الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللي بِنْسى أهلو، بِنْسى أصلو

مسعد خلد

2013 / 7 / 6
الادب والفن


أحيانا تلازم الواحد منا فكرة ما، تلاحقه أينما حل، قبل النوم وبعده، أثناء العمل والاستراحة، في الصباح والمساء، في الأفراح والأتراح، فيـُمسي الإلحاح واقعا، يتوجب أن يرى النور، في قوالب مختلفة الشكل، قصة أو قصيدة، رسمة أو صورة، حكاية أو أسطورة، من الشاطر حسن، وَ (نص مصيص) الى (شيخ القبور) مرورا (بالغول) ووصولا الى (التابعَه) وغيرها... لكن ما أشغلني دوما هو المثل الشعبي، والذي يعتبر بلاغة قصوى، ترضى به الخاصة، لكنه (لدى العَوامّ هو ملح الكلام). تناقلته الألسن، مسجوعا، جيلا بعد جيل، مما ساعد على حفظه وترديده، فظلّ محفوظا في غياهب الذاكرة، يطل من خلال حكاية، أو في مناسبة، أو عبر حديث عابر، فيكون إنجازا، فيه ايجاز وإعجاز! واعتبر المثل، حلا مثاليا لتفسير الظواهر المختلفة، التي رآها الناس وانتبهوا لها، فخلدوها في قول موجز، له لحن مميز، ونغمة عذبة، كي تلتقطه الآذان، فرسخ في النفوس، وصار جذرا لعديد من المفاهيم. ولعل مفهوم "المثالية" اشتقّ من مثل، لما في هذه الكلمة، من معاني الرفعة والسمو! أما الفلاح البسيط، الذي عايش سحر الطبيعة، وتذوّق نقاء الأرض، مهتديا بعطر النسيم، فقد عبّر عن أحاسيسه ومشاعره، باستعمال المثل الشعبي المختصر المفيد، فنسمعه يقول: "أرضك عرضك" أو "إلأرض مِـشْ بالشبِر.. إلأرض بالظُّفر" أو "اللي مالـُه جذر، يْموت قَهِرْ" وَ " حجر على حجر، بيصيروا سنسلِه"، كذلك أدخل القروي الطبيعة الى غزله؛ كقوله واصفا معشوقته: "عيونها زرق مثل نوّار العلت" وَ "خدها مثل التفاح الزبداني" وَ "يا طولها مثل طول الحوره". بينما عبّر المزارع عن شكره وعرفانه لهبات الطبيعة، خاصة زيتونته المباركة، فخصَّها بالعديد من الأمثال ومنها" "مثل ما بدَّك من الزيتون، بدوّ منَّك" وَ "الزيتون، إذا بدّك تهفيه، شفيه " و "زيتونتك وطّيها وتينتك علّيها" وّ "كول زيت وْناطِح الحيط" وَ"الزيتون والزيت عماد البيت" وَ "كـُلوا من الزيت، وادهنوا فيه" وَ "زيت ولبنِه وْلبنه وزيت " وَ " إذا كان في البيت زيت، رقصِت أنا وْغنيت"وَ "خلـّي الزيت في جْرارُه، حتى تيجيك أسعارُه" أما اذا أراد أن ينعت خصمه بالغباء، فإنه استعار زيتونته لهذا الغرض فيقول:"طايش مثل الزيت على الميّه"، ولوصف الخبث والدهاء قال:"مثل الزيتون الجْــلـُطـِّي، اللي بيقول للمعصَره نـُطـِّي!" كذلك استعان عامة الناس بالأمثال للتعبير عن مكنونات نفوسهم، وأضغاث أحلامهم، ومآسي حياتهم، حيث نستمع لأحدهم، يحاكي حظه المنحوس فيقول: "إشتغلنا بالكْفان بَطّل حدا يْموت" أو "عَ حظ الحزينِه، سكرت بْواب الْمدينِه" أو "اللي ما إلـُه حظ، لا يتعب ولا يشقى" وَ "تاجرْنا بالطرابيش، صارت الناس تِخْلق بلا روس" و "حَلاق فتَّح، وبْأقْرَع استفتَح"... اذن فالحظ كان له قسط وافر من الأمثال، لكن الشعر أيضا لم يهمله، كغيره من مواضيع، وها هو أحد الشعراء، يصف حظه المنحوس بقوله:
حظي دقيقٌ بين أشواكٍ بَذَروه وقالوا لحُفاةٍ يومَ ريحٍ اجمعوه
لكن المتنبي هوّن على من يقع في موقف فشل فقال:
ما كل ما يتمنى المرءُ يدركُهُ تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ
يجب حفظ هذا الكنز الشعبي، خاصة ما يتعلق بالعادات والتقاليد الأصيلة، التي تأمر بالمعروف، وتنهي عن المنكر، والتي تدعو الى التسامح، وتنبذ التعصب بل تنشر الفضائل، وترفع راية الأخوّة، لأن الدين لله والمحبة للجميع. وفي هذه المناسبة، أدعوك يا صديقي، أن تبحث عن جذورك وماضيك، لئلا تتبخر، بفعل حرارة عصرنا المادي، الذي نعيشه في هذه الحقبة الزمنية "الغلوبالية"، حيث يترصّد كلٌ للآخر، ليوقعه في شِراكِه. فزادت عمليات القمع الثقافي، وطمس المعالم الإرثيّة للشعوب المغلوبة، حتى أصبح الخطر داهما، على مستقبل أجيالنا القادمة.. وكما أوصى الفلاح ابنه، عندما أعطاه كابوسة المحراث، ليعلمه حراثة الأرض، فيتابع مسيرة الأجداد: أربط إصبعَكْ منيحْ، لا بيدْمى ولاَ بيقيحْ !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس