الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس و الدرس المصري : قبل فوات الأوان.

بيرم ناجي

2013 / 7 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


1-

بعد معركة القصير في سوريا ،و بعد احتجاجات ساحة تقسيم في تركيا ،و بعد التغييرات التي حصلت على هرم السلطة في قطر ، تأكد ان خلخلة ما في موازين القوى هي بصدد الوقوع في المنطقة بكاملها و بتأثير دولي شديد له وقعه الواضح على موازين القوى الداخلية في مصر و تونس خاصة حيث الحراك الشعبي لم يخمد بعد و حيث الاخوان المسلمون الذين يقودون بلدانهم الى أزمة خانقة بسبب ميلهم الى ارساء نظام حكم استبدادي جديد يستند الى مساندة دولية محدودة نسبيا.

2-

الثورتان التونسية و المصرية كانتا في الأساس عبارة عن مزيج بين عمل عسكري قام به الجيش دون هدف تسلم السلطة تقليديا و عمل جماهيري سلمي أطاح ببن علي و بمبارك و فكك حزبيهما الحاكمين و أضعف نسبيا من سلطة أنصارهما ليفتح الباب أمام عملية انتقال ديمقراطي معقدة جدا.
ان ما عقد هذه العملية ستة عوامل :

- فوز الاخوان – النهضة- الأصوليين وغير الديمقراطيين في الانتخابات الديمقراطية.
- قوة بقايا الأنظمة السابقة التي تفككت و لكنها بصدد اعادة التشكل.
- بروز التيار السلفي بقوة.
- ضعف المعارضة الديمقراطية.
- قوة حركة الشباب الأقرب الى الاستقلالية السياسية و التنظيمية عن الأحزاب.
- تنوع التدخلات الدولية في المسارات الداخلية و ترددها بين خيارات مختلفة أحيانا.

3-

لكن معطيين هامين بقيا يتفاعلان مشكلين قطب رحى التفاعلات الداخلية الحاصلة و هما:
- قوة الجيش و الأمن .
- تواصل الاحتجاج الاجتماعي الباحث عن "استكمال مهام الثورة" .

ان هذين المعطيين يتشابهان و يتفاوتان بين مصر و تونس مثل تشابه و تفاوت البلدين الجزئي في جوانب أخرى، ولكنهما قد يؤديان الى نتائج متشابهة في العموم رغم خصوصية مصر في وجود "جبهة الانقاذ" و قوة حركة الشباب و غيرها من العوامل الأخرى التي لها علاقة أكيدة بتاريخ مصر و بمعطيات أساسية مثل :
- خصوصية موقع مصر الدولي و خصوصية تاريخها الحديث و المعصر.
- خصوصية النسيج الاقتصادي- الاجتماعي المصري ( نسبة الفقرو التواجد المسيحي القبطي و غيره)
- خصوصية حماقات الاخوان المسلمين في مصر الذين فازوا مع السلفيين بما يزيد عن 70 في المائة من أصوات الناخبين مما عمق غرورهم و ميلهم الطبيعي الى الانفراد و الاستبداد متجاهلين بذلك طبيعة الثورة و قواها المحركة و مطالبها الديمقراطية الاجتماعية أساسا.

4-

يمكن تلخيص حماقة الاخوان المسلمين الأساسية في تونس و مصر في ما يلي:

الاخوان المسلمون لا يرون في الديمقراطية سوى آلية انتخابية للوصول الى الحكم تمهيدا الى أسلمة الدولة و المجتمع.
ان أصوليتهم السلفية التي حاولوا سترها بخطاب مزدوج هي الفخ الذي وضعوه لأنفسهم متوهمين انهم يضعونه لمنافسيهم السياسيين في ظرف داخلي يتميز بقوة الجيش و الأمن "غير المضمونين"و قوة الحراك الشعبي الذي أسقط حاجز الخوف من كل سلطة سياسية و كان في الأصل حراكا ديمقراطيا اجتماعيا و ليس دينيا و في ظرف خارجي يتميز بميل موازين القوى الى التغير بسرعة بسبب وزن الضغوط الروسية و الايرانية و تردد المواقف الأوروبية و حتى تردد الحكم و الرأي العام الأمريكيين.

5-

ان من يعتبر الديمقراطية مجرد لعبة انتخابية شكلية يسجن نفسه في منطق الشرعية القانونية و يتناسى المشروعية الشعبية و الثورية من ناحية و دور الجيش و الأمن من ناحية ثانية و دور التأثيرات الخارجية من ناحية ثالثة خاصة عندما يكون قد اعتمد عليها ماليا و اعلاميا بل و سياسيا.
ان من يفعل ذلك يتغافل عن مطالب الشعب الأصلية الديمقراطية الاجتماعية و يتسرع في محاولة تفكيك و اعادة تركيب الجيش و الأمن و يتوهم ان ميزان القوى الدولي مضمون لصالحه بمجرد وصوله ديمقراطيا الى الحكم فيخسر كل شيء ، بما في ذلك أقرب الحلفاء، أول ما يتحرك الشعب ضده.

6-

في مصر كانت النتيجة ( الى حد الان) هي التالية.

بقي الاخوان المسلمون لوحدهم مقابل عشرات الملايين من المتظاهرين و حركة تمرد و جبهة الانقاذ و الجيش و الأزهر و الكنيسة و قسم كبير من الاعلام و القضاء و حتى من حزب النور السلفي و مقابل جزء هام من المحيط الدولي القريب و البعيد و الذي كان بعضه معاديا للاخوان أصلا بينما كان الآخر مستعدا للتضحية بهم – حتى لو كان يميل اليهم- لو تغيرت موازين القوى مثلما حصل مع السعودية و الامارات – حيث هرب قسم من الحرس القديم و راسماله- و بما في ذلك قسم من السلطة و الرأي العام الأمريكيين حيث الشعار هو " التجارة مع الجميع و لا تحالف مع أحد".

7-

الموقف مما حصل في مصر في 30 يونيه- جوان انقسم اذن الى معسكرين:
الأول:

الاخوان و من يساندهم في الداخل و الخارج عن وعي حبا فيهم و في ما يقدمونه من خدمات داخلية و خارجية لمحاور دولية ، وعن غير وعي تمسكا بشكلانية الشرعية الانتخابية التي على أهميتها قد تتجاهل أهمية التوافق و أهمية الشرعية الشعبية و أهمية الاستجابة لمطالب الشعب الديمقراطية و الاجتماعية في مراحل الانتقال الديمقراطي خاصة.

الثاني:

أعداء الاخوان الذين ينقسمون الى أنصار الانتقال الديمقراطي ،وهم عموم الشعب و القوى السياسية الديمقراطية، و بقايا أنصار النظام السابق التي تريد اسقاط الاخوان بكل الطرق ليس دفاعا عن الثورة الديمقراطية الاجتماعية التي سبق و أن أطاحت بهم قبل أن تطيح بالاخوان، بل من أجل تدارك الوضع اانتقاما قبل تعمق اسلمة الدولة و المجتمع وكذلك بعض القوى الدولية ليس دفاعا عن استقلال مصر(أو تونس) بل من أجل اعادة ترميم علاقاتها الدولية في نظام دولي يعرف موازين قوى متغيرة يعاد تشكيلها باستمرار على حساب العرب غالبا.

8-

ان الوضعية في مصر – وقد تصبح كذلك قريبا في تونس- دقيقة جدا ومعقدة جدا.

اما أن تكون مع الشرعية الانتخابية الشكلية و بالتالي مع الاخوان ،و لو موضوعيا لا غير، و هم غير ديمقراطيين يحاولون تأسيس نظام استبدادي ديني جديد تدريجيا بالتنسيق مع محور دولي رأس حربته قطر و من ورائه محاور ( أو جزء من محاور) دولية.
واما أن تكون مع الشرعية الشعبية التي اضطرت الجيش الى التدخل بسبب ضعف القوى الديمقراطية السياسي و التنظيمي( أو ربما تجنبا لتطور تجذر وقدرة قوة هذه القوى) على قيادة الحراك الشعبي و الشبابي ولكن مع احتمال – بل وحتمية- محاولة الفلول بعد تجددها الاستفادة من الحراك و من ورائها قوى دولية و لكن – بسبب قوة الحراك الشعبي و موازين القوى الدولية ليس الا- فانها لن تكون قادرة على اعادة النظام القديم التسلطي- المافيوي و ستكون مضطرة على الأرجح الى مساومات تاريخية و حلول وسطى تؤسس لانتقال ديمقراطي ليبرالي و تابع معتدل نسبيا لا غير.

9-

ما المطلوب اذن؟.
أمران في نفس الوقت:
أولا: ازاحة الوهم الشكلاني حول الشرعية الانتخابية الاخوانية.
ثانيا: ازاحة الوهم الثورجي حول الشرعية الشعبية- العسكرية الحالية.

ان الأولى ينقصها العمق الشرعي الشعبي الديمقراطي الاجتماعي.
أما الثانية فضعيفة و مسنودة عسكريا وأمنيا و كلا الشرعيتان له تقاطعات دولية غير بريئة رغم تفاوتهما.

لو ان الاخوان المسلمين في مصر و تونس استمعوا الى شعبهم وأدركوا قوة الجيش و الأمن ووزن الفلول القديمة ولعبة التوازنات الدولية و قبلوا بحلول وسطى مع المعارضة الديمقراطية الوطنية و تجنبوا الغطرسة الضاربة في جذورهم الأصولية السلفية غير الديمقراطية و بادروا منذ فوزهم الانتخابي الى اقتراح حكومة وحدة وطنية جامعة تعمل بالتوافق و تسعى الى المحاسبة و المصالحة و تحاول الاستجابة الى مطالب الشعب لتجنبوا ربما ما يحصل لهم الآن.
في المقابل لا يجب ان ينسينا جلال الحراك الشعبي المصري خطورة عودة الجيش و الأمن الى التدخل في الحياة السياسية و ووزن بقايا النظام السابق و تحالفاته الدولية.

في مصر انتهى الفصل الأول نسبيا .

ولكن الاخوان ليسوا "الحزب الوطني " في مصر و لا "التجمع الدستوري" في تونس. الاخوان حزب عقائدي و لم يمض على حكمه وقت طويل بعد عشرات السنين من الاقصاء وهزمهم ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض و ما مثال جزائر التسعينات الا دليل على ذلك رغم تغير الظروف و قد يجد الجميع نفسه مضطرا من جديد الى حلول وسطى و مساومات ، بما في ذلك الجيش و الأمن و الاخوا ن و القوى الدولية ، ولو على حساب الحراك الشعبي وقواه الثورية، على الأقل لاحقا.

أما في تونس فالقادم من الأيام سيكون مصيريا.

10-

في تونس نشأت "حركة تمرد" وأصبحت المعارضة تطالب بحل المجلس التأسيسي و كل السلط المنبثقة عنه و تكوين حكومة مؤقتة جديدة تنهي ما تبقى من المرحلة الانتقالية و تكلف لجنة مختصين باعداد الدستور و تحل "مجالس حماية الثورة "،الخ.

في تونس اليوم خياران:

اما أن تتعظ النهضة – والترويكا- بالدرس المصري و توافق على مطالب المعارضة ولو بصيغة وسطى كأن يقع الاتفاق على الحكومة ببرنامج محدد مع الابقاء على المجلس التأسيسي (الذي انتهت مدته القانونية في 23 أكتوبر الفارط) و فقد شرعيته الشكلية التي يدافعون عنها في مصر و هيبته ( و لكن باخراج مهمة صياغة الدستور من وظائفه وترك مهمة المصادقة عليه له و تكليفه فقط بالنظر في مشاريع القوانين المقدمة من الحكومة ) و الابقاء على القانون الوقتي للسلط العمومية و منصب رئيس الجمهورية حفاظا على استمرار الدولة و تجنبا للفراغ الدستوري ( و منصف المرزوقي ليس أسوأ من فؤاد المبزع، ربما) مع التزام مسبق من الرئيس بلعب دور الساهر على استمرار أجهزة الدولة و تزكية قرارات الحكومة التوافقية و لجنة الخبراء التي ستعد الدستور ...فنتجنب السقوط المدوي المحتمل ان ينتج عن الفراغ الدستوري و نجنب البلاد تكرار تدخل الجيش في الحياة السياسية و تدخل القوى الدولية و ربما انجرار البلاد الى العنف.

و اما أن تعاند النهضة و تكابر فيكبر احتمال تكرار السيناريو المصري ليس من باب التقليد بل لأن كل مقومات هذا السيناريو أصبحت جاهزة ( و هي التي كانت موجودة منذ "رش سليانة" و منذ اغتيال شكري بلعيد خاصة ومنذ مسخرة الدستور في أواخر أفريل الماضي و بسبب ميل النهضة الى اقصاء كل مخالفيها و اضعاف حلفائها و محاولة تجريم و تحريم كل مظاهر الحراك الشعبي وبيع ثروات البلاد و الأزمة المالية و الأمنية و غير ذلك من الأسباب ) وستنفجر بفعل العدوى المصرية الذي سيلعب دور القادح "لا غير" وسيكون ذلك ايجابيا في العموم رغم مخاطره و يجب مساندته .

خاتمة :

اذا أرادت النخب السياسية التونسية ، يمينا ووسطا ويسارا، الاستفادة مما حصل في مصر فعليها ألا تسعى الى تكراره حرفيا بل الى اعتماده درسا تاريخيا غير مرغوب فيه بحد ذاته و لكن مرغوبا في نتائجه الايجابية وحدها ولا غير.

على كل القوى السياسية أن تسعى الى اعادة قطار الثورة التونسية الى سكته الديمقراطية الاجتماعية و لكن بأخف الأضرار الممكنة.

ان هذا يتطلب تنازلات مؤلمة من كل الأطراف و لكن من النهضة في المقام الأول ،لأنها في السلطة و سبب البلاء ، و ذلك للاقتراب من " الوسط" عبر التوافق ،الصراعي لا محالة ، لانهاء المرحلة الانتقالية الحالية بسن دستور ديمقراطي و تهيئة كل الظروف الأمنية و السياسية و القانونية و التقنية المناسبة لانتخابات ديمقراطية في أسرع وقت.

و لكن اذا لم يحصل هذا في أسرع وقت ممكن ، والكرة في مرمى حزب النهضة أساسا - و الترويكا عموما- فسيكون الحل عاجلا أم آجلا ( ربما بعد رمضان أو في الخريف القادم ) هو ما يشبه تكرار المثال المصري بكل مخاطره .

اذا كانت النهضة حريصة على البلاد فعليها أن تبادر هي الآن الى التنازل لمعارضيها و شعبها بسرعة لأن ما رأوه منها منذ23 أكتوبر 2011 لم يعد يطاق .

نحن نعرف مسبقا ان البعض سيرى في هذا مخرجا للنهضة من ورطتها في وقت يراه البعض مناسبا للاجهاز عليها نهائيا.
نعم نحن نريد انقاذ النهضة و لكن من نفسها وتحديدا من جناحها اليميني و من أصوليتها الاخوانية و لكننا نريد بذلك أيضا انقاذ البلاد من سلطتها المستبدة و لكن دون استدعاء الجيش و الأمن وأطراف دولية.

و لكننا لا نريد انقاذ النهضة فقط بل اليسار و القوميين و الليبيراليين من "انتقامهم الديمقراطي" من النهضة لأننا نرى بعضهم - من المتطرفين- كأنما يجهز السكاكين و الزنازين.

اننا نسعى الى هزم النهضة سياسيا دون انتقام و تهديد بالسجن و النفي و الاقصاء كما يتمنى بل و يصرح البعض بذلك في رد فعل على خطاب النهضة شبه الرسمي .
و اذا كانت النهضة مستعدة أن تفعل هذا هي و بعض أصناف معارضيها فاننا لن ننساق معهم في نفس الجوقة ايمانا بأن السياسة هي أيضا مبادئ و أخلاق أو لا تكون و حفاظا على شعبنا و وطننا من أبنائه المجانين.

ان كل معركة سياسية داخلية يستدعى فيها الأمن و الجيش و يلوح فيها بالعنف مهما كان شكله ويستعان فيها بأطراف خارجية تلميحا أو تصريحا في السر أو العلن هي معركة قذرة سياسيا وأخلاقيا و الانتصار فيها أشد عارا من الهزيمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إنها حقيقة الأحزاب الإسلامية.
أحمد حسن البغدادي ( 2013 / 7 / 7 - 14:30 )
إن الفاشية والإرهاب، هو جوهر فكر الأحزاب الإسلامية، فلاتستطيع الأحزاب الإسلامية أن تقدم للشعب الحرية والديمقراطية وحرية الفكر والعقيدة، لأنها كلمات وممارسات ومفردات ليست موجودة في أدبيات هذه الأحزاب ، وهي ليست من مطالبها على مدى عمرها السياسي. ففاقد الشيء لايعطيه.
إن إندساس الأحزاب الإسلامية مع الثوار الحقيقيين، المطالبين بالحرية والديمقراطية، وخطف ثورتهم، لابد أن ينكشف هذا الخداع يوما ً، ونفوس الشعوب لم تهدأ بعد ولم تطمإن لحاكم يدعي شيئا ً والواقع شيئا ً آخر، أليس هذا ما عانته شعوبنا في الخمسين سنة الماضية؟

إن ثورة مصر المجيدة، ستتبعها ولادة ثورات أكثر نضجاً وتجذراً، وذلك بترسيخ فكرة فصل الدين عن الدولة، لمنع تكرر المأساة، وسنشهد في مصر نفسها، ثورة أكثر تجذراً لمنع الحركات الإسلامية من الوصول للسلطة وإلى الأبد، كما فعلت أوروبا في منع الإحزاب النازية والفاشية من الوصول للسلطة، وذلك بسن القوانين الصارمة ضدها، لمنعها فكرا ً ورموزا ً.
فهل سنشهد أتاتورك العربي؟ أعتقد إنه قادم لامحالة، بسبب فاشية الأحزاب الإسلامية.

تحياتي...

اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ