الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التغيير في قطر وحُكْمُ العجائز

منعم زيدان صويص

2013 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


رغم أن رغبة أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني في التنازل عن الحكم لصالح إبنه تميم كانت قد أعلنت قبل مدة، إلا أن التنفيذ الفعلي لهذه الرغبة أدهش العديدين وأحدث ضجة إعلامية داخل العالم العربي وخارجه، لأن بعض الناس لم يألفوا خطوة كهذه من قبل زعماء المنطقة، والبعض الآخر في الحقيقة لم يصدقوا أنه سيفعل ذلك، بالنظر إلى تاريخه السياسي الذي يوحي بأنه يحب السلطة ولن يتنازل عنها، واعتقدوا أنه لو لم يكن كذلك لما ثار، في مثل هذه الأيام، 27 حزيران، من عام 1995، على أبيه الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، في إنقلاب أبيض، واستولى على الحكم، كما فعل قابوس بن سعيد عام 1970. ولا ندري هل كان هناك أسباب خفيه لتنحّي حمد، كأن يكون يعاني من مرض ما -- يقال أنه بكليه واحدة -- أو أنه رضخ لضغوط داخلية أو خارجية. غير أن كثيرين من العرب رحبوا بهذه الخطوة لأنهم لم يعهدوا هذا التصرف، فهم يعرفون أن زعماءهم لم يكونوا أبدا زاهدين بالسلطة. حتى الزعيم التونسي بورقيبة قاوم عزله من الرئاسة رغم أن عمره في ذلك الوقت تعدّى 84 سنة وكانت حالتة الصحية متردية، ربما لأنه كان يعرف أن وزير داخليته زين العابدين بن علي شخص فاسد ولا يعتمد عليه كرئيس. ومن حسن الحظ أن رئيس وزراء قطر السابق إختفى عن مسرح الأحداث في هذا التغيير، ربما لأن الشيخة موزة لا تحبه.

لقد عرف العرب حالة إستقالة واحدة لزعيم عربي وهو في السلطة، بعد أن ظنّ أنه رسّخ الديمقراطية في بلاده وأن مهمته إنتهت. كان عبد الرحمن سوار الذهب ضابطا في الجيش السوداني، هاله ما رأى من الانقسامات والفساد وسؤ الحكم في بلاده. وفي نيسان من عام 1985 قام بانقلاب عسكري ابيض ضد حكم نميرى التعيس وسيطر على البلاد وصمم على ادخال الديمقراطية والحكم النظيف الى السودان. واعلن سوار الذهب من البداية انه سيجري انتخابات نزيهة خلال عام ويسلّم السلطه لحكومة منتخبه. وفي بادرة لم يعهدها التاريخ العربي المعاصر، سلم المشير سوار الذهب مقاليد السلطة لحكومة الصادق المهدي المنتخبة. واعتزل العمل السياسي ليتفرغ للأعمال الإسلامية الخيرية. ولكن السودان لم يستقر لأن السياسيين الآخرين كانت لهم أجنداتهم، وطموحاتهم، ومخططاتهم، فلم ياخذ احد من الساسة السودانيين درساً في الأخلاق والمبادىء من سوار الذهب.

وهناك أمر آخر نراه في التغيير القطري، وهو أن الزعيم الجديد لا يزال شابا، وهو شيء نادر في المنطقة، باستثنا بشار الأسد الذي ورّثه أبوه حافظ الرئاسة رغم أنه كان صغير السن نسبيا، 34 عاما، واضطر مجلس الشعب لعقد جلسة خاصة لتعديل الدستور وتخفيض عمر المرشح للرئاسة ليتفق مع عمر بشار. الزعماء العرب الشباب قلة في هذا العصر، عصر التغيير والتكنولوجيا، حيث أصبح الفارق العلمي والمعرفي العصري بين الشباب والشيوخ هائلا، فالفرق النسبي في المعرفة، بكل أنواعها، بيني وبين إبني كبير جدا وبيني وبين أبى أصغر، وبين أبي وجدي صغير جدا وبين جدي وجد أبي لا يكاد يذكر، فالفرق بين الجيل والجيل الذي يليه يتسع باستمرار. نحن الكهول والشيوخ لا نستطيع أن ننافس أبناءنا، ولا حتى أحفادنا، في سرعة إستيعاب ما يحدث في هذا العصر، والتعامل مع التكنولجيا الحديثة والتطور السريع في هذا الزمان، حتى أننا نطلب منهم أحيانا أن يشرحوا لنا التطورات والأحداث المتسارعة التي تذاع على التلفزيون، وما تعنيه بعض الدعايات التجارية لأن سرعة إستيعابنا قلّت. صحيح أن العمر يُكسب الناس الخبرة، ولكن جزءا كبيرا من خبرة الكبار أصبحت قديمة، عديمة الفائدة لا تناسب العصر. فالحاكم الشاب، في هذا العصر العلمي التكنولوجي، أنجح من الحاكم العجوز، فهو يفهم هذا العالم أكثر ويتفاهم مع من هُم في جيله ويكسب ثقتهم. أما العجوز فيعتمد على المستشارين الذين يضللونه. ومن الجدير ذكره أن أمير قطر السابق قال عن إبنه الأمير الجديد، أنه كان يدير 85 بالمئة من شؤون البلاد.

خلال العقدين أو الثلاثة الماضية، حكم الشباب اقوى أمم العالم، وأعني بالحكام الشباب أولئك الذين لم يتجاوزوا الخمسين. فالرئيس كلنتون بدأ يحكم الولايات المتحدة في سنة 1992، وقد خلفه جورج بوش الابن، ثم أوباما، وهؤلاء الثلاثة هم من الشباب. حكَم بوريس يلتسن روسيا بعد نهاية الإتحاد السوفيتيي, وقبل أن يستقيل عَيّن رئيس الوزراء الشاب فلاديمير بوتن مكانه. وبعد بوتن جاء الشاب ديمتري مدفيديف. وقد تسلم الزعيم العمالي توني بلير الحكم في بريطانيا عام 1997 عندما كان في الرابعة والأربعين، و تبعه المحافظ كاميرون الذي كان عمره أيضا 44 عاما. أما نائب كاميرون، دافيد كليغ، فيصغره بعام. زعيم المعارضة الحالي، إدوارد ميليباند، من مواليد 1969، أي انه في الرابعة والأربعين أيضا، وهو شقيق دافيد ميليباند، الذي تسلم وزاره الخارجية عندما كان عمرة 41 عاما. أما وزير المالية الحالي، جورج أزبورن، فهو من مواليد 1971.

ومن الطريف أن نذكر أن معظم قادة الأحزاب القومية والوطنية العربية، ومن ضمنها أحزاب المعارضة في الدول العربية، "عجائز وهَن العظم منهم واشتعل الرأس شيبا،" فهؤلاء القادة يظنون أنهم مخلدون ولا يعجبهم الشباب، وعندما ينتقل هؤلاء إلى رحمته تعالى سيُستبدلون هم أيضا بقادة عجائز. أنظر إلي أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. أنظر إلى رئيس الجبهه الشعبية أو الديمقراطيه أوغيرهما من الفصائل؟ إنهم كلهم فوق ال 75 عاما، في هذا العصر، عصرالتغيير والتقدم والتكنولوجيا، ولا يزالون يتكلمون نفس الكلام وبنفس اللغة التي إستعملوها في السبعينات او حتى في الستينات. إنها نفس الوجوه التي كنا نراها قبل عقود والفرق الوحيد أن رؤوسهم الآن بيضاء تماما، فالعنصر الشبابي لا يشترك في إتخاذ القرارات، وهذا خطأ فادح، وخاصة هذه الأيام. ونفس الحالة تنطبق على زعماء لبنان. فزعماء مختلف الطوائف هم أنفسهم الذين سادوا أقوامهم في السبعينات ولا يزالون، والشاب الوحيد بينهم هو الذي تسلم القيادة بعد وفاة والده.

لقد حاول الشباب العربي أن يُحدثوا التغيير عندما بدأوا بثوراتهم قبل سنتين أو ثلاث سنوات، ولكن المقاومين للتغيير أزاحوهم جانبا وتسلموا السلطة، معتقدين أن التغيير هو تغيير الحكام، والحكام الجدد الآن غارقون في المشاكل ولا يستطيعون أن يحكموا لأن الشعوب لفظتهم. لقد بحثنا في مقال سابق في مقاومة التغيير في العالم العربي، وأعتقد أن جزءا لا بأس به من هذه المقاومة يقف خلفها حكامٌ عجائز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ