الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مِنْ -مرسي- إلى الأَمَرِّ منه.. -المُرْسيسي-!

جواد البشيتي

2013 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


مصر، الآن، أيْ بعد الثلاثين من يونيو، وبدءاً منه، ولنتائجه وعواقبه الكثيرة المتكاثرة، هي "تجربة ثورية جديدة"، وجيِّدة، إذا ما وَقَفْنا على معانيها، وخَرَجْنا منها بالدروس والعِبَر؛ وأحسبُ أنَّ تبريد الرأس الساخنة، أو النَّظر إلى الأمور في موضوعية، وبعيون لا تغشاها أوهام، هو الطريق إلى ذلك.
ما أكثر "الربيع العربي"، وما أقلَّ "ثوراته"؛ ولقد التبست علينا كثيرٌ من الأمور؛ وكان أوَّلها، وأهمها، هو "الثورة".
"الثورة"، ولجهة معناها ومفهومها، ليست دائماً مرادفاً لـ "الثورة الشعبية"، أيْ الثورة التي يَنْزِل فيها الشعب، أيْ قسماً كبيراً منه، إلى الشارع. و"الثورة"، على ما أريد أنْ أقول الآن موضِحاً، ليست دائماً مرادِفاً لنزول الشعب إلى الشارع؛ فإذا كانت "الثورة الشعبية"، أيْ كل "ثورة شعبية"، تعني نزول الشعب إلى الشارع، فليس كلُّ نزولٍ للشعب إلى الشارع يعني، أو يجب أنْ يعني، أنَّ هذا الحدث هو "ثورة".
"الربيع العربي"، وحتى الآن، كثيره "سَوْرة (سَوْرة غضب شعبي)"، وقليله "ثورة"؛ وتجربته (أو تجاربه) إنَّما تقيم الدليل على سهولة (ويُسْر) إنزال الشعب الغاضِب إلى الشارع (فنرى، من ثمَّ، "سَوْرَة الغضب الشعبي") وصعوبة (واستعصاء) أنْ تُتَرْجَم "سَوْرَة غضبه" بـ "ثورة"، تَهْدِم "الأُسُس"، مؤسِّسَةً لمجتمعٍ جديد (في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والقلم..).
أين مَكْمَن "الأزمة (التاريخية)" في "الربيع العربي"، وفي "ميدانه المصري" على وجه الخصوص؟
أزمته إنَّما هي، في المقام الأوَّل، أزمة "قيادة ثورية"؛ فإنَّ عدم وجود "قيادة ثورية"، أو عجز الشعب الثائر عن استحداث "قيادة ثورية"، منه وله، تتمثَّل سياسياً وفكرياً معاني "الربيع العربي"، وتَعْرِف كيف تجسر الهوَّة بين "سَوْرَة الغضب الشعبي" و"الثورة"، وتقي الشعب الثائر شرور قوى (بعضها دولي وإقليمي) تتوفَّر على تسيير الرياح الثورية بما تشتهي سفنها، أيْ مصالحها وأهدافها، هو ما جَعَل "السَّيْر الثوري" لشعوبنا يشبه السَّيْر في "فضاء آينشتايني"، تسير فيه في خطٍّ مستقيم (على ما ترى وتظن) فإذا بكَ تعود إلى النقطة التي منها بدأتَ السَّيْر.
مصر ما بين 25" يناير" و"30 يونيو"، عَرَفَت "فترة (أو مرحلة) انتقالية"؛ لكنَّ معنى "الانتقالية" لم يكن الانتقال بمصر (وشعبها) من "سَوْرَة الغضب الشعبي" إلى "الثورة". معناها إنَّما كان، وعلى ما أَخْبَرَنا "الواقع"، "رَفْع منسوب العداء الشعبي (متعدِّد الدافع والسبب)" لجماعة "الإخوان المسلمين"، ولـ "حُكْم الرئيس مرسي"؛ مع أنَّه أوَّل رئيس مصري مدني منتخَب (في انتخابات حُرَّة نزيهة، حتى بشهادة خصومه ومناوئيه).
لقد عَجِزَ مرسي وأُعْجِز في آن؛ عَجِزَ عن جَعْل رئاسته "قوَّة استقطاب شعبي ثوري"؛ فحكم في طريقة لم تسمح له بالتأسيس لائتلاف شعبي وسياسي ثوري يضم كل من له مصلحة (ولو كان من الجماعات اليسارية والعلمانية والقومية) في المضي في الثورة قُدُماً حتى القضاء التام على عهد، أو بقايا عهد، مبارك، بكل ما يعنيه ويمثِّله هذا العهد. أمَّا المتربِّصون بالثورة الدوائر (وفي مقدَّمِهم بقايا عهد مبارك في الشارع وفي أجهزة ومؤسسات الدولة، وأخُصُّ بالذِّكْر منهم "البيروقراطية العسكرية") فقد توفَّروا على "الضَّرْب معاً"؛ فَهُمْ، وعلى ما يُفرِّقهم، دافعاً وغايةً، التقوا (على نحوٍ عفوي تارةً، وعلى نحوٍ منظَّم طوراً) على "إعجاز" الرئيس مرسي، أيْ جعله عاجزاً، أو أكثر عجزاً؛ فَلَمْ نرَ، في "الفترة الانتقالية"، إلاَّ سياسة "الضَّرْب معاً"، وظاهرة "انخفاض منسوب العداء الشعبي لعهد مبارك، وارتفاع منسوب العداء الشعبي لحكم مرسي وحزبه وجماعته".
وجاء "الثلاثون من يونيو"، ونَزَل (وأُنْزِل) الشعب إلى الشارع؛ فَرَأَيْنا اكبر وأعظم احتشاد، أو حشد، شعبي في تاريخ مصر (وربَّما في التاريخ). ولقد احتشدوا (أو حُشِدوا) لمطلب واحد فحسب هو "الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها"، والتي، على ما ظَنَّ وتوقَّع بعضهم، أو أكثريتهم، ستنتهي، إذا ما أجْرِيَت الآن، أو عمَّا قريب، إلى إطاحة الرئيس مرسي بـ "صندوق الاقتراع".
ولِرَفْع منسوب الحقيقة أكثر في هذا الذي قُلْت أقول أيضاً، أو إضافةً، إنَّ بعضاً من صُنَّاع هذا الحشد الشعبي الهائل أرادوا "وَضْعاً آخر"، هو الوضع المتأتِّي من الجَمْع بين ثلاثة أشياء هي: "احتشاد شعبي هائل"، "رَفْض الرئيس مرسي التَّجاوب مع مطلب الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها"، و"انتصار الجيش (أيْ البيروقراطية العسكرية بزعامة السيسي) لإرادة الشعب".
إنَّهم (وهذا ما ينبغي لكل عاقِل، أو ثوري عاقِل، عدم إنكاره) عشرات الملايين من المصريين وقد نزلوا إلى الشارع، واعتصم قسمهم الأكبر في "الميدان الرَّمْز (ميدان التحرير)"؛ وكانوا خليطاً، غير متجانس لجهة الدافع والغاية، تَجْمَعهم وتُوحِّدهم "الرغبة الظَّاهرة" في الخلاص من عهد، أو حكم، مرسي، وحزبه وجماعته.
وأَمْضي قُدُماً في إنصاف "الحقيقة"، فأقول إنَّ كثيراً منهم كانوا من الأقباط، ومن حزب مبارك المنحل، ومن أنصار ومؤيِّدي عهد مبارك، ومن جمهورٍ يُصنِّعه على عَجَلٍ رجال أعمال من صُلْب عهد مبارك، أو قوى مالية عربية، ومن عائلات أبناء مؤسسات وأجهزة الدولة التي ما زالت البيروقراطية العسكرية والأمنية والمدنية (التي ورثتها مصر من عهد مبارك) تُحْكِم قبضتها عليها، ومن جماعات سياسية انتهازية، لا تَعْرِف من "الليبرالية" إلاَّ أسوأ معانيها، ويمثِّلها في المقام الأوَّل البرادعي وموسى؛ وإنَّ قليلاً منهم كانوا من الشباب الثوري النقي الطاهر الذين لم يجدوا في عهد مرسي ما يشبه المطالب والغايات التي من أجلها كان "الخامس والعشرين من يناير العظيم"، والذين لم يَعْرِفوا طريقاً إلى "الخصومة الجيِّدة (ثورياً)" مع عهد مرسي، فاختلطت رايتهم الثورية برايات الأكثرية من هذا الخليط الشعبي الهائل.
نسبياً، أنصار ومؤيِّدي الرئيس المعزول مرسي يمثِّلون "أقلية شعبية"؛ فإنَّهم (عدداً) أقل من "جماهير 30 يونيو"؛ لكنَّهم أكثر تجانساً وتماسكاً وتنظيماً وإصراراً، وأكثر إيماناً بعدالة قضيتهم.
وفي "الثلاثين من يونيو"، ارتُكِبَ "الخطأ الأعظم"، وارتُكِبَت "الجريمة العظمى"؛ ولقد ارْتَكَب مرسي "الخطأ الأعظم" إذْ لم يَخْطُب في هذا الحشد الشعبي الهائل قائلاً: أَعْلَم أنِّي أوَّل رئيس مصري مدني منتخَب في انتخابات حُرَّة نزيهة، وأعْلَم أنَّ لي الحق في أنْ أكمل ولايتي، وفي أنْ أبقى في منصبي حتى يخرجني منه صندوق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية التالية، وأَعْلَم أنَّ كثيراً من أبناء الشعب يريد بقائي في منصبي، وأَعْلَم أنَّ هذا الحشد الشعبي الهائل هو خليط؛ لكنني، ودرءاً للمخاطر عن مصر وشعبها وثورته، أدعو إلى استفتاء شعبي عاجل، يجيب فيه الشعب عن سؤال واحد لا غير، هو: هل تؤيِّد بقاء مرسي رئيساً للدولة حتى نهاية ولايته؟
واستذراعاً بهذا "الخطأ الأعظم" لمرسي، وانتهازاً لهذه الفرصة، فرصة هذا الاحتشاد، أو الطوفان، الشعبي، ارْتُكِبَت "الجريمة العظمى" في حقِّ مصر وشعبها وثورته؛ وكان مرتكبها (لمصلحته، ولمصلحة المتربصين بالثورة الدوائر) البيروقراطية العسكرية بزعامة السيسي؛ ولطالما حذَّرنا من البيروقراطية العسكرية التي تعد العدَّة لـ "حُكْمٍ بونابرتي"، يتلفَّع ويتدثَّر بالرغبة في "الإنقاذ"، وبالتأييد الشعبي، ويتقنَّع بـ "وجوهٍ مدنيةٍ"، لو كان لـ "سَوْرَة الغضب الشعبي" أنْ تُتَرْجَم بـ "ثورة" لَمَا رَأَيْنا هذه الوجوه.
لو كان شعار "الجيش والشعب يد واحدة" حقيقة لا وَهْم، لأعلن الجيش، وقرَّر، ما كان ينبغي لمرسي أنْ يُعْلِنه ويقرِّره، ألا وهو ذاك الاستفتاء الشعبي العاجل (والفوري).
لكنَّ البيروقراطية العسكرية، بأنانيتها وحماقتها، اختارت ما يَدْفَع بمصر وشعبها وثورته إلى الهاوية؛ وكأنَّ البديل من "حُكْم مرسي" هو "الحُكْم الأَمَرُّ منه"؛ هو "حُكْم المُرْسيسي".
في انتخابات "ثورة الخامس والعشرين من يناير" كانت المعادلة: جماعة "الإخوان المسلمين" + سائر الأحزاب = حُكْم المرشد.
وفي انتخابات "ثورة الثلاثين من يونيو" أخشى أنْ تكون المعادلة: الأحزاب - جماعة "الإخوان المسلمين" = حُكْم العسكر.
لا تُسَبِّحوا بحمد المؤسسة العسكرية؛ إيَّاكم أنْ تقدِّسوا، أو تتمادوا في تقديسها؛ تذكَّروا، ولا تنسوا، "البيروقراطية العسكرية المصرية" التي تسيطر على الجيش، وتُحْكِم قبضتها عليه؛ تذكَّروا أنَّ هذه البيروقراطية هي فئة ضئيلة من ذوي الامتيازات، لها من المصالح الخاصة بها ما يجعل لها وجهة نظر في كل أمر وشأن سياسي، وأنَّ هذه المصالح الفئوية الضيقة هي الميزان الذي به تَزِن كل "مصلحة عامة"، وأنَّها (أيْ البيروقراطية العسكرية) تنحاز دائماً إلى مصالحها عندما يشتد النزاع بينها وبين المصالح العامة.
وتذكَّروا أنَّ لهذه البيروقراطية صلاتها السياسية (والإستراتيجية) مع القوى الدولية التي تموِّل وتُسلِّح وتُدرِّب جيشها.
إيَّاكم أنْ تَنْظروا إلى هذه البيروقراطية على أنَّهم أبناء السماء، ومبعوثي العناية الإلهية، الزاهدين في الحياة الدنيا وملذَّاتها، وفي الحكم والسلطة؛ فهؤلاء لهم من النفوذ السياسي والاقتصادي.. ما يجعلهم دولة في داخل دولة.
لا تخدعوا أنفسكم، ولا تخدعوا الشعب؛ فالمؤسسة العسكرية ليست فَوْق كل نزاع أو صراع كبير في داخل المجتمع؛ إنَّها ليست منزَّهة عن السياسة وألاعيبها وأوساخها.
هي في أوقات الضيق والشدة تبرز في ثياب الحريص على الشعب والوطن والمصلحة العامة. إنَّها تلبس هذا اللبوس حتى تتمكَّن من تسيير الصراع بما يخدم مصالحها، ومصالح أسيادها في الداخل والخارج.
في ميدان التحرير العظيم، رأَيْتُ شباب الثورة فَرِحين محتفلين منتشين، يُصَفِّقون لشيخٍ وبابا يتوسَّطهما جنرال؛ وسمعتُ امرؤ القيس يهمس بأذانهم جميعا قائلاً: اليوم خمر، وغداً أمر!
وتذكَّرتُ جورج أورويل إذْ قال "إنَّ خير عمل ثوري، في زمن الخداع، هو قول الحقيقة"!
كما تذكَّرْت نابليون إذْ قال: "هناك نوعان من الناس في الثورات: الذين يصنعونها، والذين يستفيدون منها"؛ ولقد رَأَيْتُ صُنَّاع الثورة في ميدان التحرير العظيم؛ أمَّا المستفيدون منها فرَاَيْتُهم في تلك القاعة: السيسي والشيخ والبابا والبرادعي..
وتذكَّرتُ هيجل إذْ قال ما معناه أنَّ الفَرْق بين "المأساة" و"المهزلة" هو نفسه الفَرْق بين "أتاتورك" و"السيسي".
أمَّا التاريخ فلن يغفر لأُمَّةٍ تسمح لكل عابر سبيل باغتصاب ثورتها؛ و"الثورة" هي الشيء الوحيد الذي مهما اكتمل يظل ناقصاً!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إنَّها تلبس هذا اللبوس
هانى شاكر ( 2013 / 7 / 6 - 18:00 )


إنَّها تلبس هذا اللبوس
_________________


ألكلمات أعلاه مأخوذة من مقال ألكاتب ألأستاذ جواد ألبشيتى . وردنا عليه واضح وصريح :

ألشوربة غذاء سائل يشربه ألشاربون فى ألغذاء أو العشاء

وشوربة ألغذاء غير شوربة ألعشاء .. فشوربة ألغذاء يشربها ألشاربون بالنهار فى ضوء ألشمس وغالباً ماتكون سُخنه ... أما شوربة ألعشاء فيشربها ألشاربون بالليل على ضوء ألشموع أو فى ألضلمة وغالباً ماتكون بارده ...

وألشوربة أنواع منها شوربة ألفراخ و شوربة ألضأن و شوربة ألخضار و شوربة ألعدس

وألشوربة غير ألشراب ... فالشوربه تُشرب وتدفئ ألصدر وألبطن .. أما ألشراب فيُلبس فى ألرجلين ويدفيها برضه

وأطلبوا ألشُوربة ولو فى ألصين .. بس دى مش مضمونة قوى

أما ألشَربة فتُطلب من ألأجزخانة ... وهى تختلِف عن أللبوس ألذى .. ألذى .. ألذى

وهنا أدرك شهرذاد ألصباح

...


2 - إستغراب
فؤاد النمري ( 2013 / 7 / 7 - 04:25 )
أستغرب هذا الخطاب من رفيقنا الماركسي جواد البشيتي


3 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 7 / 8 - 10:41 )
مقاله تتحدث من واقع حقيقي , كل الشكر للكاتب | جواد البشيتي .

اخر الافلام

.. الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مسجدا يؤوي نازحين في دير البلح وس


.. مقتل وإصابة طلاب بحادثة انقلاب حافلة في كولومبيا




.. رحلات الإجلاء تتواصل.. سلوفاكيا تعيد رعاياها من لبنان


.. ما الذي قدمته إيران إلى لبنان منذ بدء الهجوم الإسرائيلي؟




.. فرنسا.. مظاهرات في باريس تنديدا باستهداف المدنيين في لبنان و