الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عزيزك الميكروباص! في زمن الغربلة لا مكان إلا للأتوبيس العمومي.

محمود عبد الغفار غيضان

2013 / 7 / 7
الادب والفن


سامح الله الجنوبي "أمل دنقل" فقد علمنا منذ سنين ما يزيد في أوجاعنا. قال جملة لم أنسها منذ قرأتها، وكلما تعرضت لمواقف عليَّ فيها أن أنحاز لاتجاه معين بوضوح أرقتني حتى أعلنتُ انحيازي دون صراخ أو عويل أو مخاصمة أو إقصاء للآخرين. قال: "الحياد يقتل في الإنسان الطموح". كتبتُ وأكتب الآن ثانية رسالة أخيرة بكل هدوء وبساطة لأصحاب المنطقة الوسطى في وقت يكون فيه تبني موقف أو قول الحق بوضوح من الواجبات الوطنية والإنسانية والدينية أيضًا. أنا شخصيًّا لا أحب حشر الدين في كل موضوع وكل كلمة ولكني أخاطب الآخرين على طريقتهم فحسب. وللاختصار، ولأننا جميعًا مللنا القراءة والتحليل والتفسير بعد إن صرنا كلنا محللين سياسيين واقتصاديين وعسكريين، سأذكر بعض النقاط المحددة:

- أحترم موقف المعارضين في الرأي بوضوح. أحترم من في الشارع في رابعة أو أمام الجامعة ومنهم بعض أصدقائي الذين أحبهم وأتمنى لهم كل الأمان والسلامة. هؤلاء واضحون. أصاحبي من بينهم ليسوا دعاة عنف ولا سبابين ولا لعاننين ومعظمهم عندي على صفحتي الخاصة في الفيس بوك. قد يكون منطقهم مغلوط أو غير متسق منهجيًّا أو عمليًّا- في تصوري أنا- لكنهم واضحون ومواقهم واضحة وأحترم هذا بالفعل منهم وأقدره. وبعضهم أكد لي أكثر من مرة كما أكدتُ أنا له أننا نختلف لكن سنظل أصدقاء.

- الخطر كل الخطر في الكثيرين من الشخصيات "الرمادية" التي طفحتها بلاعة النظر للأحداث من المراحيض. نعم. هذه كارثة انتظار "مخلفات الآخرين" لكي تكوّن وجهة نظر متماسكة بعد أن يكون الموضوع قد صار في ذمة التاريخ. فتعود لتؤكد وتبرر وتشير لنا أنك كتبت عام 1919م أحد البوستات على صفحتك تدعم الشعب المصري كله في مساندته لسعد زغلول. ليست المشكلة هنا أنك مولود في السبعينيات أو الثمانينيات لكنها باختصار تتعلق باختراع السيد مارك الذي سمي بالفيس بوك قبل سنوات "معضوضة" بكل أسف. هذا مجرد وصف ساخر لفترة لا يمكنني العثور على ألفاظ تعبر عن لنهش والفتك أخف وطأة منها وهي "العض". فالفارق يا سيدك كبير بين من يختار طعامه قبل أن يبدأ الآخرون الأكل على المائدة الطويلة وفي مناسبة عامة. وبين من ينتظر أن تنتهي شخصيات بعينها من الطعام ليقرر في ضوء ما أكلوه ماذا سيأكل، إن لم يكن سيأكل فتاتهم. وعجبي!

- أنا أفهمك عندما تقول سأعتزل الفتنة ولن أشارك فأجد حسابك مقفولًا بالفعل على الفيس بوك أو لا أجد لك مشاركات. لكن أن تدخل وتشجع في اتجاه معين، ثم فجأة "لايك" في الاتجاه العكسي. بالله عليك ماذا تفعل؟ أتدري أن شخصًا ما يثق في رأيك قد يتأثر بك فيتلون مثلك؟!!!

- سيدك المتلون! دعني أذكرك إن كنت قد نسيت أننا في زمن الغربلة. لا تلعن الفيس بوك أو تتهمه بإفساد العلاقات بين الناس. ففي اللحظات الفارقة والنقلات النوعية بين الاتجاهات المختلفة يحدث هذا الأمر. اُشكرْ الفيس بوك أنه أتاح لك الفرصة لتعرف كيف يفكر الآخرون. حتى ولو كنتَ تكره طريقة تفكيرهم. أكان يسعدك أن تجالس شخصًا تراه الآن علمانيًّا أو إرهابيًّا أو رماديًّا؟َ وما الذي كان يسعدك فيه إذن إن لم تكن قد عرفت حقيقته؟! مجرد الجلوس معه على المقهى للحديث عن الطقس والقرية والأهل والأصحاب وارتفاع الأسعار ؟! أكان يسعدك دخوله صفحتك ليعلنك أديبًا أو كاتبًا محترفًا ولا تريد أن تحرم نفسك لذة النظر إلى "لايكاته" على صفحتك البهية؟ عزيزك المتلون! الأدب نفسه. وهو كلام لأشخاص يظل الآخرون يتكلمون عنه حتى الموت- هذا كذلك تعريف مبسط للأدب حتى لا أزعجك- لا يمكن أن يكون محايدًا. والأديب المحايد والناقد المحايد ككيس قمامة عفن يريد الجميع التخلص منه لكنهم لا يجرؤون على الاقتراب منه بسبب رائحته. دعني أحدثك عن كتاب مهم للأديب الشامي ميخائيل نعيمة وعنوانه "الغربال". فما أهم ما ورد فيه في سياقنا هذا؟ يقول ميخائيل نعيمة في مقدمة كتابه "إن مهنة الناقد الغربلة، لكنها ليست غربلة الناس، بل غربلة ما يدوّنه قسم من الناس من أفكار وشعور وميول. فمهنة الناقد، إذن هي غربلة الآثار الأدبية لا غربلة أصحابها. صفاء في الذهن واستقامة في النقد، وغيرة على الإصلاح، وفهم لوظيفة الأدب، وقبس من الفلسفة، ولذعة من التهكم، هذه ظلال واضحة تطالعك من هذا "الغربال". يا الله! أهذه وظيفة الناقد في الأدب؟! "الغيرة على إصلاح الكلام"؟! مجرد الكلام؟ فما بالنا بالغيرة على إصلاح الوطن!!

- سيدك! أيها المتلون! لا تكن مشوشًا على حواس الآخرين. كُن كشبكات التقوية الصغيرة في المنازل. أرسل بأدب وأسلوب مهذب رسالتك ووضح وجهة نظرك لأنها ضرورة الآن. متى ستقول كلمة الحق؟ متى سترضي ضميرك؟ هل تبنيك لموقف تحريض للفتنة؟ صدقني عدم انحيازك لأي موقف هو وقود الفتنة بالأساس.

- سيدك! أيها الرمادي! دعني قبل أن أنهي كلامي إليك أضرب لك مثالا بسيطًا يشرح لك حقيقية موقفك. الموقف يعني أن تكون لك- زي موقف الأتوبيس كده_ نقطة واضحة يراها الرائح والغادي. أن يكون لك رقم ووجهة ومحطات واضحة كالأتوبيس العمومي. تستوعب الكل ولا تلفظ أحدًا ومع ذلك وجهتك ودورك واضحين للجميع. لكن الوقوف على كل ناصية وأمام كل زبون في وسط الشارع وعدم وجود أرقام ولا موقف ولا اتجاه. فأنت تغير وجهتك حسب عدد الزبائن على الأرض. وبدلًا من خط حلوان تقلب فجأة المطار إمبابة لأن "الفردة" ساعتها هتجيب همها. هذا يا عزيزيك! لا يجعلك ترتطم بمن أمامك وخلفك وعلى الأجناب. بل تكون سببًا في أن يرتطم الكل بالكل في الشارع فجأة. هذا أبسط تمثيل "ميكروباصاتي" في ذهني للتلون وأتمنى أن تكون خطورته قد وصلتك.

- سيد كل شيء في نفسك إلا قرارك! خُذ موقفًا واضحًا ولن تندم. أعلن انحيازك. علمنا أنَّ الاختلاف في القضايا الكبرى لن يكون على حساب أخوتنا ومحبتنا وعشرتنا وزمالتنا. هذا يمكنك أن تفعله الآن بدلاً من انسحاب مائع وهمي يجعلك منكسرًا أمام ذاتك والآخرين.

- سادة أنفسكم! أيها المتلونون! يا مَن تدعون أن الفتنة نائمة! أقولها ورزقي على الله: أنتم فتيل الفتنة الآن ولو كان بعضكم بحسن النية وقع في هذا الأمر فأنا أذكره بضرورة اتباع موقف واضح دون تحريض على العنف أو تكريس للطائفية بكل أنواعها. وإن كنتم تعلمون ما تفعلون. فحسبنا الله ونعم الوكيل فيكم ووقانا الله ووقى مصر شركم لأن العدو المتربص أخطر ألف مرة من المرابط في الميدان.

محمود عبد الغفار غيضان
7 يوليو 2013م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة