الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواطن ام الوطن ايهما يتقدم على الآخر

محسن حبيب فجر
(Mohsen H. Fagr)

2013 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


لم يمر العراق الحديث بمرحلة اشد حرجا من المرحلة الراهنة. وبغض النظر عن الدوافع او الأصابع التي تحرك الاحداث فإن تدافعها باتجاه التصعيد من الممكن ان لا يقف عند المطالبة بالأقاليم الفيدرالية، بل يتجاوزها الى احتمالية اسدال الستار على خارطته الحالية ثم رفعه مجددا لتبرز خرائط متعددة تذهب بالعراق الحالي الى سجلات التاريخ. ومن المعروف ان كل واحدة من الدول المتدخلة في الشأن العراقي لها رأيها في هذه المسألة، والذي تحاول ان توجه الاحداث باتجاه تجسيده في الواقع سواء اتفق مع رأي دولة متدخلة أخرى ام لا. لكن، وبالرغم من حجم هذا التدخل ومدى جدية تلك الدولة في سعيها عمليا لتحقيقه تخطيطا وإنفاقا، فان العامل الداخلي يبقى هو الحاسم والفيصل الذي سيقرر النتيجة النهائية.
لكن ما يبعث على القلق هو اختزال هذا العامل الداخلي بالوجودات السياسية العراقية! في حين ان المجتمع هو المعني الحقيقي بهذه المسألة المصيرية لان النتائج، سلبا كانت ام إيجابا، ستنعكس على حياته مباشرة أولا، وثانيا اننا كمجتمع لا نمتلك أحزابا سياسية استطاعت ان تمد جسورا حقيقية ما بينها وبيننا، بل الادهى من ذلك ان الأحزاب القائمة سارعت الى هدم الجسور التي مدها المجتمع من جانبه باتجاهها منذ 2003 من خلال تضييعها لحقوقه ومصادرة المستفيدين فيها لموازناته المالية الطائلة عبر منظومة الفساد المالي والإداري والتي كان من المفترض ان تترجم الى خدمات ترتقي بمختلف جوانب حياته.
ان مسألة مصيرية كهذه من الخطأ، بل ومن الخطر، ان تترك في ايدي السياسيين الفاسدين لاتخاذ القرار بشأنها لأنهم، وكعادتهم، سيتعاملون معها على انها مشروع إثراء آخر مما يجعل قرارهم محسوما ومتمثلا بوقوفهم الى جانب النتيجة التي تدخل أموالا أكثر الى جيوبهم. ومن هذا المنطلق ينبغي على المجتمع، وخصوصا طبقاته الواعية، ان يبادر الى اخذ زمام مسألة المستقبل السياسي بيده في أسرع وقت. كما عليه ان يحسم قراره الذي أتمنى من اعماقي ان يستند الى مصالحه وحقه في العيش الكريم. ستثار بالتأكيد الكثير من الأسئلة اثناء عملية التفكير في رسم المستقبل والتي سيكون القرار النهائي بمثابة الإجابة الإيجابية عنها جميعا، ولكن ما اعتقده هو ان اهم وأكبر الأسئلة التي ينبغي اثارتها هو السؤال الآتي: "من الذي يجب تقديمه وتفضيله وتغليب مصلحته، المواطن ام الوطن؟".
لابد لنا، من أجل الإجابة على هذا السؤال، من الاستناد الى تعريف واضح لمعنى الوطن سعيا لتوحيد زاوية النظر لمنع اعتراض من قد يعترض لا لشيء الا لاختلاف زاوية نظره للموضوع. الوطن لغة "كما جاء في مختار الصحاح" هو: (محل الانسان، واوطان الغنم مرابضها)، ومعنى ذلك ان اللغة تقصر لفظ الوطن على المكان (وتبعها الفقه الاسلامي في ذلك). واما الوطن اصطلاحا فقد مر بعدة تحولات تبعا للفترة الزمنية وطبيعة التفكير البشري وقناعاته المتكيفة مع الزمان والمكان، وكثيرا ما تحكمت إرادة الذين على راس الحكم في صياغة تعريف الوطن بما ينسجم مع تلبية انانياتهم ونزواتهم وشهوة التسلط والهيمنة على مجتمعاتهم وإلغاء او اسكات الرافضين لهم او انسجاما مع مطامعهم في التوسع وما يتطلبه من تجييش الجيوش. اذ كثيرا ما يستند الطغاة الى وضع مفهوم للوطن يبرر افعالهم ويخفي غاياتهم الحقيقية من خلال الترويج لما يتفرع عن هذا المفهوم من تحديد لمصلحة الوطن. ان السمة الغالبة لهذه التعاريف هي اعتمادها على المعنى اللغوي للكلمة والذي يقتصر على التراب كمنطلق لتجييره وربطه بالحاكم عبر منظومة من وسائل الدعاية والاعلام والأموال لشراء الضمائر وكذلك المشانق والسجون لمن يحاول التفكيك بين الوطن والحاكم. ومن الأمثلة على ذلك: اتخاذ بعض الدول لشعارات تعمل على تخمير مفهوم يربط بين الوطن والحاكم: "الله، الوطن، الملك" و "إذا قال صدام قال العراق".
ومن المهم ان نلاحظ هنا ان الأنظمة الفردية الاستبدادية لم تكن وحدها التي استخدمت مثل هكذا تعاريف للوطن وانما استخدمتها الأنظمة المنبثقة من الأيديولوجيات الشمولية أيضا بعد استبدال كلمة الحاكم الفرد بالحزب الحاكم والذي يختفي في مرحلة لاحقة ليحل محله الحاكم الفرد مجددا ولكنه هذه المرة يكون عنوانه الامين العام للحزب كما في تجربة الحزب النازي في المانيا والحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي السابق وحزب البعث الذي حكم العراق.
كما تطالعنا تعاريف رومانسية حالمة او حماسية يكثر ظهورها في ازمنة وأماكن تشهد ظروفا من الاستقرار والدعة ورضا المجتمع عموما عما متوفر لديه من طريقة في العيش او بسبب الحنين والم الفراق او لاثارة الحماس في النفوس عند الازمات من قبيل: " الوطن ليس مكاناً نعيش فيه، وإنما وطناً يعيش فينا" او "هو الأرض التي لا نرضى لغيرها ان تضم رفاتنا" او "الوطن هو الروح". والملاحظ على هذا النوع من التعاريف تجاوزه للمعنى اللغوي وعدم قصر الوطن على محل السكن، وانما توسع المفهوم ليشمل ساكنيه وما سطروه عبر السنين من امجاد في كل المجالات.
ان الجمع ما بين الأرض والمجتمع يمثل أرضية قوية في طريق المحاولة لوضع تعريف للوطن يلائم ظروفنا الحالية ويأخذ بنظر الاعتبار ما وصل اليه الانسان من مستوى في الوعي والثقافة والتطلعات. كما ان الايمان بمحورية الانسان واهميته في الحياة تدفع باتجاه حضور المجتمع بدرجة كبيرة جدا الى درجة يتصاغر معها حضور الأرض واختصارها على مجرد كونها حاجة المجتمع للسكن لا أكثر.
وعلى هذا الأساس فليس الوطن برأيي الا: "المجتمع الذي يشغل ارضا محددة ويرتبط افراده بعضهم ببعض بعلاقات واواصر وانظمة تكفل رضاهم من خلال توفير أسباب العيش الهانئ الكريم لهم جميعا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل عرضت على السلطة تسلم معبر رفح والسلطة رفضت| #غرفة_ال


.. السلطة الفلسطينية ترفض الطروحات الإسرائيلية بشأن معبر رفح




.. على وقع التقدم الروسي.. كييف تستبدل القائد العسكري المسؤول ع


.. كييف تقر بتقدم القوات الروسية في خاركيف




.. مسن فلسطيني يسجد لله بعد الإفراج عنه والاطمئان على عائلته