الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما ترتدي الخيانة زيّ الوطن

كلكامش نبيل

2013 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية



إنّ ما يجري في منطقة الشرق الأوسط حاليّا لا يمكن عزوه إلاّ لحالة الضبابيّة وغياب الحقيقة المتعمّد التي تسود الشارع بسبب إعلام تقف وراءه دول تنفذ أجندات كبرى في المنطقة، فكل المفاهيم منقلبة رأسا على عقب الآن ويبدو الخير شرّا والشرّ خيرا ولا يوجد حلّ في الأفق القريب لزوال مثل هذه الضبابيّة، لأنّ من يخطّط لكل هذا قد نجح نجاها باهرا في تعزيز الإنقسام لدى شعوب هذه المنطقة وفي كل بلد على أسس تختلف عنها في بلدان أخرى، ولكنّ الهدف يبقى واحدا وهو إحداث إنقسام شعبي لتسود حالة من الفوضى ويتم إضعاف هذه الدول مجتمعة.

لكنّ الأدوات لإحداث هذا الإقتتال واحدة وهي الأحزاب الدينيّة المتطرّفة التي تستحلّ كل الوسائل من أجل تحقيق أهدافها وأحلامها المشبوهة، وهي تعتمد على جماهير عريضة منخدعة بما يسوّقونه لها من رخاء وإزدهار في عصور خلت يطمحون هم لإعادتها كما يزعمون ومستندين على مشاعر دينيّة موجودة لدى الغالبية من سكّان دول المنطقة، فهم بالتالي لا يبذلون جهدا في نشر أفكارهم كما هو حال الأحزاب المدنيّة التي تحتاج لإقناع الشعب بأفكار جديدة وليدة المرحلة والحاجة الحالية لشعوب المنطقة، ولم تحظ هذه الأحزاب بالحريّة لممارسة نشاطها في ظل الدكتاتوريّات السابقة بينما كانت الأحزاب الدينيّة تستغل دور العبادة لنشر أفكارها، ولكنّ هذا لم يمنع الأحزاب المدنيّة من تحريك جموع غفيرة من الشعب لتطالب بحقوقها لأنّ مشاريعها ملموسة ومبنيّة على وقائع لا مشاعر مجرّدة لا تقدّم شيئا. ولهذا فإنّ كل من يفكّر بعقله لا مشاعره سيرى أنّ الأحزاب المدنيّة المؤمنة بديمقراطيّة حقّة - والتي لا تمتلك تنظيمات مسلّحة وميليشياويّة تلجأ لإستخدامها في محاربة الشعب إذا ما أراد إسقاطها يوما ما – هي السبيل الوحيد لبناء دولة مدنيّة حديثة يكون فيها للشعب الواعي بمصالحه وإحتياجاته السلطة الفعليّة.

المشكلة الآن هي أنّ الأحزاب الدينيّة تحاول تصوير نفسها بأنّها الحق المطلق وأنّها مظلومة وتتم محاربتها لأنّها دينيّة فقط وتحاول اللعب على هذا الوتر لتزيد من أتباعها ولكنّها لا تعرف بأنّها تنهي نفسها بنفسها بما تقوم به، وأنّ الأفراد ممّن يملكون فكرة عن سماحة الدين وتطوّره، معتمدين على ما تعلّموه عن الدين في مناهج التعليم السائدة في ظل الأنظمة القوميّة السابقة، سيراجعون موقفهم هذا وسينفضّون عنهم، الأحزاب الدينيّة الآن تستقتل على السلطة وتحارب الشعب من أجلها وتقتله ولكنّها تقتل نفسها في الوقت ذاته. المشكلة هي أنّها لا تزال تحظى بدعم المؤمنين إيمانا أعمى بها ومن غرست أحلامها في أذهانهم حتّى باتت أحلامهم هم أيضا وإن لن يكسبوا شيئا منهم فيما بعد، هؤلاء يحاولون تصوير أنفسهم بأنّهم ملائكة وأنّهم يحاربون الشيطان، وبهذا يحكمون ويدينون كل من يعارضهم ويتكلّمون بإسم الإله، وهذا أكبر خطر وفكر يمكن أن تواجهه أمّة من الأمم.

على الرغم من أنّني أساند رأي الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه بأنّه لا توجد حقائق في هذا العالم وإنّما تفسيرات فقط، وبأنّ الحقيقة أمرّ نسبي وكل طرف يرى أنّ لديه الحق في أن يدافع عن رأيه وأتّفق بأنّ البحث عن الحقيقة ومحاولة أن نكون حياديين في كل شيء أمرّ صعب، لكنّ الحقيقة يمكن أن تُدرك من خلال الوقائع على الأرض، وهذه الوقائع توضّح لنا بجلاء أنّ هذه الأحزاب المتأسلمة لا تؤمن بالوطن ولا رايته ولها طموحات وإرتباطات عابرة للحدود ولا يمكنها أن تجمع كلّ الشعب حولها لأنّها بذاتها تخص فئة معيّنة وجزء من طائفة وليست الطائفة كلّها حتّى، وهي مستعدّة لإنتهاج العنف في سبيل تحقيق أهدافها وتحاول قلب قراءة تاريخ الوطن ككل وتزيّيفه وإختزاله وفق ما يلائم أهدافها، ولكنّها ومع كل هذا الوضوح بأنّها أدوات خارجيّة لتحطيم هذه الأوطان وتجزئتها، لا تزال بسبب شيوع الجهل وقلّة الوعي وشبه إنعدام القراءة في مجتمعاتنا قادرة على تصوير نفسها بأنّها "وطنيّة" – إن كانت تفكّر في أن تطلق على نفسها هذه الصفة - وبأنّها تسعى لمصالح هذه الشعوب وإرتقائها. لكنّ نظرة موضوعيّة لما يجري كفيلة بكشف زيف كل هذا، فهي جزء من خطّة لإضعاف دول المنطقة وتحاول الإصطدام بالجيوش الوطنيّة لإستنزافها وإرهاقها، فالأمر واضح بعد أنّ تمّ حل الجيش العراقي وإنشاء جيش جديد يلاقي صعوبات في تسليحه وصراعات داخليّة ساهمت في إبقاء العراق بلدا ضعيفا وتنحيته عن المشهد السياسي الإقليمي بعد أن أضحى ساحة لتصفية حسابات دول الإقليم، وكذلك الحال بالنسبة لسوريا، فقد أدخل البلد في حالة صراع يتم فيها إستنزاف جيشها وتراجع الإقتصاد وتدهوره وتهديم كل البنى التحتيّة وقتل وتشريد شعبها، وكذلك الحال مع ترسانة ليبيا التي تمّت إستباحتها كما حصل مع أسلحة الجيش العراقي وها نحن نراها الآن تنتشر في دول المنطقة والعالم وتصل إلى أيدي الجماعات الإرهابيّة، كل هذا ويدّعون بأنّهم يعملون من أجل تقدّم ورفعة هذه الأوطان. والآن نرى هذه المحاولات لجر الجيش المصري للإصطدام معهم في محاولة لإستنساخ التجارب السابقة، ولكنّ الشعوب الآن بدأت تدرك الوضع الحقيقي والدوافع التي تقف وراء ما يسمّى بالربيع العربي والأدوات الحقيقيّة التي تنفّذه وتستفيد منه، ولن تسمح بأن تُدمّر جيوشها وتغرق المنطقة في فوضى تحقّق مخطّطات أجنبيّة بأيادٍ داخليّة.

الدور المهم الآن هو توحّد الشعوب خلف مصالح أوطانها وتمسّكها بوحدتها الوطنيّة والعمل على بث الوعي وروح الفكر الحر لإنشاء قاعدة شعبيّة منفتحة قادرة على إتّخاذ القرار الصحيح في إنتخابات حرّة، قد يتطلّب ذلك وقتا طويلا ولكن كلّما سارعنا في البدء بذلك كلّما كان تحقيقه أقرب، ولكن المهم أن تبدأ كل الدول بداية صحيحة بمنع أحزاب فاشيّة إقصائيّة تؤمن بالعنف من أن ترسي أسسها بشكل يجعل إزالتها أمرا مستحيلا في المستقبل وإن كان المستحيل كلمة لا وجود لها في قاموس الشعوب الحرّة المقبلة على الحياة.

الثامن من تمّوز عام 2013

كلكامش نبيل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طبيب يدعو لإنقاذ فلسطين بحفل التخرج في كندا


.. اللواء الركن محمد الصمادي: في الطائرة الرئاسية يتم اختيار ال




.. صور مباشرة من المسيرة التركية فوق موقع سقوط مروحية #الرئيس_ا


.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي




.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط