الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأمُّلات مصرية!

جواد البشيتي

2013 / 7 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



في مصر الآن، والتي توشك أنْ تودِّع نفسها، أرى كثيراً من "الماضي" يَحْضُر؛ فجماعة "الإخوان المسلمين"، وأقرباؤها، يتوفَّرون على استحضار الماضي (بأرواحه وشخوصه وشعاراته..). إنَّهم، في "رابعة العدوية"، يُصارِعون وكأنَّهم في "غزوة الأحزاب"؛ أمَّا خصومهم فشرعوا يستعيرون ما تيسَّر لهم من العهد الناصري، ومن الخصومة القومية الناصرية للولايات المتحدة، التي يتَّهِمونها بالانتصار لجماعة "الإخوان المسلمين".
وهذا الذي أراه في مصر الآن لا يشذُّ عن منطق الميلودراما التاريخية؛ ففي كثير من أحداث التاريخ، نرى، عادةً، "الماضي" يحضر، أو يُسْتَحْضَر، ليُلوِّن الحاضر بلونه الجميل.. حتى "الموتى"، مع كثير من الأشياء التي ماتت، وشبعت موتاً، يُسْتَحْضَرون؛ وكأنَّ حُكْم الأموات للأحياء (الذين يتوَّفرون الآن على صنع الحدث التاريخي) لم ينتهِ بعد.
إنَّه "تناقض" يُلازم، عادةً، كل حدث تاريخي عظيم؛ فالبشر المنشغلون بخلق شيء جديد؛ لكن ليس من "العدم التاريخي"، يُبْدون ميلاً قوياً إلى "استحضار أرواح الماضي"؛ وكأنَّ الحدث التاريخي قَيْد الصُّنْع، مع محتواه الواقعي، يحتاج إلى "شكلٍ" يَسْتَمِدُّ الجَمَال من "الماضي"، أيْ مما مضى واندثر وأصبح أثرا بعد عين؛ ولكن "ظلاله"، من فكر، ولغة، وأزياء، وشعارات، لم تفقد بعد نفوذها في عقول وأفئدة الأحياء، صُنَّاع الحدث التاريخي، الذي يكتسي جديده (وهو "المحتوى") بجمال وجلال وهيبة ووقار وقدسية "القديم"، و"القِدَم".
البشر لا يَسْتَحْضِرون الماضي، أو أرواح الماضي، إلاَّ لمآرب ومقاصِد هي بِنْتُ الحاضر؛ فنراهم يستعيرون من الماضي الأسماء، والشعارات القتالية، واللغة، والأزياء، ليبدأوا العمل التاريخي؛ وكأنهم يمثِّلون مسرحية على مسرح التاريخ؛ فهذا القائد الجديد نراه يرتدي رداء ذلك القائد القديم؛ فالسيسي يرتدي عبد الناصر؛ وهذا الحدث الجديد نراه يُلْبَس لبوس ذلك الحدث القديم، فيجتمع في العمل التاريخي العظيم "الخلق" و"التمثيل".
كَسْو "محتوى" الحدث التاريخي الجديد، أو الذي قَيْد الصنع، بجمال وجلال وهيبة ووقار وقدسية "القديم" هو عمل، لا يخلو، على أهميته وضرورته الواقعيتين، من الوهم والخداع؛ فالباحث، في جِدٍّ وموضوعية وعلمية، في التاريخ، بأحداثه الكبيرة، وشخوصه الشهيرة، سيقف على أنماط غريبة من التفسير والتعليل والفهم؛ وهكذا تجتمع في الزمان نفسه الحقائق والأوهام.
إنَّنا، ونحن مشدودين إلى مشاهدة فصول هذه "المسرحية التاريخية"، التي ليست بالأولى ولن تكون بالأخيرة، ننسى أو نتناسى حقيقة بسيطة، هي أن "القيادة" لا تعدو أنْ تكون "اختراعاً" تلده "الحاجة" كما تلد سائر الاختراعات؛ فالبشر، وفي كل مناحي حياتهم، لم يخترعوا، قط، ولن يخترعوا، أبداً، شيئاً لم تشتد حاجتهم إليه من قبل؛ فالحاجة تظل تضغط، وتفعل فعلها في عقول الناس وقلوبهم حتى تلد على أياديهم "الاختراع"، الذي بفضله يتمكنون من تلبيتها وإشباعها.
أرى الآن في مصر كثيراً من الحقائق والأوهام والمفارقات؛ فأقول:
• ﻻ-;- أمل في انتصار حقيقي ونهائي للثورة المصرية ما بقي الجيش خاضعا لسلطة وهيمنة الجهاز البيروقراطي العسكري. يجب إنهاء هذا الجهاز، وإعادة بناء الجيش سياسيا ودستوريا.
• لا تخدعنَّكم "الأسماء" في مصر الآن؛ فـ "الظلام" استحدثوا له حزباً أسموه "حزب النور"!
• أعداء جماعة "الإخوان المسلمين"، وأعداء كل تسييس للدين الإسلامي، ولكل أسلمة للسياسة، معظمهم من المنافقين؛ لأنَّهم يقولون، في الوقت نفسه، إنَّ لـ "السياسة" مبادئ راسخة في صُلْب الإسلام!
• مصر كلها الآن "إخوان": "الإخوان المسلمين" و"إخوان الشياطين" و"الأخوة الأعداء".
• الثورة في مصر أراها عندما أرى رجال الدين يعودون إلى الجوامع والكنائس، والجيش يعود إلى ثكناته، والشعب يظل في الميدان.
• حليفان للولايات المتحدة في مصر، يتصارعان الآن، أقدمهما الجيش، وأحدثهما جماعة "الإخوان المسلمين".
• إذا غضب الله على قوم أكثر من شرعياتهم؛ وفي مصر حتى الآن: شرعية دستورية وشرعية انتخابية وشرعية دينية وشرعية ثورية وشرعية شعبية..
• السيسي قال لبشار: لقد نَجَحْتُ في عسكرة الحكم في مصر؛ فقال له بشار: أمَّا أنا فنَجَحْتُ في عسكرة الثورة في سورية. لقد اختلفا في العسكرة؛ لكنَّهما اتَّفقا في الدافع إليها، وهو "البقاء"؛ فبئس "بقاء لحاكِمٍ" لا يبقي على الوطن!
• "الديني" و"العلماني" في مصر، لا أعرف لماذا يتصارعان. "الديني" يريد بناء المستقبل؛ لكن بقوى من الماضي؛ و"العلماني" يريد إعادة بناء الماضي؛ لكن بقوى من المستقبل!
• ما اجتمع "الهلال" و"الصليب" إلاَّ وكان الجنرال ثالثهما!
• "الإخوان" يتَّهِمون "العلمانيين" في مصر بخيانة الديمقراطية؛ و"العلمانيون" يتَّهِمون "الإخوان" بخيانة الإسلام!
• ليس بذي أهمية، عندي، الكلام "السياسي ـ الديني" لجماعة "الإخوان المسلمين"، وأقربائهم من جماعات "الإسلام السياسي"؛ فإنَّ ما يستأثر باهتمامي هو إجابة السؤال الآتي: لماذا يَقَع كلامهم هذا على أسماع شعبية تشبه سمعهم؟
• حتى يشتغل الشعب بثورةٍ، منه وله، يجب أن يكف طرفان عن اﻻ-;-شتغال بالسياسة: رجال الدين والعسكر.
• مِنْ دمج أسوأ ما في الليبرالية واليسارية يأتي الحكم الإسلامي؛ أما البديل منه فيأتي مِنْ دمج أفضل ما في الليبرالية واليسارية.
• إن رجال الدين والعسكر إذا دخلوا ثورة أفسدوها.
• رئيس مصر المؤقت قال في كلمته إنَّ زمن عبادة اﻷ-;-صنام قد ولَّى وانقضى؛ ثم قيل إنَّ هناك قيادات من جماعة "اﻹ-;-خوان المسلمين" ستُحاكم بتهمة إهانة القضاء؛ فهل القضاء من البقرات المقدسة؟!
• في انتخابات ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت المعادلة: جماعة "الإخوان المسلمين" + سائر الأحزاب = حُكْم المرشد. وفي انتخابات ثورة الثلاثين من يونيو تكون المعادلة: الأحزاب - جماعة "الإخوان المسلمين" = حُكْم العسكر.
• ما اجتَمَع رجل دين وعسكري إلاَّ وغادرتهما "الدولة المدنية"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 7 / 9 - 22:35 )
مقاله مميزه .


2 - في العبث
فؤاد النمري ( 2013 / 7 / 10 - 08:54 )
الرفيق البشيتي يجهد عبثاً لتبرير موقف خاطئ كان قد اتخذه في غياب من الوعي
بشار أو الأحرى المافيات الروسية على استعداد لقتل ملايين السوريين لبقاء العصابات الحاكمة الموالية لروسيا في سوريا
أين الثرى من الثريا وهو الفرق الذي لا يراه رفيقنا الماركسي للآسف
مصر تحديداً عصية على الأسلمة فقد أخذت على عاتقها دوراً تاريخياً منذ عهد محمد علي وهو نقل الحضارة الأوروبية إلى المشرق العربي ولذلك تعتبر مصر اليوم من المشرق العربي رغم وقوعها في المغرب


3 - رد على النمري
جواد البشيتي ( 2013 / 7 / 10 - 09:31 )
الرفيق النمري
موقفي من الصراع الحّتدم في مصر إنَّما أتى من غياب تام للوعي الليبرالي عن رأسي، ومن حضور تام للوعي الماركسي في رأسي؛ فأنا لستُ مضطَّراً إلى المفاضلة بين قوى وجماعات هي جميعاً، ومن حيث الأساس والجوهر، في موقع العداء لثورة الخامس والعشرين من يناير.
إنَّني، وفي وضوح ما بعده وضوح، أَقِفُ (ولو من الوجهة الفكرية) ضدَّ كل حُكُم أو حزب ديني (وهذا يشمل جماعة -الإخوان المسلمين-). وأَقِفُ، في الوقت نفسه، ضدَّ المؤسسة العسكرية، والبيروقراطية العسكرية، وكل اشتغال للجيش بالسياسة، وضدَّ عهد مبارك، وبقاياه، وضد القيادات الليبرالية في -جبهة الإنقاذ-.


4 - رد على رد
حميد خنجي ( 2013 / 7 / 10 - 10:19 )
يقول الزميل البشيتي في معرض رده وتبريره لمواقفه غير السليمة وغير الماركسية اصلا-بالرغم من ماركسيته المجردة- الآتي
نَّني، وفي وضوح ما بعده وضوح، أَقِفُ (ولو من الوجهة الفكرية) ضدَّ كل حُكُم أو حزب ديني (وهذا يشمل جماعة -الإخوان المسلمين-). وأَقِفُ، في الوقت نفسه، ضدَّ المؤسسة العسكرية، والبيروقراطية العسكرية، وكل اشتغال للجيش بالسياسة، وضدَّ عهد مبارك، وبقاياه، وضد القيادات الليبرالية في -جبهة الإنقاذ-. ..انتهي الاقتباس
فهل ياترى الجمل أعلاه لها علاقة بالتحليل الدياليكتيكي للأمور؟! إنها منطق شكلي تلفيقي بل وذرائعي! وأسّ هذا التحليل وطريقة التفكير عدمية / نيهيلستية، تشبه كثيرا طريقة التحليل والتفكير الحكمتيين والتروتسكيين وحتى الفوضويين


5 - حبذا !
فؤاد النمري ( 2013 / 7 / 10 - 11:30 )
حبذا يا رفيقي العزيز لو تقرأ مقالتي في 14/2/011 تحت عنوان - ماذا في مصر وفي تونس -
ليس في الربيع العربي أي ثورة تغير نمط الإنتاج السائد . إنها انتفاضات تقوم بها كل الطبقات الرأسمالية والبورجوازية والعمال والفلاحين

في السبعينيات أفلست البورجوازيات الدينامية كنتيجة حتمية لتراجع الثورة الاشتراكية

ولما لم تكن هناك طبقة ناهضة أخرى تستولي على السلطة انتهزت عصابات من العسكر الفرصة وقامت باختطاف السلطة في سائر الجمهوريات العربية وهي بطبيعتها ضد التنمية

اليوم تنهض الشعوب لكنس حكم العصابات لكن المجتمعات العربية ستعود تفتقد الطبقة الناهضة لتشكل دولتها
نحن أامام صراع لا ينتهي يدور حول وسائل النهوض الطبقي وفي هذا حالة تقدمية
الاسلاميون يقولون لنا أن الدين الإسلامي سيشكل أساس النهوض وفي هذا امتناع عن البحث في أسباب النهوض كا كانت عصابات العسكر قد فعلت

السيسي قال لا للأسلمة بعد أن رفضها الشعب وهو ما يحافظ على الحرية لمختلف الطبقات للبحث عن وسائل النهوض رغم أنها لن تجدها
علماً بأنني شخصياً أثق أن أحداً لا يمتلك ولن يجد أسباب النهوض

تحياتي الكبيرة لرفيقنا البشيتي المتدفق فكرياً

اخر الافلام

.. الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مسجدا يؤوي نازحين في دير البلح وس


.. مقتل وإصابة طلاب بحادثة انقلاب حافلة في كولومبيا




.. رحلات الإجلاء تتواصل.. سلوفاكيا تعيد رعاياها من لبنان


.. ما الذي قدمته إيران إلى لبنان منذ بدء الهجوم الإسرائيلي؟




.. فرنسا.. مظاهرات في باريس تنديدا باستهداف المدنيين في لبنان و