الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدن اخرى ..وقلق المكان

رحمن خضير عباس

2013 / 7 / 6
الادب والفن



صدرت للكاتب مظفر لامي مجموعة قصصية , افترض انها مجموعته الأولى . والقصص بمجملها محاولة لتكوين لوحة حياتية . اراد أنْ يعالجها ويضفي عليها الوانه , مرة يتعثر في وضع اللمسة المناسبة ,ومرة ينجح في وضع تلك اللمسة . لكنه ينغمر في عملية خلق ودمج عسيرة , فيوالف بين السرد والتحليل, ويدمج بين طرح الفكرة وتناول ابعادها , في اسلوب اقرب الى الحدة والتدفق منه الى التروي والأسترسال . وكأنه يريد ان يتخلص من عبيء اللحظة التي تفترض ان نكتب شهادتنا لعصر ننتمي اليه, نعيش لحظاته الحجرية .قد نكون ابطاله او ضحاياه . وهذا يقودنا – حتما - الى ماهية إنتماء القاص او الفنان , ودوره في استلهام الواقع الذي يعيشه وانعكاس ذالكم الواقع على رؤياه . هنا ينشأ العمل الأبداعي , ويتنامى من خلال استشراف الوعي ومحاولة منحه دفقة من الحياة , بإيجاد وعي موازٍ تختزنه تجربة قصصية ,أرادت أنْ تجتهد وتتلمس فحوى فعل الأنسان العراقي , في مرحلة زمنية متحركة وقاسية ,افرزت تغييرا مفاجئا , او غير متوقع ( اعني سقوط النظام الدكتاتوري ) مما جعل الكتابة ملحة ومرتبكة . لأنها ارادت ان تتنفس هواءا – يُفترٍض ان يكون نقيا – لتخلصها من حجرية القمع والخوف والتدمير .لكن الكاتب قد وجد نفسه يواجه مكانا فسيحا , حافلا بالأحتمالات والمخاوف . فهناك زوايا ضيّقة , وغرف تضجُّ بالأنين وابواب مقفلة وفضاءات ملتهبة ,وزوايا اسمنتية تحمي الروح الملتاعة , وغرف معتمة تُظهر للقارئ لحظات انسانية حافلة بالإلفة والحبور , وأنهرصغيرة يعزّ فيها صيد السمك , او بنايات متهالكة .او ردهات في مستشفى . واذا كان للمكان هذا القلق – والذي يختلف من قصة الى أخرى – فانه قد يفسر وفاء الكاتب لتلك البقعة الجغرافية المغموسة بالشجن . حيث حاول مظفر لامي جاهدا ان يلتقط منها , ما يمكن ان يتبناه كمفهوم معرفي , او اجتماعي , او سياسي قابل للجدل . ولقد استطاع ان يتجول في مجموعة من المواضيع التي كانت تطمح الى الأرتقاء الى ما هو شامل . واذا كان المكان قلقا الى هذا الحد فانّ الأزمنة المحيطة به تضيق احيانا حتى تتحول الى لحظة متأزمة ومدمرة , كلحظة الرصاصة الطائشة التي اغتالت الأم حينما فتحت الباب , او تتسع هذه الأزمنة لتصبح جامدة , ثقيلة وكأنها لاتتحرك كما رأينا بطل احد القصص وهو محشور بين الزوايا الكونكريتية بانتظار موت محتمل حيث يتجمد الزمن وكأنه لاينتهي, بينما يتطاير رصاص الموت في كل الأتجاهات. واحيانا يتعانق الزمان والمكان معا حتى يذوبان في بعضهما .وكأنهما ينحسران او يتمددان .
في قصته ( الظهيرة ) نكتشف جوانب غير مرئية لشريحة حياتية , يكون النهر والشمس مكونين متنافرين . فلولا حرارة الشمس اللاهبة لاستحال النهر اكثر عطاءا وأقل خوفا . يبدا القلق من المكان , وكأن الأشياء تتحد ضده وتتحرك باتجاهات لاتنتمي الى رغباته . لقد كشف لنا الكاتب حجم الضائقة الأقتصادية لمجتمع غير منتج . يعتاش بشكل طفيلي على رواتب شحيحة . ومع اليأس الذي تمثل في إخفاقه من الحصول على صيد من النهر , ينشأ أمل غير متوقع " ياعم لاتغضب منه . اصطاد سمكة " وكأن الأبناء قادرون على تحقيق ما عجز عن تحقيقه الكبار , مما يمنح الفكرة فسحة أمل قادمة.
وفي ذات الأطار تتحول المدن الى شقاء متنقل . فها هي بغداد تتحول الى مجهول حافل بالأحتمالات , يتشارك فيه الراكب مع سائق المركبة . المخاوف تترصد القادمين اليها , ثمة خوف من فشل العملية الجراحية , يرافقه همٌّ أمني في كل المفترقات . فالمدينة مفتوحة لأسوء الأحتمالات , قد تتجسد في شبح الموت الذي يترصد الخطوات . وعبر الذالكرة , ينتقل الحدث من قلق المكان الى وحشة الأزمنة ,حيث ذكريات السجون والمعتقلات . وحيث السلطة التي تلتقط الناس من دفيء مشاعرهم , وتقذف بهم الى الفناء. ولكن الكاتب لم يؤطر الحدث زمنيا , بل تركه سائبا , وربما لكي يقول ان للسلطة ملامح كالحة حتى وان اختلفت وجوهها ومسمياتها . كان ابطال القصص ينوؤون بعبيء اللحظة المعاشة . يستصرخون الخلاص وهم يعيشون أزمة الملاذ الآمن . ماهي احتمالات الموت لشخص وجد نفسة بين ميليشيات متقاتلة , تُمطِر الناس بالموت والرعب ! ؟ اي قوة كونية تستطيع ان تتحمل مايكابده بطل قصة ( مصادفة أخرى )في تلك اللحظة ؟ وهو يخير نفسه بين الموت انتظارا والموت هربا . بينما جسده يلتصق بالكونكريت لكنه يحاول النفاذ من قلب الأحداث العمياء بالكراهية والفوضى . "سأنفذ في أوج الصخب المطبق لبنادقكم ..ص12" هل كان يتحدى هؤلاءالقتلة ؟ هل كان نفاذه انتحارا , او محاولة للخلاص؟أو ان جميع الأحتمالات ممكنة لقاص يدوّن الألم ؟ . وفي قصة اخرى . يبرز سؤال عريض . اي حاجة تجعل مجموعة من الفنانين التشكيليين - حسب وصفه لهم - ان يعملوا في هدم بناء قديم لايدركون السر وراء هدمه ؟. كان الذي يعنيهم من العملية , هوالحصول على ما يسد حاجتهم اليومية من كسرة خبزوسيجارة . هؤلاء كان يعملون في غير مجال ابداعهم , ولكنهم كانوا محبطين من اختلال المعايير , حتى بان عليهم الأرهاق المعنوي الذي انسحب على مجهودهم الجسدي حينما ادركوا " اللعبة الأبدية للأسياد وكيف تواصل إستنساخ نفسها تباعا ...ص46" لقد وضع معادلة غير متوازنة بين المهمشين من جهة وبين من تسلقوا السلطة وهم لايستحقونها . ولكن الطرح القصصي لهذه المعادلة كان بحاجة الى بناء اكثر إحكاما . فلا يكفي ان نطرح فكرة دون ان نهتم بحرفيات الطرح فنيا .
لقد حاول الكاتب مظفر لامي ان يرسم المجتمع وفق منظوره , ملتقطا زوايا معتمة واخرى مضيئة , واستمر يمزج ما بين العتمة والضوء ليخرج بعض القصص التي تشبه اللوحات . وهي تنتمي الى مرحلة الحرب والحصار . لم يسمّ الأشياء بأسمائها , ولكنه أدان الفوضى واختلال القيم , وانتصر لأرادة المقهورين والمرضى والمتعبين ونزلاءالمعتقلات . كان يكتب وكأنه يصرخ رافضا اختلال القيم . وكأنه ايضا يريد بناء عالم جميل ملون , قد يشبه سجادة الحائك التي اخرجها من الصندوق القديم ليجد الألوان قد تشابكت واصبحت اكثرألقا وقدرة على التوغل في الحياة " يلامس خشونة النسيج بيد مرتجفة ويتابع حدود الأشكال , رفع رأسه حين دوت السماء برعد وبرق سبق انهمار مطر , مسّت قطراته الألوان , لتجلي عنها غبار السنين ..ص38" لقد كانت هذه القصة اقرب الى عملية البناء اللوني الذي يطمح باشاعة جو التفاؤل الذي يأتي حتى من صناديق الماضي القديم .
يمتلك الكاتب خميرة قصصية رائعة ,وقابلية على شد الأحداث , ولكنه -احيانا - يفقد خيوط اللعبة وتنفرط حبات القصة فتصبح أقل تماسكا. ولكن قصصه - بمجملها- تنمّ عن وعي وثقافة من ناحية الطرح , وجمالية في التعبير القصصي واساليبه الحديثة . اما من حيث اللغة , فقد تراوحت بين الجملة الحادة المحكمة , والقادرة على التأثير , وبين اللغة الركيكة اوغير المفهومة , والتي تحتاج الى الكثير من التشذيب والحذف . فالقصة القصيرة يجب ان تراعي الأناقة في اللغة , والأقتصاد في الجملة , والأعتناء - قدر الأمكان - بالصياغة . كما انني وجدت الكثير من الأخطاء النحوية واللغوية والأملائية . ومثل هذه الأخطاء تؤثر سلبا على جمالية العمل . كما ان الكاتب لم يوفق في إختيار العناوين المناسبة لقصصه . ان إختيار العنوان المناسب , يمنح العمل الأدبي حيوية اكثر . ولعل اختيار مدن اخرى وهو خارج النص هو افضل عنوان تبناه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا