلاً لسياسة عنصرية ومناطقية ومذهبية، وهذا يتضح بشكل أكبر في المناطق الجنوبية والشرقية من البلاد حيث البطالة والفقر وتدني مستوى المعيشة وتدهور البنية التحتية من خدمات عامة وصحية. ولذلك فلا غرابة أن يحدث ما حدث، ولا يمكن للإنسان الذي يبحث عن الحقيقة أن يتهم جهات أخرى جانبية وينسى الجهة الرئيسية التي تقف خلف تلك السياسات المبنية على تنمية نجد وتجاهل بقية المناطق.
هذه السياسة استمرت لعقود ونتائجها متوقعة، إلاّ أن البعض يتغاضى أو يتظاهر بالجهل أو بالغباء حتى لا يقع في "المحظور" ويتهم الحكومة بالتقصير؛ مع أن مطالبة الصحافة بمعاقبة وزارة أو مؤسسة حكومية هو إدانة لسياسة الحكومة كلها. لكن البعض قام "بالتمسّح" بمدح آل سعود كنوع من التوازنات، كما قام به الكاتب المبدع علي سعد الموسى خلال اليومين الماضيين حين شنّ حملة من قلب مكلوم ضد وزارة المواصلات، لكنه اليوم يمتدح استقبال الأمير عبدالله في باريس وتكساس، أي أنه يحاول إصلاح الجسور التي ربما تهدّمت بمقالاته السابقة، ولهذا فالكاتب يعمل على توازنات محاولاً وقاية نفسه من العقاب الذي ينتظره إذا لم يعي الدرس جيداً.
ما حدث في عسير قبل سنوات، وما حدث قبل أيام، وما يحدث في مناطق أخرى من الوطن من كوارث يقع اللوم فيها على الضعيف أو الطرف الأضعف تاركين "التبجيل والشكر والثناء" لولي الأمر الذي لم يخطأ قبلاً ولا بعداً. ما حدث من كوارث وهو شيء متوقع بسبب أحادية الرأي والفساد المستشري في الحكومة، هذا يذكّرني بما قاله السيد المسيح عليه السلام (من ثمارهم تعرفونهم. هل يجتنون من الشوك عنبا أو من الحسك تينا.‏ هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثمارا جيدة. وأما الشجرة الرديئة فتصنع أثمارا رديئة.‏ لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارا رديئة ولا شجرة رديئة أن تصنع أثمارا جيدة.) وهذا هو ما حصل، حيث أن نظاماً شمولياً ديكتاتورياً فاسداً لا يستطيع أن ينشر الصلاح في الوطن، ففاقد الشيء لا يعطيه، قال تعالى: والذي خَبُثَ لا يخرجُ إلاّ نكدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغارديان تكشف نقاط ضعف في استراتيجية الحرب الإسرائيلية


.. تراجع مؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين للمرة الثانية




.. حركة نزوح عكسية للغزيين من رفح


.. مصر تعتزم التدخل لدعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام -الع




.. ديفيد كاميرون: بريطانيا لا تعتزم متابعة وقف بيع الأسلحة لإسر