الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عاصفة 30 يونيو: الإسلام السياسي والتحالف الجديد

أحمد غريب

2013 / 7 / 7
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


إنكار الخروج الشعبي الذي فاق الثلاثين مليون شخص من قِبل قيادات تيار الإسلام السياسي والتركيز على دفع أنصارهم صوب الالتفاف حول مفهوم الشرعية يمهد لمفهوم آخر يتفاعل بقوة داخل أوساط مؤيديه، ليكون منطلقاً تأسيسياً لما بعد عاصفة 30 يونيو:" اليأس من ديموقراطيتكم وأفكاركم". إنه طاقة انزياح باتجاه النزعة الانتحارية؛ لكن الأخطر هو أن يدفع ذلك في المقابل إلى عودة الدولة الأمنية في أشد صورها، وأن يؤسس لحركة تعبئة انقلابية عنيفة بين الإسلاميين.
ضم التحالف الذي أطاح بحكم الإخوان قطاعات شعبية عديدة ومتنوعة الانتماءات، وشمل مؤسستين مركزيتين في الدولة: الجيش والشرطة، إلى جانب القطاع الإعلامي بكل رمزيته للطبقة الوسطى. إنه تحالف عريض ومركز قوته هو الكم والتنوع الجماهيري، لكنه لا يخل من رخاوة وعدم وضوح.
الطريقة التي تم بها التحالف جاءت نتيجة تراكم خذلان هذه الجماهير من أسلوب الإخوان، الذين ارتكبوا -مثلاً- بغباء منقطع النظير خطيئة استخدام جهاز الشرطة وإطاره القانوني المتمثل في النائب العام لممارسة نفس الأساليب الأمنية التي قامت ثورة 25 يناير ضدها. إن حركة الإخوان الممتدة لثمانين عاماً لم تسهم إسهاما واحداً في رصيد هذا البلد على أي مستوى، ولم تكن سوى وعد غير مفهوم بالتطهر، وبمجرد أن تبين أنه وعد كاذب أطاحت به الجماهير.
تراكم الشعور بالخذلان من ممارسات التكفير والتخوين، مع يأس كامل من طريقة إدارتهم الكاريكاتورية لمؤسسة الرئاسة، والانتهازية في تسيير مؤسسات الدولة والحكومة، ما أدى لإنقلاب كبير في المزاج الشعبي. لكن لم يتم الاتفاق بين مكونات هذا التحالف الجديد على شيء؛ خاصة ما يتعلق بعودة الدولة الأمنية التي لا تراعي حقوق الإنسان، ومنها حقوق المجرمين والضعفاء.
إننا ببساطة لا نعرف التكييفات القانونية المستخدمة ضد قادة الإخوان المقبوض عليهم حالياً مثلاً، ولا حدود العقوبات! وأهم من ذلك لا نعرف ما الذي غيرته التجربة في الدولة الأمنية
لم يغب فكر العنف عن تيار الإسلام السياسي أبداً، لكن تطلع أنصاره للسلطة مع الانكسار النسبي للدولة الأمنية الذي أحدثته ثورة 25 يناير، وسقوط أدوات القمع كدرع للسلطة والدولة، أدى لإقبال قطاعات ممن آمنوا بمنهج العنف وسلكوه على ساحات المنافسة السياسية على تأييد الجماهير.
إلا انه رغم انقلاب الجماهير الكبير عليهم في 30 يونيو لا يعترف الإسلاميون بفشل التجربة، ولا بأن الصعود السريع للسلطة خدّرهم عن تطوير أدواتهم وخطابهم بما يضمن البقاء في لعبة التنافس على تأييد الجماهير.
كان التنافس صعباً على فكر تخمّر ببطء في عالم موازي لمجالات الحياة، لأنه يدعو إلى رفضها واستبدال صورة أخرى بها بدلاً من التفاعل معها والتأثير عليها والتأثر بها.
من هذه العزلة وعدم امتلاك أية خبرة بإدارة سلطة دولة، وطمع انتهازي كبير، ومبالغة في استخدام أدوات التكفير خسر تيار الإسلام السياسي معظم رصيده الذي بناه لدى الجماهير في عقود؛ خسره كمن يفلس على طاولة قمار، لكنه وجد في أحد عناصر إجراءات تطبيق الخسارة عليه ما يمكن أن يشعل فتنة تنفجر في من واجهوه بالحقيقة، ووجد في هذا العنصر (الإنقلاب على شرعية الصندوق) ما يمنحه قبلة الحياة بعد تلك الخسارة الفادحة.
ستجلب مواجهة تيار الإسلام السياسي مع المزاج الجماهيري المنقلب عليه نقمة شديدة، ستؤثر على قدراته بشكل بالغ، وأكثر من ذلك على نسيجه الفكري، وعلى منهجه بعد ذلك.
سيبني تيار الإسلام السياسي جلّ مفردات دعوته في المرحلة التالية على: الخيانة، الخديعة، العداء المطلق من الآخرين للدين، شرعية الإنقلاب رداً على إنقلاب؛ تدمير البنى الاجتماعية التي عجز عن إدارتها كالإعلام والقضاء وفكرة الدولة ومؤسساتها. سيبني نفسه على التدمير لا الدعوة، وهو ما يعطي مركزية لتيار يمثله تقليدياً الظواهري، لكن الصيغة لن تكون تماماً على شكل الظواهري. سيتم إحياء خليط من نزعة التكفير والهجرة، لأن محاولة الانفصال ولو بمدينة في الجنوب أو في سيناء ستكون على قائمة الأهداف. سيكون نموذج حماس صيغة واردة يسعون إليها.
من هم جمهور دعوة تدور حول فكرة تشبه التكفير والهجرة؟ فكرة القطيعة والعداء؟
باستثناء أنصاره الحاليين الذين يشاركون قادتهم المنهزمين الإحساس بالظلم سيضم: كل من لهم مشاكل مع الدولة، أو القوى السياسية الأخرى، أو عانوا من ظلم اجتماعي سببته طبقة أو سلطة أو إدارة. كل هذا جمهور محتمل ومستهدف، ولا يمكن حماية جمهور كهذا من الشكل الجديد الذي سينتجه تيار الإسلام السياسي إلى ببناء تحالف قوي، وقاعدة ثقافية تقوم على وعي حقوقي لدى المجتمع، وعدم استسلام لعودة الدولة الأمنية.
بالطبع ليس كل الجمهور المستهدف قابلاً للانخراط في نزعة التدمير، لأنها غير جذابة بطبعها. لكن هناك حاجة ملحة لبناء تحالف اجتماعي قوي يتصدى لهذه النزعة، التي لاتزال قيد التشكل، حاجة ضرورية وملحة.
هناك حاجة لأن يعرف كل منا ما بالضبط هذا التحالف الذي وجدنا أنفسنا فيه، بعد أن ضمتنا معاً تجربة مقاومة الفاشية باسم الدين.
نجاح مؤسسات الدولة التي حلت محل مشروع الحكم الفاشل لا مفر منه. لكن النجاح سيعيقه كثير من المعوقات والصعوبات التنموية، وأيضاً العداء، وفي كل الأحوال مهما كان ذلك النجاح ستظل الحاجة إلى مبادرة ثقافية تسبق هذه النزعة العدائية بخطوات.
لا يكفي الاتفاق الجماهيري الكبير الذي عكسته عاصفة 30 يونيو وخروج أكثر من 30 مليون مصرية ومصري (قدروا بـ 33 مليون)، سيكون تفكك التحالف مروعاً لو عادت الدولة الأمنية. وسيكون خذلان الجماهير مصيراً محتوماً لو لم يشعروا بتغيير حقيقي.
سياسياً لا يمكن تحميل الإخوان كل الشرور، والاستسلام للرغبة الانتقامية، فيحاكموا على جرائم نظام مبارك.
وسياسياً أيضاً علينا مواصلة الثورة لنصل إلى دور جديد للدولة وعلاقتها بالمواطن.
علينا أن نعزز من الدور الإيجابي للمؤسسة العسكرية، فتدفعها الثورة لتبني وجهات النظر الحقوقية. إذا كان الجيش يرى دوره كحامي للشعب وليس وصياً عليه، فالشعب بدوره هو الحامي له من الاختراق أو التمزق تحت وطأة الصراعات السياسية.
لابد من صياغة دور جديد للشرطة يلتزم بحقوق الإنسان، ويحميها، لأن مثل هذا الالتزام هو الحامي الأول لأفراد وكيان الشرطة، وليس القمع.
لابد من نفض مزيد من الغبار عن المؤسسة الدينية، ليملأ الأزهر تطلعات قطاعات عريضة من الناس إلى الدين كعنصر فاعل في الحياة.
نحتاج إلى تأسيس نظرة جديدة للأقليات.
لابد من مواصلة وتعزيز انفتاح الجماعة المثقفة والفنية مع الجماهير، لقد قدموا بمشاركتهم القوية في الثورة وميدانها، ومبادرة الدولة المدنية، وفعاليات الفن ميدان، وثورة الجرافيتي الرائعة، والأعمال الفنية، وصولاً لاعتصامهم ضد وزير الفاشية علاء عبد العزيز، قدموا تفاعلاً قوياً مع الجماهير بعد فترة طويلة من الانعزال، ومن العزلة التي فرضتها عليهم حملات التكفير التي كان الإرهابيون يشنونها كل حين على الكتاب والمبدعين.
الآن دور جديد للمثقفين، أكثر اشتباكاً مع هموم إنسان الثورة، لابد أن يحتل مكانه على أجندات العمل الثقافي. نحن بحاجة لحركة تنوير جديدة.
لن ينتهي الحديث عما نحتاج بعد عاصفة 30 يونيو، لأن التحالف الجديد غير واضح المعالم إلا فيما يتعلق بمقاومة الفاشية الدينية.
لا أمل لهذا التحالف في البقاء وبناء دولة تعكسه إلا تحت مفهوم الثورة مستمرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم