الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الشكل التنظيمي لأحزاب اليسار

عيسى ربضي

2013 / 7 / 8
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


ان ما يحدث اليوم من حراك اجتماعي سياسي في العديد من بلدان العالم وعلى وجه الخصوص ما يجري في مصر من حراك تدعو له وتنظمه بصورة اساسية مجموعات شبابية تعرف بأسم " حركة تمرد" وهي بالغالب مكونة من شباب تأثروا بالأحزاب السياسية الموجودة بالساحة السياسية والنضالية لكن يبدو ان هذه الأحزاب لسبب ما لم تعد قادرة على ان تمثل هذه المجموعات الشبابية.
كنت قد تناولت موضوع محاولات استبدال الاحزاب السياسية الثورية بمحموعة من النشطاء وما زلت ارى ذلك من الخطر بمكان على الحركة الثورية لا يمكن تجاهله لذلك ارتأيت تناول موضوع بنية الحزب الثوري وكما دوما اركز على الحزب الثوري اليساري ارى في هذا الحزب المنظمة الوحيدة القادرة على قيادة الطلائع الثورية نحو تحقيق انتصار طبقي حقيقي. ل كن الحراك الشبابي غير المنظم كما الناشطين الفردانيين سيكون عرضة للتلاعب به وحرفه عن مساره
أهمية الحزب الثوري في قيادة الفعل الثوري.

" لأجل ان يستطيع جمهور طبقة معينة ان يتعلم ادراك مصالحه ووضعه...لا بد من تنظيم العناصر التقدمية للطبقة على الفور ومهما كلف الأمر، حتى لو كانت هذه العناصر بالبداية نسبة ضئيلة من الطبقة" لينين

لا اريد الخوض مفصلاً في أهمية الحزب الثوري لكني اريد التأكيد على اهمية هذا الحزب وعلى بعض المفاصل الرئيسية التي تدعم هذا الموقف. لعل ما يشير الى اهمية الحزب ليكون طليعة ثورية للطبقة العاملة في نضالها التحرري ان مؤسسا الشيوعية العلمية تناولا هذا الموضوع مبكراً فقد اكد ماركس وانجلز على اهمية تأسيس حزب طليعي للطبقة العاملة ليلعب الدور التنظيمي والتعبوي في قيادة نضالها وتوجيهه نحو التحرر من نير الرأسمالية بصفتها الطبقة المضطهدة والمستغلة للطبقة العاملة وبقية فئات الجماهير. لقد اولى مؤسسا النظرية الماركسية اهمية قسوى لوجود الحزب الطليعي الطبقة العاملة نحو تحقيق النصر في اللحظة المناسبة لا يكون هذا الحزب - الممثل للطبقة العاملة - مرهونا بالأحزاب الطبقية الاخرى التي تمثل الطبقات الأقل ثورية وبالتالي فأنه سيكون ضعيفاً وغير قادر على الانتصار لطبقته كما اوضح انجلز. حتى في بيان الحزب الشيوعي اعتبر ماركس وانجلز حزب البروليتاريا واعضاء الحزب " القسم التقدمي الأكثر ثورية وصلابة سياسية واستعداداً نظرياً ... كما ان الحزب هو الشكل الأعلى لتنظيم الطبقة العاملة " كما اشارا بوضوح الى ان مهام هذا الحزب يجب ان تكون الوصول للسلطة السياسية بهدف اقامة المجتمع الشيوعي. ا لا يكفي ان يكون الحزب اصلاحياً بل سيكون من الضار للطبقة العاملة ونضالها ان يكون هدف الحزب اليساري الثوري مجرد اصلاحات اجتماعية او تغيير محدود في شروط الانتاج او غيرها من النضالات المطلبية على اهمية ان ينخرط الحزب بهذه النضالات الا انه من الخطر ان تصبح هذه النضالات بديلاً عن قيادة الصراع الطبقي وصولاً للسلطة السياسية وتحقيق المجتمع العادل: الشيوعية. ارسى ماركس وانجلز مبكراً اسس بناء الحزب على الأسس الديمقراطية والتغيير في بنى الحزب وضرورة تصليب الأعضاء وتثقيفهم وتشجيعهم على ممارسة النقد والنقد الذاتي والمحاسبية ....الخ. و لعل ( عصبة الشيوعيين) التي اسسها ماركس وانجلز تشكل نموذج اولي للحزب السياسي المستقل للطبقة العاملة.
لينين بدوره استمر على هذا النهج وكان من اكثر الذين تناولوا موضوع التنظيم الحزبي ووضع له اسس ومعايير شكلت فيما بعد حجر الأساس لتشكيل الكثير من الأحزاب الثورية - وان كان نهج لينين عرضة للنقد لاحقاً في التنظيم الحزبي يبقى من الاسس التي ما زالت تعتبر اساسية في بناء الحزب اليساري الثوري بعد نفض جمودية النص عنه فليس المطلوب اتباع افكار لينين بنصها بل بروحها ليتماشى شكل الحزب الجديد مع التطورات التي شهدها القرن الأخير. فقد اعتبر لينين ان الحزب اليساري هو طليعة الجماهير وهذا ما اشار له مؤسسا الشيوعية العلمية وتبعهما العديد من المنظرين الماركسيين. لينين كان موقنا ان الانتصار للشيوعية لن يتم الا تحت لواء الحزب الشيوعي الثوري الذي " يرفض كل اشكال الظلم وانواع الاضطهاد ولا يهادن المساومين والاستسلاميين، وهو متحرر من الانتهازية والجمود العقائدي" لينين. و هو يرى مهمة هذا الحزب بالاساس تنظيم صراع وقيادة الطبقة العاملة نحو النصر في صراعها الطبقي وبناء الدولة الاشتراكية.
تناول العديد من المنظرين الماركسيين مفاهيم الحزب الثوري بداية من روزا لوكسمبرغ كمنظرة ومفكرة شيوعية تناقضت مع مركزية لينين في الحزب وركّزت على اهمية تعزيز الديمقراطية في الحزب وهذا الفعل بحد ذاته ممارسة تنظيمية حزبية نادى بها المنظريين الكلاسيكيين. لكن ما يسجل لروزا لوكسمبرغ مبكرا انها عارضت كبت الحريات في الحزب ومنع الاعتراض عليه فرأت بذلك بحق خطر يهدد الحركة نحو بناء المجتمع الاشتراكي مع انها لم تقبل المساومة مع الاصلاحيين وركزت على اهمية الحزب كطليعة سياسية للطبقة العاملة مع تركيز اضافي على دور النساء في قيادة وتشكيل هذا الحزب الثوري. اما غرامشي فقد تناول الدور الريادي لأعضاء الحزب الثوري وخصوصا من اسماهم المثقفين العضويين وهذا يكتسب اهمية اساسية هنا من منطلق كون العنصر الأساسي البارز للحراك الشبابي اليوم هم من المثقفين واشباه المثقفين ومن الطلبة. ولا يخلو الرف من كتب لمنظرين ماركسيين تناولوا حياة الحزب باسهاب من مؤلفات الرفيق خالد الى ما كتب عن الحزب الشيوعي السوداني واللبناني كنماذج متقدمة في تجربتها الحزبية والتنظيمية الى ما كتب مؤخرا حول بعض الأحزاب اليسارية الفلسطينية لكني سأكتفي بهذا التذكير بأهمية الحزب السياسي الطليعي ليشكل مدخل للموقف الذي اريد عرضه.
الثوري اليوم في الشارع بلا شك يمثل ارادة جماهيرية بعيداً عن نظريات المؤامرة - فلو كان اي طرف قادر اليوم على ان يلزم ربع سكان مصر مثلاً ان ينتفضوا او يلتزموا بموقف موحد فهذا الطرف بلا شك يستحق قيادة هذه الجماهير والتعبير عنها والتحدث بلسانها - لكن هذا الحراك شبه المنظم يعبر عن رغبة جماهيرية بالتغيير تمكنت " تمرد" من قيادته او على الاقل التعبير عنه بشكل تجاوز الأحزاب الضيقة ببنيتها ورؤيتها وطروحاتها فشكلت "تمرد" مظلة عامة تجمع تحتها الحزبيين وغير الحزبيين من الجماهير التي تتقاطع مصالحها اي بمعنى اخر انها اشبه بأن تكون جبهة عريضة تضم اطياف المجتمع قاطبة فمنها العامل والفلاح ومنها ايضاً اصحاب المصالح والبرجوازية الصغيرة والوسطى وبعض قطاعات البرجوازية الكبيرة التي تضررت مصالحها بسبب حكم الأخوان المسلمين كما يوجد فيها ايضا حراك ديني يتناقض مع حركة الأخوان المسلمين تناقضاً دينياً بحتاً.
فهل يمكن لهذه الجبهة العريضة ان تقود الثورة؟
تكون هذه الجبهة العريضة قادرة على قيادة الحراك الثوري بالشارع لفترة معينة ولمرحلة معينة لكن مع تقدم الثورة خطوة الى الامام سيظهر التناقضات التي تنضوي تحت لواء هذه الجبهة حيث ستبداء مصالح فئات وطبقات واحزاب بالتحقق وبالتالي يصبح الاستمرار بالثورة لتحقيق مصالح الطبقات الأكثر تهميشاً وفقرا وخصوصا الطبقة العاملة والفلاحين تصبح خطراً وتتعارض مع مصالح هذه الطبقات والفئات، لذا ترى الشعارات التي ترفعها هذه المجموعات الشبابية عامة : حرية وخبز وعدالة اجتماعية...يستطيع كل طرف تفسيرها كما يشاء بينما المطلوب شعارات ثورية حقيقية تغيير بنية المجتمع وانماط انتاجه وارتباطاته السياسية وتبني موقفا من القضايا الاجتماعية كتحرر المرأة ومجانية الصحة والتعليم وجودتهم....الخ. ا كلها قضايا خلافية لا يمكن لجبهة عريضة لا اساس ايديولوجي ثوري لها ان تقود الشارع نحو تحقيقها. ه ذه الجبهة العريضة قادرة على ان تقود الحراك الثوري في الشارع بلا شك لكنها ليست قادرة على قيادة الثور الاشتراكية. ليست قادرة على لعب دور الحزب الطليعي الذي يمكنه ان يبني الدولة الديمقراطية الشعبية على طريق بناء المجتمع الشيوعي. لذا ما زالت الثورة بحاجة لقيادة حزب الطليعة لها.
لكن سيكون من المهم ان نراجع رؤيتنا لطبيعة وبنية الحزب الثوري الذي سيكون مسؤولاً عن قيادة الثورة بهذه المرحلة اخذين بعين الاعتبار المتغيرات التي تحدث في المحيط واخذين بعين الاعتبار الأزمة التي مر ويمر بها الحزب الثوري منذ مئة عام واكثر واخذين بعين الاعتبار نتائج تقييم عمل هذه الأحزاب ودراسة ادبياتها - وهذا كله اوسع من مقالتنا هذه لكن من المهم ان نباشر كأحزاب وأفراد بدراسات معمقة من ناحية وخطوات عملية جريئة من ناحية ثانية.
ان العديد من الحزبيين و الحزبيين السابقين قد فقدوا ثقتهم بأحزابهم لأسباب مختلفة لذا من المهم ان يعود الحزب لكسب ثقة اعضائه بالتركيز على عوامل اساسية
* تبني ايديولوجية الطبقة العاملة بدون مورابة وبلا تزوييق ( احزاب عدة اما غيرت اسمها كحزب العمال الشيوعي الذي اسقط كلمة شيوعي من اسمه والحزب الشيوعي الفلسطيني الذي بات حزب الشعب تماشياً مع المد الديني في المجتمع واحزاب اخرى جعلت تبنيها للماركسية غامضاً كطرح الجبهة الشعبية انها تسترشد بالماركسية ولا تتبناها ولو على لسان بعض قادتها وكرفض التيار الديمقراطي التقدمي الذي حاول ان يولد قبل عدة اعوام لكنه ولد ميتاً بسبب عجز مؤسسيه عن ان يتبنوا بوضوح النظرية العلمية كأساس ايديولوجي وتنظيمي يحكم تيارهم) على الحزب ان يجهر بانتمائه الطبقي ويعبر عن مصالح الطبقة التي يمثلها بلا مواربة. ان الفعل الثوري بحاجة لوضوح والجماهير لن تقبل الحزب اليساري اذا اسقط اسمه او غير جلده بل ستقبله اذا كان في طليعتها النضالية وفي صفوفها الأمامية بل وستقبله وتحترمه اذا التزم بمبادئه ولم يكن جسماً انتهازياً اصلاحيا ضيق الأفق.
* تبني الديمقراطية الحزبية وانتخاب قيادات الحزب على اساس الانتماء والفعل النضالي وتبني التجديد في المراتب القيادية المختلفة حتى لا يكون الحزب عزبة لبعض القيادات وعائلاتهم.
* تعزيز وتدعيم مشاركة الطبقة العاملة بحزبها وتعزيز الفعل التعبوي بين صفوف هذه الطبقة بالرغم من صعوبة هذا الدور الا انه حتمي فلا يمكن لحزب الطبقة العاملة ان يكون بالأساس من البرجوازية الصغيرة واشباه المثقفين.
* ممارسة الفعل النضالي بين الجماهير وفي مقدمتها بعيداً عن رفاهية قبب البرلمان ومكاتب الأنجزة وعدم تحويل مقرات الأحزاب الى نادي ترفيهي فالحزب مكانه الشارع والمكتب قد يكون فقط لتنفيذ الأعمال التي تدعم نضالات الاعضاء في الشارع.
* تشجيع وممارسة التحليل الفكري وتشجيع الأعضاء الذين يميلون للتحليل الفكري بدل من تحجيمهم ومحاربتهم.
* تشكيل الخلايا الفكرية كما تشكيل الخلايا النضالية فلا انفصام بين الوعي النظري والفعالية النضالية.
* اعادة تبني هيكلية تراتبية حزبية تتناسب مع التطورات التي تحدث في الواقع مع ضرورة ترافق ذلك مع اعادة تحليل للبنى الطبقية والموقف من علاقات الانتاج واعادة اختبار القوانين والمقولات الماركسية وتطبيقها على الوضع الحالي وتعديلها ذا لزم الأمر.
* اعطاء فرص اكبر للشباب والنساء في قيادة الفعل الحزبي وهذا يتطلب بالضرورة التركيز على النضال الاجتماعي وتصليب المعرفة النظرية للكادر الشبابي وتعميق الأخلاقيات الشيوعية لديهم من الايثارية والتضحية والتعاون وغيرها من اخلاقيات الشيوعيين.
* ان يتم تشكيل قيادة ظل للحزب بحيث تكون غير علنية - حتى في اوقات العمل العلني - حتى لا يتم القضاء على الحزب بحال علنية كل اعضائه وقياداتهم
* ان لا يتم اهمال نظام التعليم والبناء الفكري الذي يستهدف الأطفال في المدارس والجوامع والكنائس وان يكون الأعضاء الحزبيين عامل تغيير في هذه البنية وضمان تلقي الأطفال تعليماً ديمقراطيا يشجع على التحليل العلمي والتفكير المنطقي بدل التبعية الجامدة. ان هذا الموضوع يشكل حجر اساس في تنظيم انماط التفكير لدى الجماهير ويشكل حجر اساس في البناء الفوقي في المجتمع لذا على الحزب ان يولي هذا المكّون اهمية استثنائية.
هذه بعض الأفكار التي يمكن ان نبداء بنقاشها لكن هناك العديد من التفاصيل التي تحتاج اهتمام الاحزاب الثورية اليسارية لتتمكن من قيادة الطليعة السياسية سواء الأحزاب الحالية او التي يمكن تشكيلها لتكون طليعة الجماهير وطليعة الطبقة العاملة بالأساس وما يهمنا الاشارة له بوضوح الى ان الحزب اليساري الثوري لا بد ان يتبنى بنية تنظيمية اكثر قدرة على تجنيد الشباب والنساء وعلى وجه الخصوص العمال منهم وان يفسح المجال امام نمو الحزب وتصاعد فعاليته بين الجماهير. ولا يمكن القبول بأي حال بأن يكون بعض الناشطين هم من يقود الثورة كما لا يمكن الاعتماد على التحالفات العريضة في تحقيق اهداف الثورة الاشتراكية وان كانت مهمة في مرحلة التحرر الوطني وفي المراحل الأولى للثورة الوطنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة