الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرسي يُعزل من الكرسي.. والبقية تأتي

وديع السرغيني

2013 / 7 / 9
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


من الذي هزم مرسي وحركة "الإخوان المسلمين" بمصر؟ الشعب أم العسكر؟ وهل انتصر الشعب المصري بمعية قواه الديمقراطية والتقدمية، في المعركة أم أن معركة التحرير الحقيقية لم تبتدأ بعد؟
أسئلة عديدة ومتنوعة تستحق الإجابة، وتستوجب منا كفصائل يسارية وتقدمية، التفكير والإدلاء بالرأي والنقاش، وإلا اعتبرنا التاريخ والجماهير كصانعة للأحداث والتاريخ، بأننا مجرد كومبارس وفقط، عناصر لتأثيث المشهد السياسي وليس إلا!
فلا يجادل أحد، ولا يشكك عاقل، في الموقع الذي كانت تحتله قوى اليسار بمجموع مكوناتها وفصائلها خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، فكريا وسياسيا وميدانيا.. مع ما استلزمه ذلك الموقع الطليعي من تضحيات جسام في شكل حصار ومضايقات، اعتقالات ومحاكمات، اختطافات ومنافي واغتيالات..الخ لازمت حركة اليسار بجميع أطيافه ومكوناته التقدمية والديمقراطية، بعدها تراجع اليسار، وتقهقر، لأسباب ذاتية وموضوعية معروفة ولا نريد الخوض فيها خلال هذه المقالة البسيطة. كل ما في الأمر، أن بعض الأحداث المهمة والمؤثرة في موازين القوى الطبقية الآن، لا يحتمل الموقف بصددها التأجيل، خاصة إذا كانت الأحداث المعنية، أحداث مرتبطة بانتفاضة الجياع والمحرومين في منطقة جغرافية واحدة، تجمع شعوبها أكثر من صلة ورباط، ويخترق حراكها فاعلون سياسيون من اليمين واليسار، ممن لهم امتداداتهم وتشعباتهم في جميع البلدان أو أغلبها.. وبالتالي لا بد لمساهمتنا في النقاش، وليس التعليق على ما يحدث في مصر، أن تفيد في توضيح الرؤية حول الموقف الذي يجب على مجموع القوى اليسارية الثورية وقوى الحركة الماركسية اللينينية المغربية أن تتخذه من انتفاضات الشعوب ومن نضالاتها العظيمة من أجل التحرر الفعلي والشامل، كتحرر سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي.. والذي لن تنعم به شعوبنا المحرومة والمضطهدة إلا عبر الحسم والقضاء على الرأسمالية، منبع ومولـّد الشرور جميعها.
فمع انفضاح الدور الرجعي والعميل، الذي تلعبه حركة الإخوان المسلمين ومجمل القوى الظلامية في المنطقة التي أصبحت تتباهى بعلاقتها مع الإمبريالية والصهيونية ورجعيات الخليج، مع ما حققته وتحققه هذه العلاقات المشبوهة من امتيازات فضحت بشكل ملموس ثغرات الديمقراطية الانتخابية ومحدوديتها، خاصة حين يصل الفقر والحرمان والتهميش لحدود خطيرة ومخيفة في الأوساط الشعبية داخل مجتمعات مثل مصر وتونس واليمن والمغرب..الخ مع توالي نفس الفضائح، والاتصالات، والتنسيقات، وسفريات التسول من أجل القروض وإغراق الشعوب في مستنقع المديونية.. تقدمت بعض القوى اليسارية واللبرالية العلمانية، بنقد ذاتي لتحالفاتها السابقة مع حركة الإخوان ومثيلتها التي تتقدم باسم "الحرية والعدالة والتنمية"..الخ من الشعارات الجوفاء. وهي جرأة تنقصنا نحن في المغرب، حيث مازالت الأغلبية التقدمية واليسارية تغازل هذه القوى، وتنسق وتتحالف معها في أكثر من محطة وموقع ومجال..الخ وحيث كان يجب أن تؤطر ممارستنا الميدانية، المبادئ الثابتة التي تسبق الجرأة، بل تؤطرها وتتحكم في عقالها..غابت المبدئية وسادت الذرائعية والانتظارية المقيتة والقاتلة في أكثر من لحظة تاريخية وجب فيها تحرك اليسار وتقدمه إلى الأمام من أجل تنظيم وتأطير حركة الجياع والبطالين والعمال المنتفضين ضد الحكرة والغلاء والبطالة والتهميش..الخ.
انتفض الشعب المصري استكمالا لثورته الشعبية الأولى، وكان لابد عليه من أجل تنفيذ هذه المهمة الثورية، إزاحة حركة "الإخوان" من الطريق، عبر عزل الرئيس "الإخواني" وعبر تطويق المجال الذي تتحرك فيه الحركة، وتنشر فيه سمومها، وتغدق فيه صدقاتها من السكر والزيت والطحين، أي بما تجود به بركات قطر والكويت والسعودية..الخ وهو الشيء الذي نجح فيه الشباب من خلال إعلان حركة "تمرد" التي عبأت الملايين من المواطنين عبر الوقفات والاحتجاجات والمقالات والعرائض..إلى حد احتلال الشوارع بالملايين يوم 30 يونيو ليتدخل الجيش مساندا ومدعما للحركة.
فهل يمكن اعتبار هذا انقلابا عسكريا كما يدعي المشككون؟ كلا، بل هي ثورة شعبية تم التخطيط لها على بعد أيام وفي واضحة النهار، على مرأى ومسمع من مرسي وأتباعه وأسياده ومرشده، وغير هذا، يعتبر تجنيا وافتراءا في حق الشعوب، والجماهير الكادحة المصرية، وقواها الشبابية والتقدمية..الخ.
أكثر من هذا، فما نعرفه عن الانقلابات هو التخطيط لها بالليل، وفي جنح الظلام، وفي غفلة من الجميع إلا عن الجهة المباركة، التي لم تكن في عهد الانقلابات البائد، سوى أمريكا وفرنسا وبريطانيا.. يلي ذلك عزل الحكومة، وإعلان حالة الاستثناء، وحل المؤسسات، وتعطيل العمل بالدستور، وإعلان حالة الطوارئ، وحظر التجول، وشن حملة الاعتقالات والمداهمات والتصفية في حق المعارضين..الخ. فهل تمت العملية بهذا الشكل في مصر؟ كلا، لأنه مباشرة بعد العزل، تم تعيين رئيس مدني، مؤقت، وتم عرض خارطة الطريق بتنسيق مع الأحزاب السياسية والفعاليات الشبابية والفكرية والإعلامية، وتمت الدعوة لحزب الإخوان للمشاركة وتم السماح لحركتهم بأن تحتج وتعتصم وتجاهد وتخرب وتقتل..الخ.
فهل يفهم من هذا أننا مع إجراءات العسكر وتدخلاته السياسية الحاسمة؟ بعيدا عن هذا وضدا عليه فموقفنا كماركسيين لينينيين مغاربة "أنصار الخط البروليتاري" لا يتعدى المساندة المبدئية لجميع أشكال الحراك الشعبي المناضل من أجل تحسين وتغيير أوضاع البؤساء المهمشين والمحرومين، في اتجاه القضاء على أسباب ومسببات التفقير والتهميش والاضطهاد الذي تعاني منه الشعوب عامة، والحال أن حركة الإخوان ومنذ تشكلها خلال عشرينات القرن الماضي، لم تلعب سوى دور الكابح للمشروع التحرري في المنطقة، حيث كانت السند والنصير الثابت لجميع القوى المتكالبة الطامعة في خيراتنا، والطامحة لتأبيد الفقر والجهل والتخلف، في وسط شعوبنا.
خلال القرن الماضي واستنادا على تجربة أوربا الشرقية وما حصدته من مكتسبات لحظة الحرب على الفاشية، راهن جزء لا يستهان به من اليسار على الانقلابات والحركات التقدمية للضباط، لتغيير الأنظمة، والإعلان عن إجراءات التأميم والإصلاحات الزراعية، باسم الاشتراكية أو باسم الحياد واختيار الطريق الثالث أو الطريق اللارأسمالي.
وقد ساندت غالبية قوى اليسار العالمي وداخل البلدان المعنية، هذه الاتجاهات، باعتبارها اتجاهات تقدمية خدمت إلى حد ما مصالح الجماهير المعنية بالتغيير وبتحسين الأحوال السيئة والبئيسة، وبالرجوع إلى هذه التجارب وضمنها تجربة مصر الناصرية، يمكن الاطلاع على محدودية هذه التجارب، وعلى طبيعة وسقف هذه الإجراءات التي مست بشكل خطير مجال الحريات الديمقراطية، بأن منعت تشكيل الأحزاب إلا من دخل عباءتها وتظلل بمظلتها، ومنعت الصحافة واعتقلت الشيوعيين والمثقفين والشباب والنقابيين، وحلت الاتحادات الطلابية والنقابية العمالية وفبركة البدائل التنظيمية موالية للانقلابيين..الخ وبممارستها هذه عطـّّلت المشروع التحرري لأزيد من ستين سنة، وكان من نتائج هذا، بشكل مباشر وغير مباشر، ما نعيشه الآن من ثورات "استدراكية"، ومن تفتيت للأرض الفلسطينية واستمرار اغتصاب الأرض وتكريس الاستيطان والتوسع الصهيوني في المنطقة.
على هذا الأساس يمكن أن نقول بأن هذا الشوط الثاني من انتفاضة الشعوب في المنطقة لا يمكن إلا أن يخدم المشروع التحرري الاشتراكي الذي نومن به كحل وحيد للتنمية الحقيقية، وللاستقلال الفعلي عن كافة المتدخلين والطامعين في خيرات المنطقة، لأن صمتنا ولامبالاتنا بما يقع على جنباتنا، سيترك الفرصة من جديد، للقوى المحافظة بجميع تلاوينها وادعاءاتها اللبرالية والإسلامية والاشتراكية حتى، لتطويع حركة "التمرد المغربي" القادمة لا محالة، لإدخالها منذ انطلاقتها وتشكلها، للدروب والأنفاق الضيقة، عبر رفع الشعارات المحبطة، والتي لا علاقة لها باهتمامات الكادحين الذين يقيمون الثورات بما هو ملموس ومحسوس في مجال الخبز والشغل والسكن والتعليم والصحة..الخ إذ ومباشرة بعد نجاح تمرد الشعب المصري، طفت للسطح من جديد شعارات الملكية البرلمانية وإسقاط الحكومة والانتخابات..الخ وهي شعارات ساهمت فيما قبل وبشكل كبير، في هزيمة حركة 20 فبراير وفي نشر الإحباط والانهزامية في صفوف الجماهير المعنية بالتغيير.
انخرطنا في هذا النقاش لنبقى على موعد من التاريخ، بدرجة أولى، وبدرجة ثانية من أجل هزم مقولة الاستثناء المغربي الذي لا يقبل "الاستنساخ"، وفي مستوى ثالث أدلينا برأينا المتواضع هذا بسبب من حرقتنا عن أوضاع شعبنا المتدهورة، بسبب من بطالة الشباب التي بلغت الأرقام القياسية، وبسبب من استمرار سياسة الغلاء، عبر الرفع المتصاعد للأسعار وفواتير الماء والكهرباء، وعبر تجميد الأجور.. أوضاع الحكرة والتهميش التي تدفع بالمواطنين يوميا للمهانة والإذلال، بتشجيعهم على الجريمة والدعارة والتسول والسرقة والمخدرات..الخ فمن أجل تقويم التمرد ومن أجل الاحتجاج والانتفاض الهادف.. سنسعى دائما تطويرا لحركتنا التحررية التي لابد لها، عاجلا أم آجلا أن تنتصر.

وديع السرغيني
6/7/2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج




.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام