الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإخوان والبعثيون والوطني، أشقاء الوهم

علاء الدين الخطيب

2013 / 7 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


يقول لسان العرب: "وهذا شقيق هذا إذا انشق بنصفين فكل واحد منهما شقيق الآخر" ويضيف "واشتق الخصمان وتشاقا تلاحا وأخذا في الخصومة يمينا وشمالا مع ترك القصد وهو الاشتقاق والشققة الأعداء واشتق الفرس في عدوه ذهب يمينا وشمال".
لم يدر بخلد هارون الرشيد وقيصر الروم وهما يتراسلان ويتبادلان الرسل والهدايا أن ما يقومان به اسمه "العلاقات السياسية والتبادل الديبلوماسي" وأن كليهما حاكم ل"دولة". فلم يكن بزمنهما تراكم معرفي بشري يقتضي هذه التعريفات ولا هموما لتعريف الرعية كمواطنين وسلاسل جبال طوروس كحدود تقرها الأمم المتحدة كي يعلم كلاهما ما حصته من نهر الفرات، ما ورثاه عبر آلاف السنين أن الرعية توابع للحاكم والحدود تخضع لقوة الجيش والحكم يأتي بالوراثة. ومن جهتها فالرعية قبلت أن الحاكم قضاء الله برضى الفقيه والبابا. وأقصى أمانيها أن يكون الحاكم عادلا مقسطا كعمر ابن الخطاب وأقصى مخاوفها أن يكون سفاحا كالحجاج. غابت أوروبا بعصور الظلام تحت الملك-الكنيسة وتابع الشرق تألقه كحاكم للعالم. ثم صهرت البشرية خبراتها في استيقاظ أوروبة من ظلام الحلف الإقطاعي الكنسي لتؤسس مفاهيم حديثة تتماشى مع سعي العالم ليكون أصغر من رحلات الخيول والجمال. ظهرت مفاهيم الدولة الحديثة والمواطنة وحقوق الإنسان والقوميات وازدادت تعقيدات تنظيم حركة السيارات والسفن والطائرات مع سهولة وصول الصيني لأمريكا والبريطاني للهند. هذا التطور المعرفي التنظيمي القيَمي استهلك أرواح عشرات الملايين في أوروبا ذاتها وفي العالم. وبالنهاية وصلت البشرية لما بعد الحرب العالمية الثانية لتحاول تنظيم الدول ضمن قوانين وقواعد السياسة والعلاقات الدولية بما يخدم ماكينة السوق التي تتسارع كل يوم.
في هذه اللحظات استيقظت شعوب منطقتنا من سبات طويل امتد عدة قرون على خبر مفاجيء "الدولة الحديثة، الأحزاب السياسية، العلاقات الدولية، الحروب العالمية، التلغراف والطائرات". تسارع المثقفون وبالأصح القارئون ضمن نسب أمية وصلت ل90% إلى اقتحام هذا الفضاء البشري الجديد. حملوا همّ الناس والشعوب والوطن والدين وصور الماضي المشرق وأرادوا صياغة "إعادة الأمجاد". القصد كان العودة للمكان الأول عالميا، لكن الاشتقاق ما بين أقصى اليمين واليسار كان سبيلهم. نهلوا بنهم الشيوعية والإشتراكية، والليبرالية والرأسمالية، والسلفية الابن تيماوية والوهابية. كان سباق خيول محتدما بين المتسابقين، لكن من سوء حظهم وحظ هذه الشعوب أن هذه الخيول لم تعد أصيلة بل مؤتمتة تعمل كلها على النفط والبورصة. وكان السباق سريعا وقاسيا، تطورت النظريات القومية العربية الإشتراكية عند البعث وعند الناصريين والوطني، وتم ضخ النفط بقوة أكبر في اختلاق شكل مستحدث للإسلام بأغلال موثوقة بعصور الظلام الإسلامية منذ القرن الثاني عشر مرحلة انهيار الدولة العباسية. وجد القومجيون أنفسهم بالسلطة بشكل مفاجيء وصاعق، فقدوا فيه ما لم يكتسبوه أصلا، وهو فن وعلم إدراة الدول والمجتمعات البشرية ضمن صراع دولي متوحش بين أقطاب السوق، فغرقوا تدريجيا بالديكتاتورية العصرية بنفس الأساليب التاريخية من قمع وظلم. تحول الحزب والقائد إلى كاهن مقدس يضمن بوجوده قومية ملايين الناس ومصالحها برضاها أو غصبا عنها. وبالنتيجة تحول الأب الشرعي للإسلاموية السياسية جماعة الاخوان المسلمين لسراديب العمل السري بحرب دموية متصلة مع الحاكم القومجي في مصر وسورية بالذات. كان الدخول السريع للسياسي القومجي العربي لقصور الحكم الديكتاتوري بكل وهجه وارتباطاته الدولية، وكان الدخول السريع للسياسي الإسلاموي في أنفاق العمل السري مع تضخم الذات الذي يصيب أي مظلوم عادة فيشعر بأهميته وقوته من خلال شراسة محاربة الظالم له، هذان النفقان اللذان وجد كلا الفصيلين نفسيهما بهما أعاقهما عن فرصة التطور الطبيعي خصوصا أنهما مجرد سمكتين ضمن النهر الجارف للصراع الدولي في القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة. فعاشا ضمن عوالم خيالية تستند للماضي المجيد وبنفس الوقت لا تستطيع إدراك الفرق بين ذاك الماضي الغائر وبين الحاضر الطائر على صورايخ عابرة للقارات. كلا الفريقين اضطرا لارتداء دروع المقدس القومي والديني وتفصيله على مقاس قاداتهم ومنظريهم شيوخا كانوا أم فلاسفة.
وصلت شعوب هذه المنطقة للألفية الثالثة وهي ترى بعينها أن الديمقراطية ليست مستحيلا، والحرية ممكنة، والعدل الإجتماعي بحده الأدنى واقع حقيقي، وعصمة القائد المناضل أو عصمة المرشد والأمير والولي الفقيه مجرد أساطير من تراث ملأه الغبار. فانهار الحاكم القومجي أمام أحلام الشعوب، وهنا وجد المظلوم والمطارد الإسلاموي فرصته دون إعداد مسبق ليقدم نفسه "مهديا مخلصا". لكن بطء الزمن في ستينات وسبعينات القرن الماضي الذي سمح للقومجي أن يؤسس عسكريته وأمنه المخابراتي لم يمنح نفس الفرصة للاسلاموية السياسية، وبنفس الوقت خدعها ممولها النفطي والغربي باسطورة "إن شعوب هذه المنطقة ما زالت قابلة للانقياد إذا كان صوت صاحب السلطة عاليا مليئا بالتكبيرات والبسملات والصلاة والسلام على رسول العالمين". لقد تعلمت هذه الشعوب من الخمسين السنة الماضية أن أسهل صنعة هي التغني ب"بلاد العرب أوطاني" ولن يخدعها التغني ب"الإسلام هو الحل". الإخوان المسلمون أتوا بشعار مشابه لشعار القومجيين العرب لكن دون قدرة على تحديد ما هي "المشكلة" وما هو "الحل" والأهم ما هو "الإسلام" أو ما هي "العروبة".
عندما تنعدم الرؤية للمشكلة بحقيقتها ستنعدم بالتالي القدرة على اجتراح الحل الصحيح. لكن الكارثية الأكبر تكمن في توريط المقدس الديني المقيم بقلوب الناس منذ آلاف السنين في مشكلة مزيفة واستخدام هذا المقدس في حل يمثل دعما جوهريا للمشكلة القائمة المغيَّبة خلف أوهام الديكتاتور الظالم والديكتاتور المظلوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد إقراره بالذنب.. القضاء الأمريكي يطلق سراح جوليان أسانج و


.. طفلان فلسطينيان يخرجان من بين نيران مدرسة قصفت من قبل الاحتل




.. غانتس: حماس فكرة لا يمكن تدميرها ولكن بإمكاننا القضاء على قد


.. أول مناظرة في فرنسا بين الكتل الانتخابية الرئيسية في خضم حمل




.. وساطة إماراتية تنجح بتبادل 180 أسيرا بين موسكو وكييف