الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسطورة الشهيد في عقول الانتحاريين

بهروز الجاف
أكاديمي وكاتب

(Bahrouz Al-jaff)

2013 / 7 / 8
الارهاب, الحرب والسلام


هذه المقالة لآدم لانكفورد، الاستاذ في علم الجريمة في جامعة الباما في توسكالوسا، نشرها في مجلة العالم الجديد (نيوساينتست)، التي اواظب على قراءتها، العدد 2942 في هذا اليوم (8 تموز 2013). واني اذ اترجمها واقدمها للقراء، لست مسؤلا عن المصطلحات الواردة فيها، وليس لي فيها رأي، ولكن اهمية الموضوع ، من الناحية العلمية البحت، اذا ماقيست عليه العمليات الانتحارية في مختلف مناطق العالم، تستدعي ادراك مافيها. بهروز الجاف

اسطورة الشهيد في عقول الانتحاريين

في اعقاب الحادي عشر من ايلول، عام 2001، توصل خبراء الارهاب الامريكيين الى ادعاء جرئ، ليس فيه بديهه، وهو "الارهابيون الانتحاريون كانوا طبيعيين نفسيا". وبذلك يبدو، بان الفكرة، حينما طرقت اذهانهم، لم يكونوا يختلفون عن عملاء القوات الخاصة الامريكية، فبمجرد انهم صدموا الطائرات ببنايات، عن عمد، لم يجعل ذلك منهم انتحاريين، بل ببساطة، انهم كانوا على استعداد للموت في سبيل القضية التي يعتقدونها.
لقد جرى ترديد هذه الحجة، مرارا وتكرارا، حتى اصبحت عقيدة. فقد قال خبير الارهاب في وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (CIA) جيرولد بوست، في عام 2006: "عسى ولعلنا نعتقد بانهم متعصبين مجانين... ليس صحيحا... انهم، كافراد، ذوي تصرف طبيعي".
أنا اختلف مع هذا الرأي؛ بعيدا عن كونهم طبيعيين نفسيا، فان الارهابيين الانتحاريين هم انتحاريون. انهم يقتلون انفسهم لاتقاء شر الازمات، أو الآلام التي لاتطاق. والى أن يمكننا ادراك ذلك، فان المحاولات لوقف هكذا هجمات محكوم عليها بالفشل.
عندما بدأتُ بدراسة الارهابيين الانتحاريين، لم تكن لدي خطة، بل كان مجرد فضول. كان حدسي ان الرواية الرسمية كانت صحيحة، ولكني أبقيت عقلي مفتوحا. بعدها بدأت بمشاهدة اشرطة الفديو، للعمليات الاستشهادية، وقراءة دراسات ورسائل ومفكرات الحالة. ماتوصلتُ اليه كان سلسلة من الخوف، والفشل، والشعور بالذنب، والخجل، والغضب. ففي كتابي "اسطورة الشهادة The myth of martyrdom"، اقدم دليلا ابعد من ان يكونوا طبيعيين، اذ ان هؤلاء القتلة، المدمرين لانفسهم، غالبا ما يعانون من صدمة نفسية خطيرة، فيما لاتبدو عليهم الا القليل من التصرفات التي تدل على تواصلهم مع العمليات الانتحارية، كالتفكر في الانتحار، أو التخطيط له، أو محاولات انتحارية سابقة.
اذن لماذا توصل عدد كبير من العلماء الى استنتاجات خاطئة؟ ان احد الاسباب الرئيسية هو انهم صدّقوا ماقاله المفجرون انفسهم، وأقرباءهم، واصدقائهم، ومجندوهم، خصوصا وان رواياتهم كانت متسقة.
فعلى سبيل المثال، في عام 2007، كتبت الباحثة الن تاوزند، من جامعة نوتنغهام في المملكة المتحدة، مقالا مؤثرا بعنوان "الارهابيون الانتحاريون: هل هم انتحاريون؟" وكان جوابها، بالقطع، لا (Suicide and Life-Threatening Behavior, vol 37, p 35). كيف توصلت الن الى هذا الاستنتاج؟ من خلال مراجعة خمس تقارير تجريبية، اعتمدت ثلاث منها على مقابلات مع أسر واصدقاء الارهابيين الانتحاريين المتوفين، والاثنان الآخران على مقابلات مع ارهابيين غير انتحاريين. وقد اخذت الباحثة ماقالوه في ظاهره وعلى علاته. اما انا فاعتقد ان ذلك كان خطأ فادحا، اذ كان لكل واحد من اولئك حافز قوي على الكذب. خذ، على سبيل المثال، الفلسطينية، وفاء البس، التي فشلت في تفجير نفسها عند نقطة تفتيش اسرائيلية في عام 2005، كانت روايتها، وأبويها، ومجنديها متطابقة؛ أي انها تصرفت لاسباب سياسية ودينية.
هذه الرويات موضع شك كبير. اذ ان قادة الارهابيين، لديهم اسباب استراتيجية في اصرارهم على ان المهاجمين ليسوا انتحاريين، بل ينفذون عمليات استشهادية مجيدة. أما آباءهم المصدومون، فيحاولون الاعتقاد بان اولادهم اندفعوا بدوافع بطولية. وينكر الاشخاص الانتحاريون، عادة، بانهم انتحاريون، فيما هم قادرون، غالبا، على اخفاء مشاعرهم الحقيقية عن العالم.
هذا صحيح، بالنسبة للمسلمين الاصوليين؛ أي ان الانتحار مدان، بشكل صريح، في الاسلام، وعاقبته الخلود في جهنم، بينما يذهب الشهداء الى عليين.
ان الاهم، والاكثر تعبيرا، هو ما تبين لاحقا من ان وفاء البس كانت تعاني من مشاكل صحية نفسية طيلة حياتها، وحاولت الانتحار مرتين، من قبل. وقصتها ليست هي الوحيدة. فالافغاني قاري سامي، الذي فجر نفسه في مقهى في كابول، في عام 2005، كان قد دخل في المقهى، وحرص في مشيه، ثم مر بين المناضد المزدحمة، ودخل الحمام الذي في الخلف، وأغلق عليه الباب، وفجر حزامه. لقد قتل نفسه، واثنين آخرين، ولكن كان بامكانه قتل عدد اكبر من الناس، بسهولة. لقد تبين فيما بعد بأنه كان يتعاطى مضادات الاكتئاب.
وحتى محمد عطا، زعيم مجموعة الحادي عشر من ايلول الذي عد "انموذجا" للارهابي الانتحاري "الطبيعي"، كان قد اسئ فهمه. لقد كان يعاني من العزلة الاجتماعية، والكآبة، والشعور بالذنب، والخجل، واليأس، لسنين عديدة.
وقع الخبراء في اخطاء اخرى ايضا. لقد افترضوا بانه يمكن تمييز الاشخاص الانتحاريين بسهولة، على اساس انهم غير عقلانيين، وان الارهابيين الانتحاريين هم مجموعة صغيرة من المجتمع الاكبر، الارهابي غير الانتحاري، والذي نعرفه نحن على انه يميل ليكون طبيعيا نسبيا.
لقد تصدى العالم النفساني أرييل ميراري، من جامعة تل ابيب في اسرائيل، لهذا الاعتقاد الخاطئ، حين اجرى اختبارات نفسية على (15) حالة تفجير انتحارية فاشلة، و (12) ارهابيا غير انتحاري، و (14) من منظمي الهجمات الانتحارية. لقد كانوا جميعهم مرتبطين بالمجاميع الارهابية الفلسطينية.
عندما سئل الارهابيون الاعتياديون فيما اذا كانوا قد فكروا في تنفيذ عمليات انتحارية، اجاب (11) من مجموع (12) بلا. ومن بين منظمي العمليات الاربعة عشر، قال تسعة منهم لا. ولم تظهر على اي منهم ميولا انتحارية، ولم يفكروا في الانتحار من قبل. اما الذين كان من المفترض ان يكونوا ضحايا، فقد كانت قصتهم مختلفة. فعلاوة على ان جميعهم اقروا بموافقتهم على القيام بمهمات انتحارية، فقد كانت لثمانية منهم ميول اكتئابية، ولستة منهم ميول انتحارية، فيما حاول اثنان منهم الانتحار من قبل.
لقد توصل ميراري الى ادلة دامغة على ان بعض الارهابيين، على الاقل، انتحاريين. أما بحثي الخاص فيضيف الى ذلك صفات انتحارية توثيقية في اكثر من (130) مهاجم.
لماذا طرح هذه القضية؟ اولا، وقبل كل شئ، ان وسم الارهابيين الانتحاريين بانهم "طبيعيين" أو "شهداء" لهو امر خطير، لان ذلك يكون في صالح قادة الارهاب، ويسمح لهم بتمجيد المهاجمين الانتحاريين، ويشجعهم على تجنيد عناصر جديدة. ويثبط ايضا الجهود الرامية الى منع وقوع الهجمات.
لقد زادت الهجمات الانتحارية، بين عامي 2001 و 2010، على مستوى العالم، بنسبة 300%. وباستثناء الجدار الفاصل الذي بنته اسرائيل للحد من دخول الارهابيين الانتحاريين الفلسطينيين، فان معظم المحاولات لمكافحة هذه التهديدات الدموية باءت بالفشل الذريع. وذلك هو مانقصده من وجوب معرفة المهاجمين الانتحاريين بالشكل الامثل، وبذلك يمكننا العثور عليهم، ومنعهم قبل فوات الأوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يرحب بالتزام الصين -بالامتناع عن بيع أسلحة- لروسيا •


.. متجاهلا تحذيرات من -حمام دم-.. نتنياهو يخطو نحو اجتياح رفح ب




.. حماس توافق على المقترح المصري القطري لوقف إطلاق النار | #عاج


.. بعد رفح -وين نروح؟- كيف بدنا نعيش.. النازحون يتساءلون




.. فرحة عارمة في غزة بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة | #عاجل