الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة المياه و الحرب الخفية في الشرق الأوسط

إدريس نعسان

2013 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


أهمية الماء

الماء من أهم الموارد الطبيعية، و هو عصب الحياة و محورها الأساسي، لا تستطيع الكائنات الحية (النباتات – الحيوانات – الإنسان) العيش بدونه، فهو ضروري لهذه الكائنات من أجل القيام بوظائفها الحيوية، و يشكل نسبة مئوية عالية من تركيب أجسام هذه الكائنات، و الماء ذو أهمية فائقة في الفعاليات الاقتصادية، إذا لا يمكن لأنواع عديدة من الآلات العمل من دونه، فإذا توفر الماء أزدهر الاقتصاد و إذا نقص تدنى المستوى الاقتصادي و إذا شح انعدمت الحياة كلياً.
تعتمد جل الأنشطة البشرية على الماء فهو يدخل في المأكل و المشرب و النظافة و الزراعة و الصناعة و في كل زاوية و ركن من أركان حياتنا اليومية، لذلك لا يمكن الاستغناء عن الماء أبداً.

مصادر المياه

تغطي المياه أكثر من 70% من سطح الكرة الأرضية، فتوجد على شكل نوعين من المياه هما: المياه العذبة و تتوزع على هذا النحو (37 مليون كم3على شكل كتل ثلجية في قطبي الكرة الأرضية و ثمانية ملايين م3 مياه جوفية و حوالي 0,13 مليون م3 في البحيرات و الأنهار و الأودية و الينابيع وهي مياه سطحية نسميها المياه المتجددة التي تتجدد فيها المياه أي تضاف إليها كميات من الماء سنوياً بفعل "الدورة المائية" و هي عبارة عن تبخر المياه من البحار و المحيطات بحرارة أشعة الشمس إلى بلورات مائية متطايرة في الغلاف الجوي تتكاثف و تتحول إلى غيوم في الجو البارد و تهطل على شكل أمطار أو ثلوج أو برد و تقدر بحوالي 500 ألف كم3، 86% منها من البحار و المحيطات و 14% منها من اليابسة، إلا أن اليابسة تستعيد أكثر مما تفقدها من مياهها و هذا في صالحنا، ففي الوقت الذي تفقد القارات حوالي 70 ألف كم3 بالتبخر، فإنها تستعيد بفعل عمليات التساقط الجوية حوالي 110 ألف كم3 و هذا الفارق في الكميتين يتحول إلى مياه عذبة يشكل مصدر المياه العذبة للعالم.
و هناك المياه الأحفورية و توجد على شكل خزانات جوفية محصورة بين طبقات كتيمة من القشرة الأرضية تجمعت فيها عبر آلاف أو ملايين السنين، و هذه المياه غير متجددة أي لا يتسرب إليها مياه التساقطات الجوية و بمجرد استهلاكها تتناقص إلى أن تجف.
أما النوع الثاني من المياه فهي المياه المالحة و التي تتوزع في البحار و المحيطات و البحيرات المالحة و تشكل النسبة المتبقية من الـ 70% من الكمية الإجمالية للمياه السطحية الموجودة على سطح الكرة الأرضية، هذه المياه لا تصلح للشرب و لا للزراعة أو الصناعة فقط تستخدم للملاحة و بعض الأنشطة الترفيهية البشرية كالرياضات المائية.

استهلاك المياه

لقد تضاعف عدد سكان العالم منذ عام 1900 و هذا ما زاد الاستهلاك السنوي للمياه سبع مرات عما كان عليه نتيجة تنامي كميات المياه المستخدمة في الصناعة بنحو 20 ضعفاً و 6 أضعاف في النشاطات الزراعية، ففي بدايات القرن العشرين كان متوسط استهلاك الفرد حوالي 240 م3 سنوياً، لكنه تضاعف ثلاث مرات بسبب الزيادة السكانية الكبيرة في العالم و من المتوقع أن يصل هذا الاستهلاك بحلول العام 2015 إلى 1130 م3.

مخاطر نضوب المياه

إن الزيادة المطردة في استهلاك المياه العذبة تنبئنا إلى نضوب هذه المياه في المستقبل القريب نظراً إلى الكميات المحدودة منها، و هذا ما يدفع العلماء و القادة و المهتمين بهذا الشأن إلى البحث بجدية عن سبل لموجهة هذه المشكلة الخطيرة و ذلك بترشيد الاستهلاك و تنمية المصادر التقليدية أو الغير تقليدية و اللجوء إلى الأساليب و التقنيات الحديثة في الاستهلاك المائي و خاصة في القطاع الزراعي أكثر المستهلكين للمياه.

الحرب الخفية على المياه

إن الصراع على الموارد الطبيعية يشكل نقطة محورية في الصراعات العالمية منذ بداية التاريخ و حتى يومنا هذا، و هذه الصراعات تأخذ أشكالاً متعددة منها الصراعات المسلحة و منها الصراعات الباردة على شكل عقوبات اقتصادية و غيرها، تسعى من خلالها الدول الكبرى إلى فرض هيمنتها على دول العالم الأخرى، فقي فترة الاستعمار كانت الموارد الاقتصادية و الأيدي العاملة الهدف الاستراتيجي التي سعت إليها الدول الاستعمارية، و بعد الحرب العالمية الثانية تشكلت كتلتين عالميتين هما الكتلة الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة و الكتلة الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق و هاتين الكتلتين حولتا الصراع إلى السيطرة على مراكز القوة و نشر إيديولوجيتيهما على نطاق أوسع، لكن سقوط القطب الشيوعي في بداية التسعينات من القرن الفائت أعطى للولايات المتحدة حق الاستفراد بالقرار العالمي ليتجه معها الصراع إلى تأمين مصادر الطاقة و فتح الأسواق العالمية أمام تجارتها تحت غطاء منظمة التجارة العالمية و غيرها من الأساليب المتنوعة.
إضافة إلى الأسباب الطبيعية الواردة في بداية المقال حول استهلاك المياه و التي تتحول تدريجياً إلى أسباب لخلق صراع دولي و إقليمي، فإن الدول صاحبة المصالح تسعى أيضاً إلى خلق الصراع في الشرق الأوسط عبر الحديث عن أزمة للمياه في هذه المنطقة، و تسعى إلى تجسيد هذا الصراع عملياً عبر خلق أزمة مياه في كل من سوريا و العراق بإقامة سدود ضخمة في تركيا و حرمان هاتين الدولتين من حصتيهما الطبيعيتين من مياه نهري دجلة و الفرات و محاولات إسرائيل المتكررة حرمان لبنان من مياه أنهار (الليطاني و الأردن و اليرموك)، و المساعدة الإسرائيلية لإثيوبيا في بناء سدود ضخمة على نهر النيل مقابل سماح الأخيرة بهجرة يهود الفلاشا إلى الأراضي الفلسطينية، وقد تسبب محاولة بناء سد إثيوبي ضخم مؤخراً بتوتر شديد بين مصر و السودان من جهة و إثيوبيا من جهة أخرى كادت أن تفجر حرباً ساخنة بينها لولا تراجع الأخيرة عن قرارها بتعديل حجم السد بما يناسب الحفاظ على مخزون السدود في مصر و السودان.
الصراع على المياه في الشرق الأوسط ربما يكون الصراع القادم و الطويل الأمد و هو سمة المستقبل لأن تحقيق الأمن المائي من الأولويات التي تفرضها المرحلة المقبلة، ففي دراسة حول الشرق الأوسط لمعهد الدراسات الإستراتيجية في لندن في العام 1989 جاء أن السنوات العشرة التالية ستشهد حرباً للسيطرة على مصادر المياه بسبب تزايد عدد سكان المنطقة و زيادة برامج النمو الاقتصادي و تراجع و نقصان الكميات المتوفرة من المياه، و هذا النزاع سيؤدي إلى تحطيم الروابط الهشة بين دول هذه المنطقة، و تطرق مساعد و زير الخارجية الأمريكية (هارولد سوندرز) في تقرير له حول الشرق الأوسط إلى أن الخطر لا يأتي فقط من النزاع على النفط بل إن هناك مصدراً آخر للقلق في المنطقة و هو ندرة المياه، مضيفاً أن هذه المسألة سوف تحظى باهتمام القادة السياسيين على نحو متزايد خلال السنوات القادمة. و أشار الكاتب الأمريكي (جول كولي) في كتاب له بعنوان "حرب المياه" إلى أن منطقة الشرق الأوسط سوف تشهد حرباً على المياه بعد نفاد النفط ، حيث أن خطط التنمية سوف تعتمد على المياه فقط ، و جاء في مقال لنائبة رئيس معهد الموارد المائية الأمريكية "جيسيكا ماثيوز" نشر في واشنطن، إذا كانت عملية السلام مقابل الأرض صعبة التحقيق فإن مبادلة المياه بالسلام مستحيلة و أن أي اتفاق سلام لا يعالج مشكلة المياه بين إسرائيل و الدول العربية المعنية لن يكتب له النجاح لأنه سيكون مثار جدل و صراع باستمرار.
إذاً، تأمين المستلزمات المائية و تحقيق الأمن المائي يشكل تحدياً كبيراً للقادة السياسيين في المستقبل القريب و هاجساً يشغل العارفين بخفاياها و أخطارها و هي أزمة قديمة متجددة ستتفاقم مع التزايد السكاني الحتمي الذي يرافقه تزايد في الحاجة إلى الماء، الأمر الذي يضع الأمن المائي في مقدمة الأولويات الملحة باعتباره رافداً للأمن الغذائي و التفوق العسكري و التنمية الاقتصادية و التطور الاجتماعي، و ذلك بوضع خطط من شأنها المساهمة في تقليل الصرف الآني عبر ترشيد الاستهلاك و اعتماد الوسائل الحديثة في الزراعة التي تقلل من صرف المياه، و التوجه إلى المواطن من خلال برامج إعلامية تثقيفية تهدف إلى إظهار مساوئ هدر المياه و تشجع ثقافة الصرف ضمن أقصى الإمكانات التوفيرية الممكنة، و البحث عن مصادر أخرى تمدنا بالمياه العذبة بتكرير مياه الصرف الصحي و إعادة استخدامها في الزراعة و تحلية مياه البحر للاستخدامات البشرية.
و أخيراً إذا كانت الدول الغربية تخوض حروباً الآن من أجل السيطرة على آبار النفط عندنا، فإنها ستخوض حروبها المستقبلية من أجل الاستيلاء على منابع المياه الغزيرة في منطقتنا من كل بد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام