الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانسجام المجتمعي

محسن حبيب فجر
(Mohsen H. Fagr)

2013 / 7 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


يشير فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ الى الدور الأساسي للاقتصاد وتراكم الثروة في ضمان التجانس وتزايده بين كافة المجتمعات البشرية بغض النظر عن أصولها التاريخية او تراثها الحضاري.
وليس هناك شك في فاعلية العامل الاقتصادي ومساهمته في صياغة ثقافة اجتماعية تدفع الافراد باتجاه الانسجام في مجتمع واحد، كما تدفع المجتمعات باتجاه الاندماج والتوحد لانتاج مجتمع اكبر واوسع واكثر تعددية. لكن مدى قوة الدورالذي يلعبه الاقتصاد تبقى خاضعة للزمان والمكان، اذ من المعروف ان هناك أربعة عوامل مهمة ومتداخلة تتحكم في الثقافة الاجتماعية، وبالتالي في شكل المجتمع المنسجم وتوجهاته، وهي الدين والسياسة والحضارة والاقتصاد. لكن المراهنة على العامل الاقتصادي، وهو ما يذهب اليه عدد من الكتاب والمحللين والمثقفين، في انتاج الانسجام - وخصوصا في مجتمعنا وعموم المجتمعات الشرق أوسطية - امر يحتاج الى التريث لان هذا العامل على أهميته يبقى في تنافس مع العوامل الثلاثة الأخرى، حيث يحاول كل منها الظفر بالدور المحوري في هذه المهمة. والأكثر من ذلك ان هذه العوامل تتصارع فيما بينها لهيمنة بعضها على البعض الآخر وتحويلها الى أدوات بيد العامل المهيمن، يقوم بتحريكها بشكل ينسجم مع رؤاه في الصياغات الاجتماعية.
ان الثقافة الاجتماعية كبناء أساسي لتطور المجتمع امر تراكمي، كما انها آخذة بالازدياد والنمو في خطها العام ولكن ليس الى ما لانهاية وانما ستصل الى حد ينتهي عنده تاريخ التطور كما يقرره فوكوياما مستندا الى هيجل وماركس. مع ملاحظة إمكانية تعرضها للنقص والانكماش، كما حصل مع المجتمعات المدنية الإسلامية بعد الفترة الذهبية للعصر العباسي حيث اخذت بالتقهقر معيدة تلك المجتمعات الى مستويات من الثقافة اقرب الى البداوة، مما سهّل تفتتها وخضوعها للاحتلال على مدى قرون.
ان العامل الديني له من الأهمية والامكانية في رسم شكل ثقافة مجتمعاتنا الشيء الكثير. وهو بتجذره في الذهنية العامة وتمكنه منها يكاد يكون العامل الأول والمتقدم على بقية العوامل المتنافسة معه لولا العامل السياسي الذي يتمكن في اكثر من موضع من تجيير الدين واتخاذه غطاءا لنفوذه وبسط وجهات نظره وفرضها على المجتمع. كما ان العاملين الديني والسياسي يهيمنان عندنا حاليا على العامل الاقتصادي الى حد يكاد يتلاشى دوره في الثقافة الاجتماعية واقتصاره على مجرد كونه أداة عند هذين العاملين يتحركان بواسطته في أوساط المجتمع ويكرسان به نفوذهما. اننا الى الآن لانمتلك اقتصادا يتحرك باستقلالية عن الدين والسياسة ومتصارعا معهما، موجدا بذلك قطبا آخر يمكن للمجتمع ان يتمحور حوله، بل انه حتى عندما يفتح آفاقا جديدة باتجاه تمدن المجتمع فاننا نراه عاجزا عن الطرح المستقل لثقافة اجتماعية يكون ظاهرا فيها بوضوح.واكثر من ذلك نرى ان العامل الرابع، الحضاري، يزداد حضوره في التاثير الثقافي على المجتمع مقارنة بالعامل الاقتصادي. وليس المقصود بالعامل الحضاري هنا هو العمق التاريخي للمجتمع وما افرزه وقدمه من عطاءات ومساهمات في رسم مسيرة الحياة على الأرض وصولا الى ارقى ما موجود عليها حاليا. ان المقصود به هو درجة التمدن تحديدا، ومدى هيمنة الذهنية المدنية على المشهد الثقافي والسلوك الاجتماعيين.
وعندما يتطور المجتمع بفعل هذه العوامل الأربعة سيتلاشى تأثيرها مجتمعة ليتفرد الاقتصاد في نهاية المطاف في رسم شكل المجتمع وحدوده الجغرافية التي ستأخذ بالتوسع بسبب شيوع الانسجام بين عدة مجتمعات، وهو ما يقود الى اندماجها مسجلا بذلك نهاية مسيرة التراكم الثقافي في المجتمعات. الا ان مجتمعات الشرق الأوسط، وخصوصا العربية منها لاتزال بعيدة في ثقافتها، وبالتالي في تطورها عن نقطة نهاية التاريخ. ولذلك فان جهودا جبارة يجب ان تبذل من قبل المهتمين بشأنها لاجل إعادة توجيه التراكم الثقافي نحو الامام ومنعه من التقهقر. كما يمثل الربيع العربي فرصة مناسبة لاعادة رسم حدود العامل السياسي ومدى تأثيره في صياغة الثقافة الاجتماعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -وول ستريت جورنال-: حظر تطبيق -تيك توك- يمكن أن يضر بمصلحة ا


.. شركة “أوبن إيه آي” تعلن عن تحديث جديد من“تشات جي بي تي”| #غر




.. حزب الله: نفذنا 7 هجمات ضد أهداف إسرائيلية قبالة الحدود الجن


.. كلية بريطانية تتخذ موقفا من حرب إسرائيل على غزة.. هل تؤتي ال




.. السيناتور فان هولين: فشل الإدارة الأمريكية في اتهام إسرائيل