الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر بين شرعية النص و شرعية الميدان. الجزء الاول

الرفيق طه

2013 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية



منذ اليوم الثلاثين من يونيو من سنة 2013 و الصراع ، في مصر خاصة و في اغلب دول العالم عامة ، بالتحديد في اوساط المهتمين بمصر الوطن او مصر القومية ،محتدم بين فريقين . فريق يتشبت بشرعية محمد مورسي العياط رئيسا لمصر و فريقا نزع عنه الشرعية بالملاين التي تهتف بسقوطه في الشوارع .
بغظ النظر عن الشروط التي اخذت محمد مورسي الى سدة الحكم على رأس جماعته ، جماعة الاخوان المسلمين، و ذراعها السياسي حزب العدالة ...بعد انتفاضة 25 يناير 2011 التي اسقطت محمد حسني مبارك ، الذي حكم مصر لمدة ثلاثون سنة متتالية ، و تولي الجيش مقاليد السلطة لفترة انتهت بانتخابات فتحت باب قصر القبة امام محمد مرسي العياط . محمد مورسي العياط هذا رئيسا شرعيا لمصر تقلد وسام هذا الشرف و المسؤلية بواسطة صناديق الاقتراع التي عبر من خلالها ، ووفق منهجية قانونية محددة سلفا ، جزء من الشعب المصري عن رضاه بمحمد به رئيسا و البقية عبرت عن رضاها بالصمت او القبول بالواقع .
هذه الشرعية التي نالها محمد مورسي انتقلت من شرعية الميدان ، و اعني بالميدان الشارع و التظاهر ، االى شرعية نصية عبر تفويض هذه السلطة عبر الانتخابات و عن طريق قوانين و نصوص محددة . و هذا ضمنيا عبارة عن عقد بين الشارع و الميدان ،المالك المحتكر لكل الشرعية ،و الرئيس الذي تكلف بالمهمة . اذن هذه الشرعية الممنوحة للسيد مورسي هي شرعية نصية ولدت من شرعية الميدان . شرعية الميدان هذه لم تكن شرعية لو لم تلغي شرعية النص التي كان يحكم بها السيد محمد حسني مبارك و لمدة ثلاثين سنة و سحبت منه ليختار الشعب مؤتمنا اخر عليها .
شرعية النص هذه التي خولت لمحمد مورسي العياط الحكم لم تكن هي شرعية انتخابية بواسطة صناديق الاقتراع ، و لكنها شرعية الميدان التي جعلت الانتخابات وسيلة لنقل تلك الشرعية الميدانية الى شرعية نصية . لان الشرعية الميدانية لا يمكنها ان تنتقل مباشرة من شرعية الميدان الى شرعية النص ،الا بعد مرورها من اليات تنظيمية محددة و تختلف حسب الشروط .
الشرعية الميدانية تتحول الى شرعية نصية في مجتمع قبلي بسيط بواسطة التعيين الجماعي ووفق اعراف و قوانين بسيطة بساطة المجتمعات القبلية و العائلية . و تتطو اليات الانتقال نحو التقدم و التعقد كما تتطور العلاقات المجتمعية و تركيبها و تعقدها .
من هنا كان لزاما على الشعوب و الجماعات التنازل عن الشرعية الجماعية للميدان الى شرعية النص تكون فيها المؤسسة القائدة لهذا الانتقال و التحول اقرب الى اطار ينال شبه الاجماع بين الاطراف في الشارع ، اذا لم يكن هو القيادة الفعلية لاعادة تمليك الشرعية الميدانية للاغلبية، بعدما تم السطو عليها بواسطة من يسيطر على الشرعية خلف النص . فاما ان تكون قيادة الميدان هي المنظم و المسير للشارع ، و هذه الحالة تتجسد في الحزب الثوري الذي له موقع الالمنظم و المسير و المحرض على الانتفاضة او الثورة ، ه ذا حال الحزب البلشفي بقيادة لينين الذي ادار الشارع و اعاد له شرعيته من القيصر ثم احتكر هذه الشرعية و سار بها لبناء الدولة الجديدة و المجتمع الجديد ، المجتمع الاشتراكي .
و الحالة الثانية تتعلق بتسلم هذه الشرعية مؤقتا من طرف مؤسسة عليها شبه اجماع من طرف المتفاعلين في الشارع ، قد تكون مؤسسة منظمة كالجيش او مؤسسة انتجتها اللحظة كلجنة تسيير او حكومة ائتلافية ...و دور هذه المؤسسات انتقالي فقط . اي انه ينقل الشرعية الميدانية و يحولها الى شرعية نصية .
في حالة الحزب الثوري فهو ينقل هذه الشرعية من الشارع الى حكم الطبقة الثورية بديكتاتوريتها على الطبقات الاخرى ، ديكتاتورية الاغلبية ضد الاقلية .التي تعمل على حل تلك التناقضات و الدخول في المجتمع الدمقراطي بنسبة شبه مطلقة . و هو المجتمع الشيوعي الذي يولد من رحم المجتمع الاشتراكي . مرورا بمرحلة ديكتاتورية البروليتاريا .
في حالة ميدان بدون قيادة ثورية فلا بديل عن نقل الشرعية الميدانية الى الشرعية النصية عبر المؤسسة التي عليها اجماع او توافق .
في مصر، سواء في الانتفاضة الاولى ليوم 25يناير2011 او الانتفاضة الثانية ليوم 30 يونيو 2013 ،المؤسسة التي نالت اجماع المنتفضين هي مؤسسة الجيش . لذلك بعد تسلم الجيش مقاليد السلطة يعود المتظاهرون الى منازلهم . ليتكلف الجيش بتدبير مرحلة انتقالية نحو تحويل الشرعية الميدانية الى شرعية نصية .
في الانتفاضة الاولى تحمل الجيش مقاليد السلطة بتوافق مع مع المتظاهرين و بشبه الاجماع . و قد كانت الاصوات الرافضة لحكم الجيش و تدبيره للمرحلة الانتقالية اصواتا مختلفة عن الاخوان المسلمين ، الى حد اصبحت فيه مواقف الاخوان المسلمين و الجيش موحدة ضد المتظاهرين في ميدان التحرير.بل ان الاصوات تعالت ضد الاخوان على اساس انهم سرقوا الانتفاضة من اصحابها بتحالف مع الجيش . و قد بلغ الامر مستوى حرب فتحتها جماعة الاخوان على المتظاهرين في ميدان التحرير ضد العسكر . و قد ابانت الجماعة انذاك عن انتهازية غير مسبوقة مع المتظاهرين ، حيث انقلبت عنهم و عانقت الجيش الى ان وصلوا حد التماثل في المواقف . بل الامر بلغ التحالف ضد المليونيات التي نظمت ضد حكم العسكر و خاصة طول المدة الانتقالية .
في هذه المرحلة كلها لم يبلغ الرافضون لحكم العسكر مستوى ارجاع الشرعية من العسكر كشرعية نصية الى شرعية ميدانية . و جزء كبير من اسباب الفشل هو قدرة الاخوان على تجاوز المرحلة بالاستفادة منها و نقل الشرعية الميدانية الى شرعية نصية يتحكمون فيها . و هو ما تم بالفعل بعد الانتخابات التي جعلت المتنافسين جد متقاربين في النتائج. هذا ما مكن الاخوان من حكم مصر بواسطة السيد محمد مورسي العياط . حكم اكتسبه بشرعية نصية و تحت مراقبة الشرعية الميدانية التي لم تغفل عن وليدتها لحظة .
انتشى الاخوان المسلمون في مصر و رئيسهم محمد مورسي بالسلطة و تفننوا في انكار من سلمهم الرأسة بعد نزعها من محمد حسني مبارك . اعتقدوا ان الميدان غير قادر على استعادة شرعيته .
راكم الاخوان المسلمون الاخطاء تلو الاخطاء ، الجرائم تلو الجرائم ، المنزلقات تلو المنزلقات ...منها ما هو عضوي في فكرهم ، و منها ما املته توازناتهم الذاتية و منها ما هو ناتج عن براغماتيتهم الزائدة.
اصدر محمد مورسي الاعلانات الدستورية التي اثارت غضب الشارع و معارضيه ، لكنه تمكن من تجاوز مطباته بتعنته و استعماله لعامل الزمان و للتعاطف الكبير للجماهير مع انجازات انتفاضتهم حتى لا يتم التراجع عنها . و لكن مورسي افتقد احترام مخالفيه .
حاصر الاخوان المسلمون المحكمة الدستورية لمدة طويلة اثارت غضب القضاة و الجسم القضائي عموما عليهم ، و افقد الثقة فيهم وفي استقلال القضاء في عهدهم بالتعدي على اعلى محكمة في مصر .
ارتمى محمد مورسي العياط و جماعته في حسابات مذهبية و عنصرية في احضان حلف ابان عن عداء مبطن للقومية المصرية التي تشبعت بقيم الوحدة العربية و شموخ مصر فيها . حيث ان مصر تكرست فيها ثقافة لعب الكبار و تجاوز متاهات الصغار . دخل مورسي قياديا في الهجوم على سوريا داعما لمعارضة كشف الزمان انها عصابات ارهابية رجعية مدعومة من خارج سوريا ، وفق اجندات اقليمية و دولية دمرت سوريا ارضا و شعبا و حضارة . و لم تنل من نظام البعث فيها سوى الخسارة و الهزيمة . مغامرة ظهر فيها مورسي و جماعتة كلعبة بيد امراء قطر و القوى الغربية الامبريالية . و الرابح الاكبر هو المشروع الصهيوني لتقوية اسرائيل عبر نشر حروب اهلية في دول المنطقة . دون ان يعير مورسي الاهتمام للميدان الذي يراقبه . سهر مورسي على مفاوضات بين حماس و اسرائيل لمصلحة هذه الاخيرة في حين رفض اي حوار بين النظام السوري و معارضيه . عجرفة غير معتادة في مصر نحو الدول العربية . خاصة ان الانسان المصري يعتقد ان نهضته غير ممكنة خارج نهضة المشروع العربي القومي برمته . لكن مرسي لم يزد الا في اشعال نار الفتنة الطائفية في كل جبهات الشرق الاوسط و الخليج ، لكنه تشبت بالسلم مع اسرائيل و تثبيت معاهدة كامبديفد الخيانية ، و التي طالما تغنى الاخوان بالغائها قبل توليهم السلطة .
في ظل هذه الظروف كلها دعت "حركة تمرد " الى الخروج للشوارع يوم 30 يونيو 2013 لاعادة الشرعية للميدان . دعوة لم تعرها جماعة الاخوان المسلمين اهتماما ، بل استهزات منها ، استهزاء اتى من الشعور بالاستقواء و الكبرياء و التعالي الذي تضخم اكثر من الممكن . اعلن احد قياديو الجماعة ان كل المعارضين للاخوان في مصر ، من حركة تمرد الشبابية و المعارضة الحزبية لن يتجاوزوا 38000 متظاهر على ابعد تقدير .
فهل ستتمكن حركة تمرد الشبابية من استعادة الشرعية للميدان ام انها ستبقى شرعية نصية سلمتها الانتفاضة الاولى للسيد مورسي و جماعته ؟؟؟
لو قل العدد عن نسبة معينة من المتظاهرين ، نسبة الذين سوطوا لصالح الاخوان في الانتخابات ، تبقى الشرعية للسيد محمد مورسي دون منازع . اما اذا كان عدد المتظاهرين ضد محمد مورسي اكثر من الذين صوتوا لصالحه ، فان الشرعية النصية المسلمة بالانتخابات فقدت قيمتها و الغيت لتعود الشرعية لاهلها الاصليين و تصبح الشرعية القائمة و الفاعلة هي شرعية الميدان و لا شيء غيرها .
كانت مسيرة يوم 30يونيو 2013 في مصر اكبر مسيرة عرفها تاريخ البشرية على الاطلاق . فقد فاقت الاعداد المشاركة فيها كل التوقعات . و كل التخمينات . فوجأ العالم كله و المتتبعون بما عرفته مصر ذلك اليوم . لم تعد مصر تتميز بالاهرامات وحدها ، بل بالمليونيات الرافضة لحكم مورسي كذلك.
لم يعد الامر يتعلق بمقارنة عدد المؤيدين بعدد المعارضين ، الامر يتعلق بشرعية سلمت ثم سحبت . ارقى اشكال الدمقراطية ان تسحب الشرعية بشكل سلمي . و هو ما كان .
يتبع : ما موقع تدخل الجيش ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مين اعترف بالحب قبل.. بيسان أو محمود؟ ????


.. العراق.. اهتمام شعبي لافت بالجرحى الفلسطينيين القادمين من غز




.. الانتخابات الأوروبية: انتكاسة مريرة للخضر بعد معجزة 2019.. م


.. أغذية فاسدة أو ملوثة، سلع مستوردة مجهولة المصدر.. كيف نضمن ج




.. هنا تم احتجازهم وهكذا تم تحريرهم.. مراسل سكاي نيوز عربية من