الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المبدعون والادمان

طاهر فرج الله

2013 / 7 / 5
الادب والفن


ما ان ياتي ذكر الادمان،حتى يتراءى للكثرين، انها العادة السيئة والمضرة للصحة العامة لجسم الانسان، لما اعتاد بتعاطيه المفرط،لنوع معين من المواد.
ولكن الادمان قد يشمل عادات مفيدة ونافعة في آن واحد، وخير مثال على ذلك المبدعون المعروفون بولعهم بالدرس والبحث في كل وقت ومكان فأينما نشاهد الروائي او الباحث في مجالات العلوم المختلفه،حتى نشاهد الكتاب بين يديه يتصفحه بكل شغف وشوق وقد نترقب انامله وهي تخط على صفحات من الاوراق ما يجسد افكاره او عصارة فكره ،لتتحول كتاباته فيما بعد الى انجاز ابداعي يخدم البشرية في افاقها المستقبليه مطوعة الطبيعة الحمراء ذات الناب والمخلب عسى ان تصبح رحيمة ببني البشر.
الا ان لهذه العادة (الادمان) قد تنسي المبدعين احتياجاتهم واحتياجات اسرهم اليومية، فتتحول الى ادمان يشكو منهم البعض من المقربين اليهم ،ويبدو ان التأريخ مرصع بالمزيد من الاحداث التي تجسد هذه الحقيقة،وخير مثال على ذلك نافذته المطلة على رواية مفادها :
ان صبيآ أصيب بولع الادمان والشغف في مطالعة الكتب حدآ انه تناسى الواجب الملقاه على عاتقه ،والمتمثل بالتزامه في توفير لقمة العش لوالدته، فما كان منها الا ان تتصرف بحكمة تجاه ولدها الذي بدا يعاني من داء الادمان وسوء أعراضه الذي فرض عليه التنصل عن صلب واجباته ، ففي ليلة من الليالي، طلب الصبي من والدته تقديم العشاء اليه، فما كان منها الا ان تقدمه اليه وهو مغلف بقطعة من القماش ، فما ان كشف القماش عنه حتى وجد الصحون مملوءة بمجموعة من الكتب، فسأل والدته بنبرة ملؤها الاستغراب.
-ما هذا يا اماه؟ لتجيبه والدته قائلة :
-انه العشاء......فكل حتى تشبع او(تسمن)
فما كان من ذلك الصبي الا ان يفيق الى رشده، فبدأ يقسم وقته واضعا للكد والعمل فسحة واسعة ليوفر منه جميع مستلزمات الحياة ومقوماتها.
ان هذه الرواية البسيطة في مكنونانها وعدد شخوصها،تتميز بجملة من الدلالات العديدة والمفيدة والتي تؤدي بكل زخمها الى هدف واحد تدعو الانسان فيها الى الاهتمام بمناحي الحياة المختلفة،واعطاء كل جانب منها دورا هاما لا يختلف كثيرا عن الجوانب الاخرى ، خصوصا تلك الجوانب التي تلعب الدور الاكبر في رسم الهوية وبناء الشخصية ،وتشير بشكل واضح الى الجانب الاقتصادي الذي يوفر للانسان مقومات حياته ، فهذا الجانب الذي اشار اليه الكثيرون من الفلاسفة وعلماء الاجتماع، مما ادى بهم على ان يضعوه في المقام الاول ويصفوه بشريان الحياة حتى في العهود السالفة وربما الغابرة من تاريخ البشريه.
والمتصفح لكتاب الجمهورية لافلاطون، يرى ان الحديث بين مجموعة من الفلاسفه انصب على هذا الجانب كثيرا، حتى قال احدهم عن اهمية المال
-انه الوسيلة الامثل للتقرب الى الالهة، فبسببه يستطيع الانسان الايفاء بالتذور او تقديم القرابين.
لذا فعلى المبدعين بشكل خاص، والبشرية بشكل عام ، ان ينتبهوا الى هذه المعادلة ، ويضعوا بأم اعينهم عناصر مكوناتها المؤلفة منعنصر الواجب المكلف بيه الانسان الى عنصر الغذاء الروحي الذي تتطلع اليه رغباتهم الخاصة لتحقيقها.
ان عشاء الكتب الذي قدمته الام لصبيها لاكبر ناقوس للخطر تطرقه على البشرية جمعاء، لنعرف منه ان كان ادمان قراءة الكتب يؤدي الى مثل ذلك العشاء ،فكيف الحال اذا كان الادمان اصنافا عديدة من المخدرات وبقية السموم الاخرى.


طاهر فرج الله








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو