الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيام مصر الخطيرة

مصطفى مجدي الجمال

2013 / 7 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الأحداث في مصر متلاحقة بشكل لا يسمح بالاستفاضة في التحليل. أضف إلى هذا أن من يتصدون للتحليل الثوري مضطرون للانغماس الكامل في فعاليات يومية لا يمكن الابتعاد عنها. ومع ذلك هناك ضرورة لإبداء ملاحظات سريعة وحيوية.

(1) قام الشعب المصري في الأسبوع الماضي بحركة من أوسع الحركات في تاريخ العالم، وبأوسع الحركات في تاريخ هذا الشعب على الإطلاق.. فقد ارتفعت درجة التسييس والتوحد الوطني بشكل غير مسبوق من أجل الحفاظ على كيان المجتمع والدولة المدنية في مواجهة دكتاتورية ظلامية تستند إلى الإمبريالية العالمية (بل هي من أهم رهاناتها في اللحظة التاريخية المعقدة الحالية) وهي على أتم الاستعداد لدفع كل الأثمان التي تطلبها الولايات المتحدة من أجل البقاء في السلطة.

(2) نجح الشعب المصري في شل تردد قطاع مهم في القوات المسلحة شعر بخطورة ما يقدم عليه نظام الإخوان وحلفائهم السلفيين، كما شعر بخطورة انفلات الحركة الجماهيرية من عقالها وإحداث تغييرات جذرية يمكن أن تهدد جوهر النظام الاجتماعي القائم.

(3) أثمرت هذه الحركة الشعبية، بمساندة عسكرية، عن إزاحة جماعة الإخوان وحلفائها من الحكم، والشروع في تدابير سياسية جديدة ستتوقف طبيعتها ونتائجها على التناقضات وموازين القوى داخل الحركة العامة التي أزاحت الظلاميين.

(4) من المنطقي أن تزداد شراسة جماعات اليمين الديني.. فما أصعب عليها من أن تجد نفسها محل اتهام ونبذ من قطاعات جماهيرية هائلة الاتساع. وسوف نناقش فيما بعد احتمالات التصرف الإخواني والسلفي.

(5) معسكر القوى التي تصدت للحركة شديد التنوع، بدءًا من أنصار النظام المباركي (ولا بد من الاعتراف بأن أداءهم الأخير كان قويًا جدًا) ومرورًا بقوى ليبرالية ويسارية، وانتهاءً بقيادات مهمة في الجيش وحتى المؤسسات الأمنية.. وهي لوحة بالغة التعقيد والفرادة.

(6) وبالرغم من ذلك فإن طوفان الحركة الجماهيرية التلقائية جاء أكبر بكثير جدًا من توقعات أشد المتفائلين. أسهم في هذا: المستوى الرديء للغاية في أداء اليمين الديني في الحكم، بالإضافة إلى الدور الفعال للفضائيات المصرية المستقلة.

(7) جاء مستوى ونوع تدخل الجيش مفاجأة استراتيجية للدوائر الأمريكية المسئولة عن الشأن المصري، وتسببت التطورات الأخيرة في مصر في حدوث ارتباكات وخلافات حادة داخل دوائر القرار الأمريكي والأوربي.

(8) تخشى الدوائر الغربية من تحولات راديكالية غير محسوبة في مصر (تكون لها تداعياتها الحتمية في المنطقة بأكملها) وخطورة أن تؤدي هذه التحولات تحت الضغوط الشعبية إلى إفساد مخططات أمريكية شريرة لإغراق المنطقة في الصراعات الطائفية والمذهبية، وتجهيز سيناء كوطن بديل لفلسطينيي غزة، فضلاً عن سلب مصر واحدًا من أهم رموز عزتها الوطنية وهو قناة السويس.

(9) لا داعي لتكرار الشواهد الثابتة عن ثبوت الخيانة الوطنية على قادة الإخوان المسلمين والسلفيين الذين يتهافتون على نيل الرضا الأمريكي مُبدين أتم الاستعداد لتقديم كل التنازلات المتصورة وغير المتصورة عن بقايا استقلال مصر ووحدة شعبها وأراضيها.

(10) هكذا انضم إلى قوى الثورة المضادة بسفور كامل: الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية والإقليمية. ولا يجوز أن نتصور أن تجري هذه التغييرات السياسية العميقة في مصر دون أن تتحرك الولايات المتحدة لإحباطها، وهي لن ترعوى عن فعل أي شيء، خصوصًا في ضوء التصريحات الأخيرة للرئيس الروسي المُدينة للتدخل الغربي في الشأن المصري وإبداء استعداده للمساعدة الاقتصادية والعسكرية.

(11) من المتوقع أن تشمل فاعليات الثورة المضادة لترويع الشعب المصري كل ما لا يخطر على بال المحلل. فبالإضافة إلى العنف في الميادين، وتوريط الجيش والأمن في سفك دماء قواعد الإخوان، والعمليات الإرهابية في سيناء.. قد نجد افتعالاً لصراعات طائفية دموية في مناطق التماس الملتهبة بصعيد مصر مثلاً، أو القيام بتفجيرات إرهابية في الطرقات أو المنشآت الحيوية، أو عمليات اغتيال لقيادات سياسية أو عسكرية، أو حتى تدبير انقسام أو انقلاب مضاد من داخل الجيش (وهو احتمال نظنه ضعيفًا في الوقت الحالي لأنه يتطلب وقتًا من الإعداد في ظروف جيش كبير كالجيش المصري)..الخ. وسيكون كل هذا سلاحًا ذا حدين، إلا أنه سيكبد المحتمع المصري خسائر مادية وأخلاقية ضخمة.

(12) لا يرجح أن تنزلق مصر في الأفق القريب إلى حرب أهلية أو فوضى شاملة، فحجم التأييد للإخوان والسلفيين آخذ في الانحسار والانقلاب بمعدلات مدهشة.. ولكن وصول العنف إلى مستوى ما قد يدفع البلاد إلى فرض "دكتاتورية" عسكرية سافرة أو مقنّعة.

(13) إزاء هذه المخاطر الشديدة ترتفع دعوات إلى المصالحة ولم الشمل، من جانب الولايات المتحدة أساسًا، وينزلق إلى هذا بعض الليبراليين وقلة من اليساريين (خصوصًا الآتين إلى الحقل السياسي من حقل النشاط الحقوقي) متجاهلين الطبيعة الانتهازية وعدم احترام الاتفاقات من جانب قوى اليمين الديني، كما أن المصالحة في جنوب أفريقيا مثلاً قامت على أساس تخلي البيض عن التمييز العنصري وتجريمه.. فهل يمكن تصور مصالحة مع العنصريين والطائفيين في مصر دون أن يدينوا أيديولوجيتهم وسياساتهم الطائفية والعنصرية.. ناهيك عن تبعيتهم المخزية للسفارة الأمريكية.

(14) إذا فشلت الخطط الأمريكية التكتيكية لصد الثورة المصرية، فقد لا تجد أمامها سوى تحويل الصراع إلى المستوى الإقليمي.. وبالتحديد إدخال إسرائيل وربما تركيا في المعادلة.. وهي في الحقيقة أجواء تشبه عام 1954 حيث كانت إسرائيل تقوم بعملياتها العدوانية في غزة (الملحقة بمصر وقتذاك) وسيناء.. حتى جاء العدوان الأكبر عام 1956.

(15) هذا كله يمثل تحديًا وجوديًا للقوى الثورية اليسارية والديمقراطية. وعليها ألا تفرط لحظة في محاولة الاحتفاظ بمستوى عالٍ من تعبئة الحركة الشعبية، وتنظيمها في الأطر المختلفة. وعليها أن تدرك التنوع داخل جبهة القوى المناوئة للإخوان والسلفيين، ومن ثم أن تميز بين التناقضات الثانوية والتناقض الرئيسي.

(16) الوحدة الفورية للأحزاب اليسارية أمر ملح على أي صورة كانت هذه الوحدة. وربما كان لتطور كهذا أثره في المساعدة في تنظيم مئات الألوف من الثوار الشباب "غير القابلين للتنظيم" حتى الآن.. ويفضلون الائتلافات الفضفاضة التي لا تمتلك رؤية استراتيجية متكاملة، وكثيرًا ما تتعرض للانقسامات والاستيعابات وحتى الاضمحلال، على الرغم من الأدوار البطولية التي تؤديها الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا لست إنترنت.. لن أستطيع الإجابة عن كل أسئلتكم-.. #بوتين


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضغطه العسكري على جباليا في شمال القطاع




.. البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزور السعودية


.. غانتس: من يعرقل مفاوضات التهدئة هو السنوار| #عاجل




.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح