الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا ومصر ثورات حاضرة وتاريخ قديم

جميل حنا

2013 / 7 / 7
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ما بين سوريا ومصر إرث حضاري تاريخي مشترك يمتد إلى آلاف السنين من التوافق والإنسجام وكذلك صراع وغزوات وحروب متبادلة بين بلاد الشام والرافدين وبين الفراعنة.وقواسم مشتركة في بناء حضارات عريقة على ضفاف النيل ودجلة والفرات والعاصي وبردى والزاب وغيرها من الأنهار وعلى شواطيء البحار.من هذه الأرض أنبثقت البذور الأولى للحضارة الإنسانية,والتي أينعت ثقافة عظيمة أبهرت بها الكون. هذه الحضارات قدمت للبشرية خدمات رائعة في مجال العمران والبناء والثقافة والعلوم والآداب والفلسفة وعلوم الفلك والإدارة والقوانين المنظمة لشؤون الحياة الإجتماعية والسلطة والدولة وكثير من الملاحم والأساطير التي مازالت تدهش العالم حتى يومنا هذا.تأثرة كلا الحضارتين ببعضهما البعض كثيرا في مختلف النواحي الثقافية واللغوية والعسكرية.
هذان البلدان تعرضا في تاريخهم الطويل إلى غزوات خارجية مشتركة كثيرة نذكر منها الغزو البيزنطي الروماني والإسلامي والعثماني والإستعمار الغربي.هذه الغزوات غيرت مجرى التطور والتاريخ في بلاد الشام والنهرين ومصر, والشعوب الأصيلة فيها قدمت ملايين الضحايا من أجل الحفاظ على كيانها الثقافي واللغوي والديني.
القرن العشرين زمن التحولات الكبرى في العالم في مختلف مجالات الحياة وتدشين عصر جديد شهد حربين عالميتين متتاليتين خلال ربع قرن من الزمن. وكذلك تطور تكنولوجي عظيم في كافة المجالات وخاصة في مجال التنقل والإتصلات الآلي والألكتروني ووسائل الأعلام المتطورة أصبح العالم كأنه قرية صغيرة بفضل وسائل التواصل الإجتماعي بين مختلف شعوب الكون. وبدأ هذا العالم الكبيربواسطة هذه التكنولوجيا المتطورة تكشف لمئات الملايين من الناس حول العالم بشكل أوضح ما يجري على الكرة الأرضية وأصبح التبادل الثقافي بين مختلف الحضارات احد الرموزالمميزة للقرن العشرين. وكان لا بد لهذا التأثير العظيم أن يترك بصماته المأثرة على عملية التطور والتقدم والتغيير على كافة الأصعدة في سوريا ومصر.
والنصف الثاني من القرن العشرين بدأ يتحقق تحول كبير في العلاقة السورية المصرية وذلك بعد إستقلال سوريا عام 1946وكذلك إنهاء الحكم الملكي في مصر عام 1952 وأصبح البلدين مستقلين من الإستعمار الخارجي وأصبح القرارالسياسي وقيادة الدولة في يد القوى الوطنية.إلا أن هذه القيادات التي حكمت البلدين دفعت عجلة التقدم نحو مسالك خاطئة ومدمرة وذلك بسسبب المنهج الفكري العقائدي المتعصب الذي لم يراعي جوانب الإختلاف في الإرث الحضاري والثقافي والإجتماعي لسوريا ومصر.
وهنا نعني تحديدا الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958- 1961هذه الوحدة التي فشلت بسبب إعتبارات وأسباب كثيرة منها الداخلية والخارجية ولسنا بصدد تحليل هذه التجربة الفاشلة إلا أنه يمكننا القول أن من بين أهم الأسباب :إنعدام الديمقراطية ,الحكم الديكتاتوري,التعصب القومي الشوفيني العقائدي,سياسة الإقصاء والتهميش للقوى الوطنية والشعبية السورية ومؤسساتهم المدنية والسياسية وزج وأعدام المناضلين الوطنيين الشرفاء من أبناء سوريا على سبيل المثال سكرتير الحزب الشيوعي السوري اللبناني فرج الله الحلو الذي أذيب في برميل الأسيد, ونهب ثروات سوريا وشعبها.وكذلك مصادرة القرار السياسي للشعب السوري وقواه الوطنية وعوامل آخرى كثيرة.إلا أن إرادة الشعب السوري في التخلص من هذا الحكم الإستبدادي أسقط هذه المحاولة الوحدوية الفاشلة التي جلبت كوارث فظيعة للشعب السوري.لإنها بنيت على أسس عنصرية شوفينية قومية عقائدية إقصائية وأخطاء جسيمة كثيرة.
إن فرحة الشعب السوري لم تدم طويلا بعد التخلص من الوحدة مع مصر حيث سيطر حزب البعث على السلطة بإنقلاب عسكري وفرض سلطة الحزب الواحد بعقيدته القومية الشوفينية في عام 1963في الثامن من آذار.كانت هذه بداية التأسيس للنظام الديكتاتوري المطلق ومن ثم كرس سلطة الفرد والقائد إلى الأبد في عهد حافظ الأسد الذي غدر برفاق دربه في الحزب وأنقض على السلطة بإنقلاب عسكري في عام 1970(الحركة التصحيحية) وزج برفاقه من رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة وبقية أعضاء القيادة في السجون. وهذه هي المنظومة الأخلاقية والفكرية التي يحكم بها سوريا منذ ذلك التاريخ تحت شعارات البعث الشوفيني. إلا أن هذه الشعارات أستخدمت من قبل كافة مؤسسات الدولة وخاصة الأجهزة المخابراتية القمعية ,ووسائل الإعلام , والتوجيه التربوي في مختلف مستويات التعليم من الأبتدائي حتى الجامعي والنقابات العمالية والفلاحية لتصب فعاليات جميع هذه الأدوات الفكرية والدعائية والعملية في خدمة تكريس عبادة الفرد والسلطة المطلقة وتأليه القائد.وبسبب هذا النهج الإستبدادي الذي تمارسه السلطة الحاكمة يعاني الشعب السوري الويلات الفظيعة منذ أكثر من نصف قرن من الزمن.سلطة قمعية صادرة كافة أنواع الحريات وحقوق الإنسان وفرضت قيودا صارمة على حرية التعبير عن الرأي الحر المستقل الذي لا يقبل المذلة والخنوع , والذي لا يريد أن يكون أداة إنتهازية وصولية في يد السلطة الحاكمة وخادما مطيعا لأوامر الأجهزة القمعية المخابراتية.والسلطة الديكتاتورية فرضت الهوية القومية العربية كأنتماء وحيد للشعب السوري على حساب مكون أصيل وصاحب البلد تاريخيا وثقافيا وحضاريا ألا وهو الشعب الآشوري السريان.
ومصر بعد إستلام العسكر السلطة عام 1952 لم يكن أفضل حالا من سوريا لأن ذات العقائد القومية الشوفينية الإقصائية حكمت البلد بقوة الحديد والنار وتم القضاء على الحياة السياسية وعلى كافة القوى الممثلة لمختلف التيارات الإيديولوجية. وتعرضت حقوق المواطن إلى إنتهاكات فظيعة في مختلف مجالات الحياة السياسية والأقتصادية والإجتماعية وحقوق الإنسان والتمييز بين مختلف شرائح المجتمع وخاصة سياسة التمييز ضد الأقباط المكون الأساسي الأصيل لشعب مصر والذي حافظ على الإرث الحضاري القديم لهذا البلد بدون الإنتقاص من المكونات الأخرى للمجتمع المصري.
الشعب السوري والمصري تحمل الكثير من المظالم اللاإنسانية بسبب السياسات القمعية التي مارستها السلطات الحاكمة في كلا البلدين. إلا أن الشعب المصري ثار في25 يناير2011 ضد نظام مبارك الذي كان أمتداد لسلطة السادات وجمال عبد الناصرالذي كانت في قيادة السلطة منذ 1952.وخلال فترة وجيزة من إنطلاق الثورة حزم الجيش أمره ووقف بجانب الشعب وأختار السير في طريق السلم الأهلي ووضع مصلحة الوطن فوق كل الأعتبارات السياسية والسلطوية وتم إقالة مبارك من منصبه. وجرت إنتخابات رئاسية في عام 2012 فاز فيها مرسي الأخواني مرشح القوى الإسلامية. ومنذ أن استلم الأخوان بقيادة حزب الحرية والعدالة دفت السلطة بالطرق الديمقراطية أنقلب هؤلاء على الديمقراطية ولم يراعوا القيم الديمقراطية التي أوصلتهم إلى سدة الحكم.بدأ الأخوان فرض السيطرة الأخوانية على كافة أجهزة الدولة ومنها القضاء وأجروا تغييرات هامة في هرم قيادة الجيش ومارسوا سياسة الإقصاء والتهميش وإصدار الإعلان الدستوري الذي يضمن الحكم الديكتاتوري للرئيس ويجعله فوق المسائلة القانونية مهما أرتكب من أخطاء أو جرائم بحق الوطن والشعب. ومنذ أن تم نصب مرسي كرئيس لجمهورية مصرفي 30 من يونيو 2012 فرض قيودا على الحريات العامة وأزداد التطرف وبدأ الهجوم المركزعلى وسائل الإعلام الحرمن أجل إضعافه,ولجأوا إلى تدمير منهجي لمؤسسات الدولة بهدف السيطرة عليها كليا. وأصبحت الأوضاع الإقتصادية أكثر سوءا, ولم يستطع بناء شراكة وطنية حقيقية مع القوى الشعبية وقوى المعارضة الوطنية. وضرب مرسي وجماعة الأخوان المسلمين مبادىء الديمقراطية عرض الحائط والتي كانت الأداة التي أوصلتهم إلى السلطة.مرسي لم يستجب لنداء الشعب المصري ولا لمطالب حركة "التمرد" الشبابية لأجراء إنتخابات رئاسية مبكرة. ولا أستمع إلى تحذيرات الجيش والمهل المعطاة له للإستماع لمطالب الشعب والحوارالجدي مع جبهة الإنقاذ, لوضع الحلول للمشاكل التي تواجه مصر والتغلب على التحديات الداخلية والخارجية بإرادة وطنية موحدة لأن الوطن للجميع. حكم الأخوان كرس النهج الديكتاتوري في الحكم وكأنه لم يحدث أي شيء في مصر بعد ثورة 25 يناير التي أختطفوها من الثوريين الحقيقيين.ومارس أساليب الحكم الإستبدادي كنظام حزب البعث الواحد وحكم مبارك.وفي الثلاثين من يونيو خرج أكثر من ثلاثين مليون مصري إلى الشوارع والساحات في كافة أرجاء مصر ينادون بصوت واحد"إرحل"وعلى مدى ثلاثة أيام فكان للجيش الوطني المصري كلمة الفصل لصالح الشعب ووقف مع الشعب لتصحيح مسار ثورة 25 يناير.هذا التدخل من قبل الجيش وأن لم يندرج في إطار الفعل الديمقراطي المتعارف عليه فهو يندرج في كل الأحوال في إطار الشرعية الثورية, والديمقراطية تعني سلطة الشعب والإنصياع لمطالب الشعب يهدف إلى تحقيق الديمقراطية.لأن السلطة السياسية الحاكمة لم تراعي على مدى عام كامل أساليب الحكم الديمقراطي بل العكس صحيح دمرت كل القيم الديمقراطية. وكانت تتجه نحو الحكم بحسب شرائع تعيد مصر عهودا طويلة إلى الوراء من خلال الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي .عندما تدخل هذا الجيش لم ينحاز لفئة أوفرد لكي يحمي سلطته بل تدخل من أجل السلم الأهلي وأمن الوطن ومن أجل الشعب ,تدخل من أجل حقوق المواطنين في الحرية والعيش الكريم تدخل من أجل أحترام القيم الديمقراطية الحقيقية.خلال عامين تدخل الجيش المصري إلى جانب الشعب ولم يطلق رصاصة واحدة نحو صدور المتظاهرين السلميين من أجل قتلهم عمدا أو إرهابهم للتخلي عن مطالبهم.أن تدخل الجيش فرضته الضرورة الوطنية لحماية الثورة وتحقيق مطالب الجماهيرضد سياسة الأقصاء والتهميش والتطرف والإستيلاء على كافة مفاصل الدولة.هذا التدخل الجراحي للجيش لإستئصال هذا الورم الخبيث هذا الفكر المتعصب التدميري البعيد كل البعد عن كافة القيم الإنسانية ضرورة فرضته المصلحة الوطنية العليا لمصر وشعبها.
أن حركة"تمرد" الشبابية السلمية بهذا العمل الثوري قد نجحت بوضع حد للسير في النفق المظلم, وقد تكون بداية للرجوع قليلا بضع خطوات إلى الوراء وتقييم الأمور بمنطق علمي واقعي بعيدا عن التعصب والتشنجات السياسية والفردية.الزخم الثوري الذي تجلى في 30 يونيو بالعمل الدؤوب الذي قادته حركة"تمرد" يمكن أن يتحول إلى طاقة هائلة لترسيخ أسس بناء مجتمع قائم على قيم إنسانية بعيدة عن إستخدام العنف, ولكل فرد فيه الحق في الحياة الكريمة بدون تمييز بين المواطنين حسب إنتماءاتهم العرقية أو الدينية أو السياسية أو الإجتماعية.والعمل على بناء دولة تعتمد على قدراتها الذاتية, وترفض التدخل الخارجي وأملاءات الغرب وخاصة أمريكا,السيادة المصرية يجب أن تكتمل على القرار السياسي والإقتصادي من أجل بناء الدولة العصرية المتقدمة في ركب الحضارة الإنسانية.
الشعب السوري يتطلع بروح الإعجاب إلى مواقف الجيش المصري والذي أختارا الدفاع عن الوطن ومقدراته العسكرية وأنحاز لحماية الشعب من السلطة الإستبدادية.بينما يتطلع بروح الحزن والألم الشديد إلى الجيش السوري الذي كرس كل الأمكانات المادية والبشرية والسلاح لحماية حكم الإستبداد المتمثل في عائلة الأسد. هذا الجيش الذي قتل بهذا السلاح أكثر من مائة ألف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى ومثلهم من المفقودين وأكثر من ستة مليون مهجر في الداخل والخارج وتدمير المدن والبلدات والقلاع والمساجد والكنائس والقلاع والأثار القديمة وحرق المزارع والمحاصيل وأستخدام السلاح الكيمياوي وكافة أنواع الأسلحة الثقيلة. جيش أعلن حرب إبادة على الشعب السوري بدعم خارجي بالسلاح الروسي وبدعم خبراء وميليشيات إيرانية وحزب الله وميليشيات شيعية عراقية وغيرهم من المرتزقة من دول عديدة. يجري كل ذلك من أجل الحفاظ على سلطة الطاغية بشار الذي طالما أدعى الممانعة والمقاومة. وكما يبدو عما يجري على أرض الواقع هو الممناعة والمقاومة ضد الشعب السوري وليس ضد العدو الإسرائيلي الذي يحتل الجولان.كان الشعب السوري ينتظر من حماة الديار أن يكونوا فعلا حماة الديار وأن لا يرتكبوا المجازر مع شبيحة النظام والميليشيات الشيعية من خارج سوريا ضد أبناء الشعب السوري.وفي هذا الصدد نحي المواقف الشجاعة لكافة أبناء الجيش السوري الذين أنشقوا عن الجيش النظامي وكونوا الجيش السوري الحر من إجل حماية الشعب.
الإرث الحضاري المشترك للشعب السوري والمصري خلق إدراك عميق وروح تحد لمواجهة السياسات الإقصائية وإلغاء الوجود القومي لمكونات أصيلة من المجتمع قسرا والتهميش من دور الشعب ومؤسساته المدافعة عن حقوق الإنسان, والأستهزاء بإراء الناس في صناعة القرارات السياسية المتعلقة بشأن الوطن ومصيره.
الشعب المصري ثار في 25 يناير 2011 م على الحكم الإستبدادي لمبارك, وكذك ثار في 30 يونيو على الحكم الإستبدادي للأخوان المسلمين ومرسي وكان للجيش المصري في هاذين الحدثين مواقف وطنية شجاعة أختارا الوقوف بجانب الشعب.واليوم بعد إنتصار الثورة, الإنتصار الحقيقي هوفي الاستمرار في طريق التضامن الإجتماعي والتكاتف ومواجهة مخاطر الثورة المضادة بإرادة صلبة موحدة, والسيرفي عملية البناء والاستقراروالتقدم والتطور في مختلف مجالات الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وحقوق المواطنة وصياغة دستور يتضمن كافة القيم الإنسانية ويحقق العدالة والمساواة بين كافة أبناء الشعب بدون تمييز على أسس دينية أو عرقية, دستور يكفل للجميع حرية التعبير عن الرأي الحربدون عقاب.
الشعب السوري ما زال ثائر في طريق الثورة منذ 15 آذار عام 2011 فهويخوض أقسى المعارك البطولية دفاعا عن الشعب ضد الهجمة الحربية الشرسة ومجازر الإبادة التي تنفذها سلطة الإحتلال بالتعاون مع حلفائها من القوى الغازية, وصمت مغزي من العالم أجمع.إنها ثورة مستمرة حتى تحقيق مطالب الشعب في الحرية والكرامة والديمقراطية من أجل بناء وطن يكون فيه الجميع متساون أمام القانون الذي يضمن الحقوق المتساوية للجميع بدون تمييزعنصري ديني أو قومي.
07-07-2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم


.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة




.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.


.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة




.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال