الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاهد بعد معركة الإخوان المسلمين

خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)

2013 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


" مشاهد بعد المعركة" عنوان رواية للكاتب والمستعرب الإٍسباني خوان غويتصولو، هو ما ينطبق صباح أمس، الخميس 4 يوليو 2011، عند مروري على بيت نائب المرشد العام للإخوان المسلمين خيرت الشاطر، جاري في مدينة نصر، إذ أصبح مهجورًا من "الأسرة" الإخوانية الكبيرة التي كانت توفر له الحماية خلال الشهور الأخيرة،ـ منذ معركة الإعلان الدستوري والدستور المسلوق وحصار المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامي، الأحداث التي قسمت الشعب المصري. كان المشهد مقبضًا فبعد سطوة على الشارع وترقب وفحص بصري لكل مار وكل سيارة تمر بشارع يحمل اسم صاحب أول نوبل عربي.
هذه القصة تروي معاناة شاب في الهجرة، في باريس، وفيها الكثير من لقطات السيرة الذاتية للكاتب، جاءت إلي في اليومين الأخيرين من قبل اختفاء خيرت الشاطر وقيام الشرطة بتجريد حرسه من أسلحتهم على أساس أنها غير قانونية. كان الحرس، من شباب الإخوان المسلمين المفتولي السواعد، في الأيام الأخيرة قد غيروا من ملابسهم وعددهم، فتضاعفوا مرات وارتدوا بذلاً سوداء. وبعد تجريدهم من أسلحتهم كان وضعهم يثير للشقفة: شباب أتوا من الأقاليم يفترشون الأرض ووجوم على وجوههم، وخيل إلي أن سواعدهم المتولة تحولت إلى هياكل عظمية.
لم أكن من مؤيدي الإسلام السياسي رغم أن الفكر الإخواني، في طفولتي الأولى، أحاط بي في عهد ناصر، ففي شبابي أدركت عن قناعة ضرورة فصل الدين عن الدولة، فهذه نتيجة توصلت إليها شعوب سبقتنا في التطور السياسي والإجتماعي، ولا يجب أن نتحول إلى فئران مختبرات، تُجرب فينا قصايا أثبتت فشلها. حاولت تفهم وصول الإخوان اتلمسلمون إلى سدة الحكم، من منطلق أنه كان خيار الشعب، رغم قناعتي بأن مشروعهم سيفشل كانت لدى مخاوف ورعب من تحليلات غربية مفادها أن الإسلام السياسي، السني، سيسطر على المنطقة العربية استعدادًا لحرب بين الإسلام السني والإسلام الشيعي في الخليج العربي، وستكون حربًا بالوكالة عن الغرب ضد إيران، وبذلك يضرب الغرب عصفورين بحجر: القضاء على العدو القوي الوحيد في المنطقة وزيادة الفرقة بين السنة والشيعة وافساح المجال أمام تهويد إسرائيل تمامًا في محيط تعيش فيه دويلات إسلامية.
لا الشعب النصري في غالبيته ولا الإخوان المسلمون جاهزان للديمقراطية، ولهذا لجأ الشعب إلى جيشه مدفوعًا من الإسلام السياسي ليخلصه من حكامه الذين لم يدركوا أهمية اللحظة التاريخية التي وضعوا فيها لظرف قد لا يتكرر لأن الشعب أدرك أن " كل ما يلمع ليس ذهبًا" بل غطاء لسلبه قوته. لا يزال الدين يشغل حيزًا كبيرًا من حياة شعب كان من أول الشعوب القديمة التي بحثت عن خالق يقف وراء هذا الكون وهو يتأمل البذرة التي يلقي بها في تربة خصبّها النيل فتنمو بسحر الشمس، رع، أحد آلهته، لتأتي له بأكلها. طوال أسفاري الكثيرة وتعاملي مع شعوب عدة في غربة الدراسة والعمل لم أر شعبًا به هذا القدر الكبير من التدين، إلى درجة فيها مغالاة تحمل المتلقي الآخر على الاعتقاد بأنه شعب يأكل ويشرب دينًا. وترتب على هذا أننا الشعب العربي الوحيد الذي تعمر جبهته "علامة" الصلاة، ويربي لحية كثاء، لا دخل لها بما سمعناه عن الرسول الكريم الجميل، ونسمي ابناءنا بمثنى هما الأقرب إلى قلوب أي مسلم، محمدين وحسنين، بدلاً من محمد وحسن، مثل الشعوب المسلمة كافة.
كان الدين منذ عهد قدماء المصريين وسيلة لخداع الشعب المصري، فمعلوم كيف كان الكهنة يتمثلون صورة الإله في المعابد ليطوعوا الشعب لصالح الفرعون، ولا داعي للخوض في العصر الحديث انطلاقًا من التلاعب بالدين لأغراض سياسية مرورًا ببدعة السادات "دولة العلم والإيمان" التي أتت إلى البلاد بجماعات وضعت الدولة على شفا الإنهيار من قتل له ولمسؤولين وسياح، و"الإسلام هو الحل"، وأول أمس "إسلامية، إسلامية" في ميدان رابعة العدوية.
ما حدث ليس ضربًا من ضروب الديمقراطية، لكنه تطبيق لمبدأ "الضرورات تبيح المحظورات" الذي ورثته جماعة الإخوان عن ابن تيمية، دون أن تدرك خطورة العمل بمفهوم مثل هذا بين شعب نسبة الأمية والبؤس –وليس الفقر فقط- تطحنه، لتعلو محياه مسحة من الحزن تتماهى في خطوب الدهر على جبهته ليهرم ويشيخ قبل الأوان. ومع هذا لا تزال ثورة القرنفل في البرتغال التي تصدرها الجيش في 25 أبريل عام 1974 نموذجًا يبرر ما قام به الجيش المصري أول أمس، 3 يونيو 2013، فقد قضت تلك الثورة في البرتغال على الطاغية قبل الأخير في أوروبا الغربية –كان آخرهم الجنرال فرانكو الذي توفي في 20 نوفمبر 1975- وكانت بداية مسيرة اسفرت عن نقلة كبيرة في البرتغال ضمتها إلى سياقها الأوروبي المتحضر، وصارت عضوًا في السوق الأوروبية المشتركة مع جارتها في شبه جزيرة أيبيريا، إسبانيا، سنة 1986. أفق المستقبل أصبح أقل غموضًا، مفتوحًا على مستقبل واعد لشعب يعاني الكثير من المشكلات التي تبكي القاصي والداني، بينما تتمتع النخبة بحياة سمتها التخمة والبذخ. البؤس، وليس الفقر، والأمراض واليأس تخيم على الساحة المصرية.
أسوق هذا المثال، وأعرف أن هناك من سيقول إن الإخوان وصلوا إلى سدة السلطة عبر صناديق الإقتراع، إلا أننا نعلم أنهم لم يعملوا باسم الديمقراطية التي جاءت بهم إلى قمة السلطة في أرض الكنانة. أـقول هذا وكلي حزن، فقد كان حريًا لثورة يناير-فبراير 2011، ثورة شعب هب للتخلص من براثن نظام أهانه وجوعه، لكن الكبوة التي أوقعوه فيها لن تدوم، فهذا الشعب قادر على أن ينهض ابتدءًا من اليوم وليبدأ صفحة جديدة تضم اطيافه كافة وانطلاقًا من وسطيته التي التقطها مفكروه، وعلى راسهم توفيق الحكيم في دراسته حول هذا الأمر، والتي مثلتها أعظم مؤسسة دينية الأزهر.
على من بيدهم الأمر، في المرحلة الإنتقالية أو الراسخة، أن يدرك التحول الإجتماعي الذي طرأ على المجتمع المصري بعد تحول جزء كبير منه من الريف إلى الحضر وتعلم جزء كبير من أبنائه، ومن قاموا بثورة 25 يناير 2011 هم أبناء الحيل الثاني من الذي أتاحت فكر طه حسين وتنفيذ جمال عبد الناصر من مجانية التعليم. لم يكونوا أحفاد الطبقة التي كانت لها سيطرت على البلاد قبل ثورة 23 يوليو 1952. بل أبناء الطبقة المعدمة التي رفعها ناصر بسياساته في مجال العدالة الإجتماعية.
لقد اقحم الجيش في الساحة السياسية رغم قصر مدة إنسحابه منها. لم يطلب العودة، بل أقحمه الإخوان المسلمون بأخطائهم واستدعاء الشعب في الساحات لهم قبل وفي أثناء تظاهرات الأيام القليلة الماضية. كلمات الفريق السيسي كانت واضحة: لا نريد العمل بالسياسة. الكرة في ملعب الشعب المصري، التقاط الفكرة وعدم اجباره على الولوج مجددًا في هذا العالم. يجب ألا ينساق وراء عواطف جزء منه، ليعي ويعمل من أجل مدنية الحكم: الدين في أمكنة العبادة والجيش يحمي حدود الوطن ويحافظ على أمنه القومي من بلاد الشام الى طرابلس الغرب.
مصر محكوم عليها بجغرافيتها وتاريخها أن تعمل في سياق عربي من أجل وحدة مصالح عربية على غرار الإتحاد الأوروبي، قبل هذا يحب أن يدرك العالم أن هذه الأرض يقطنها شعب واعٍ يعمل ويكد من أجل مستقبل أفضل، ولا ينتظر "الحسنات" متمثلة في المساعدات والقروض الدولية والإستثمار، فالدول الحديثة يبنيها عرق أبنائها، أما الإستثمار وما شابه فلا يبني بلدًا، بل يضيف إلى رخاء قائم. اليوم الذي يأكل فيه هذا الشعب من كده وعرقه لن ينحني أمام أحد، ولن ينتظر أي عاصمة، شرقية أو غربية كانت، كي تسمح أو لا تسمح له. ولنا في شعوب أخرى أسوة، أذكر منها إسبانيا البلد الأوروبي القريب منا. فقد ظلت تتلقى مساعدات من الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1955، أي منذ إنشاء قواعد أمريكية على أراضيها جراء خروجه منهكًا من حربه الأهلية، وعندما أخذ الإسبان بالمسار الديمقراطي، بعد وفاة الجنرال فرانكو، وصعود الإشتراكيين إلى الحكم في 1982 قالوا للامريكيين في عام 1984: شكرًا، لسنا في حاجة إلى مساعداتكم، ولا في حاجة للقواعد. كان قد أصبح الشعب ممثلاً في الحكومة الإشتراكية صاحب قراره. أما اللجوء إلى القروض والهبات والإستثمار فطريقه معروف: لا تقدم، ولا سيادة قرار. الخدمات لا تبني اقتصادًا قويًا، ومن بين الخدمات السياحة، فالسياحة تساعد لكنها لا تبني دولة. ما يبني الدولة هي الخطط والمشروعات القومية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله: الأحزاب السياسية في لبنان تواصل إصدار بيا


.. صفارات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وشوارع خالية من السكان




.. كيف يبدو المشهد في المنطقة بعد مقتل حسن نصر الله؟


.. هل تنفذ إسرائيل اجتياحا بريا في جنوب لبنان؟ • فرانس 24




.. دخان يتصاعد إثر غارة إسرائيلية بينما تصف مراسلة CNN الوضع في