الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفحات من تأريخ الموسيقى 12

فلاح صبار

2005 / 5 / 5
الادب والفن


" روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا أكرهت عميت
إن القلوب تمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة."
الإمام علي بن أبي طالب
(12)

ومضات تاريخية عن العلاقة بين الدين والغناء 2 :

لقد كان لموسيقى الكنيسة كما المولد النبوي وتجويد القرآن والإبتهالات وحلقات الذكردورا هاما في تعليم الموسيقيين العرب. و كان الغناء الديني في الإسلام لا يتبع قالبا فنيا معينا قبل ان يعنى بعض العاملين وخاصة المتصوفة منهم بتهذيبه. وهناك نوع من الغناء الديني يعتمد بصورة عامة على أداء فرقة المنشدين , وعلى مجموعة من ضاربي الدفوف, وعلى بعض من الأشخاص الذين برعوا في أداء حركات إيقاعية معينة سميت " بالزار " وهي تشبه الى حد ما بعض أنواع الرقص الشعبي وخاصة عند بعض أصحاب الطرق الصوفية والتي تسربت من خلالهم الى بعض الفرق المحترفة. ثم هناك من ينفرد بالغناء بقصائد للشريف الرضي وابن الفارض وغيرهم . ويلجأ الصوفيون الى الغناء لإثارة المزيد من العواطف والمشاعر كي يتم الإندماج الكامل بالذات الآلهية ولكسب المزيد من المؤيدين لأفكارهم .لقد دخلت الموسيقى الى الطرق الصوفية على يدي الحلاج. ولأبي الحسن الشاذلي الفضل الكبير عندما أدخل الألحان الموسيقية وجعلها ترافق حلقات الذكر , ثم أبو مدين الغوث الذي إستغل الألحان على نطاق واسع وصار يؤدي الموشحات الصوفية على إيقاعات ومقامات معينة. ولم يقف الأمر عند الطريقة الشاذلية فأخذتها النقشبندية والرفاعية والمولوية الجباوية. أما في المغرب العربي فكان ابو الحسن الششتري وهو أحد تلاميذ الصوفية الشاذلية يتنقل بين مدن وحواضر المغرب العربي وهو ينشد في حلقات الذكر أزجالا من نظمه بمصاحبة إحدى الآلات الموسيقية .
وفي تركيا كان الإنشاد الديني مزدهرا وخصوصا في الطريقة المولوية , حيث أرفدت الموسيقى التركية بأعظم الملحنين والموسيقيين. لقد كانت الطرق الصوفية سببا رئيسيا في ظهور الموسيقى الدينية الصوفية في تاريخ تركيا القديم والمعاصروكانت المولوية الصوفية التي أسسها جلال الدين الرومي1203-1273 م هي الأكثر بروزا في هذا المضمار .وكانت هناك تسميات محددة تطلق على أنصار هذه الطريقة كالدرويش, وهو الشخص الفقير المحتاج الذي يبلغ أعلى الدرجات او الصفات, التي تطلق بمبالغة على المنتسب القديم للطريقة المولوية, واستبدلت اليوم بكلمة المريد العربية , كما يسمى المنشد او الدرويش الذي يغني الأغاني الدينية مولدخان. وهناك غناء موسيقي ديني يشبه الى حد كبير حلقات الذكر يسمى ( السماع ) لدى الطائفة العلوية . وهو يختلف عن السماع المولوي حيث تشارك النساء الرجال وهن يرتدين الملابس المزركشة, في حين ان السماع المولوي يؤدوه الرجال فقط بملابس بيضاء وطربوش طويل .مقال للسيد سعد عبد المجيد – المولوية في تركيا-
مع ظهور الإسلام في مكة ، ثم هجرة الرسول إلى المدينة المنورة، بدأت ملامح الدولة الإسلامية تظهر ، واستقرت أحوال المسلمين ، وكان لابد للمسلمين أن يفكروا في صيغة لدعوة المصلين لأداء الصلوات في أوقاتها ، فطرحت افكار عديدة منها فكرة ايقاد النار ,فرفضت لتشابهها مع نار الفرس, ففكرة نفخ الأبواق ورفضت أيضا لتشابهها مع طقوس اليهود الى ان حدثت رؤيا عبد الله بن زيد حيث سمع مناديا يدعوا للصلاة , فصدقه الرسول وأمره بالأذان حتى وقع الإختيار على صاحب الصوت الندي بلال الحبشي. و كان اسلوب الترتيل هو الإسلوب السائد في ذلك الوقت ,والترتيل يأخذ نغمة واحدة وطبقة صوتية واحدة وان التلون به صعب لما يمتاز به من إيقاع سريع وكان صوت عبدالله ابن مسعود من اكثر الاصوات ترديداً للقرآن الكريم ثم أصبح تجويدا بعد ذلك بقوالب موسيقية وطرق متعددة.
ولقد أصبح الإنشاد الديني في العصر الأموي والعباسي فنا له قواعده واصوله وإيقاعاته, ولقد تميز في هذا اللون من الغناء الديني وتلحين القصائد.. ابراهيم بن المهدي وعليّة اخته وعبد الله بن موسى الهادي وأبو عيسى بن المتوكل واخرين.
وقد جاء في اشعار اولاد الخلفاء واخبارهم للصولي :
لما عزم المعتمد على الخروج إلى الشام .. والموفق إذ ذاك يحارب بالبصرة، والدنيا مضطربة، أشار عليه أبو عيسى أخوه ألا يفعل، وحرص به، فأبى عليه، فقال أبو عيسى وعمل لحناً فيه:

أَقُولُ لَهُ عِنْدَ تَوْداعِهِ وَكُلٌّ لِعَبْرَتِهِ مُبْلسُ
لَئِنْ قَعَدَتْ عَنْكَ أَجْسادُنا لَقَدْ رَحَلَتْ مَعَكَ ا ْلأَنْفُسُ
ثم تطورت الأغنية الدينية والإنشاد منذ الربع الأول من القرن الماضي , وانتقل الإنشاد من الإرتجال والتطريب والتخدير الى التعبير والتأثير . واستحدث نوع من الأناشيد الدينية وهو " الدعاء الديني " الذي يغنى بالعربية الفصحى والمحكية المحلية .
وظهر لون آخر وهو الغناء أو الأداء الشعبي الديني الذي يعتمد على شكل قريب من رواية الملحمة , حيث يحكي المنشد قصص الأبطال التاريخيين وسيرة الرسول الكريم. وجدير بالذكر ان الشيعة في أماكن تواجدهم من التبت الى بورما فالمغرب العربي ثم إيران والبحرين والعراق وغيرها من البلدان ,لهم تراث عظيم وكبير في هذا الإنشاد المتميز , وخاصة في أيام عاشوراء عند رواية واقعة الطف في كربلاء, حتى إنهم برعوا في تضمين النصوص الحسينية مواقف سياسية لا تخلوا من الدعوة المستورة والعلنية عن رفع الظلم والاضطهاد عن كاهل الشعب ولدينا الكثير من النماذج التى تو ضح هذه الفكرة.
فيما يلي جزء من نص طويل للمرحوم الشاعر شهيد أبو شبع وهو شاعر من النجف كتب الكثير من القصائد المتنوعة الأهداف ,وكتب في واقعة كربلاء أيضا . وقد كان احد قادة نقابة عمال النسيج في المدينة إبان ثورة 14 تموزفي العراق,و نتلمس من خلال النص تضمين الإنشاد الديني لمواقف وافكارا سياسية محددة الهدف و قد قرأته عام 1968 في النجف :

كل شباب ابطبعة ثوري أو ضوه المستقبل يرشده
يجتهد يبذل الغالي وللهدف لازم يقصده
...................
ولو شاب بالفكر إعتقد .. وبّيت ثوار إنولد
وربّته الثوره بالمهد .. بعد يا قوّه تردّه
وقد أفرز هذا اللون من الإنشاد الديني أصواتا ندية عذبة وادباء كان لهم حضورهم المتميز فنيا واجتماعيا في العراق ومنهم .. الشيخ فاضل الرادود ..السيد كاظم القابجي .. الرادود وطن ..الشيخ حميد المحتصر .. الشيخ حمزه الزغّير والسيد حسون شيحان رحمهم الله و والشيخ عبد الرضا الرادود وكاتب هذه السطور , ومن الشعراء السادة عبد الحسين وشهيد ابو شبع وعبد الأمير المرشد وهادي القصاب والشهيد عباس عجينة الذي تربطني به رابطة عميقة وخاصة حيث كان في مرحلة ما, ينظم لي الشعر لأنشده ( أعدمه النظام الدكتاتوري العراقي بعد إنتفاضة خان النص – النجف- اواخر السبعينات ) وكاظم منذور الكربلائي واخرين. ولازال هذا النوع من الإنشاد يرفد الموسيقى والغناء بأصوات نديّة وملحنين تأثروا بهذا اللون .
ويمكننا ملاحظة التطورفي الأغنية الدينية في المغرب العربي المتميز حيث الغناء الصوفي كان له الحضور الواضح وكذلك بلاد الشام . وفي مصر على سبيل المثال ,ومن خلال الفنانة الكبيرة ام كلثوم حيث انتقلت من الغناء مع فرقة المنشدين التي كانت تعتمد عليها في الأرياف والمدن , واستبدلته بالتخت الشرقي حين انتقالها الى القاهرة عام 1926 م . واستفاد الملحنون من هذه المبادرة الشجاعة لأم كلثوم في استخدامها للتخت الشرقي في الغناء الديني . فكانت أغنية نورت يارمضان هي الأولى كأغنية شعبية دينية تسجل على اسطوانات مع التخت الشرقي ..وهي بصوت الفنان محمد صادق. ثم جاء السنباطي الكبير حيث فتح الأبواب للأغنية الدينية عندما لحن اغنية امتى تعود يانبي للفنان احمد عبد الستار.. وهناك مجموعة من الاغاني العديدة ومنها ( عليك صلاة الله وسلامه لأسمهان وهي من الحان اخيها فريد الأطرش..القلب يعشق كل جميل لزكريا احمد..اغاني فلم سلامة .. نهج البردة وسلوا قلبي وثلاثية طلع البدر علينا للسنباطي وأغاني فلم رابعة العدوية.. وغيرها الكثير ).


استراحة:
وصف يوسف بن أحمد جارية كاتبة فقال:
كأن خطها أشكال صورتها، وكأن مدادها سواد شعرها، وكأن قلمها بعض أناملها، وكأن
بيانها سحر مقلها، وكأن سكينها سيف لحظها، وكأن مقطها قلب عاشقها.


*****
ومما يستطرب للصنوبري، قوله في غلام كاتب جميل، وقد أجاد فيه:
أُنظرْ إلى أثرِ المدادِ بخدّه كبنفسَجِ الروض المشوب بوردِهِ
ما أخطأتْ نوناتُه من صدغِه شيئاً ولا ألفاتُه من قَدِّهِ
*****

و قول كشاجم في غلام يكتب ويمحو ما يغلط فيه بلسانه:
ورأيتُه في الطرسِ يكتبُ مرةً غلطاً يواصلُ محوهُ برضا بِهِ
فوددتُ أَنّي في يديه صحيفةٌ ووددتُه لا يَهتدي لصوابهِ

من غاب عنه المطرب
الثعالبي
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش


.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان




.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص