الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خصام العلم والأخلاق والسياسة

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2013 / 7 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


في ظل الخصام البنيوي بين العلم والأخلاق من جهة والسياسة من جهة أخرى أضحى من السهل عندنا بالمغرب أن تصبح رئيس حزب للاضطلاع بمهمة وزير أول . يكفي إتباع الوصفة التالية: "ربّي موشتاش كث ودبّر على شهادة ابتدائية، ولو مزورة ، واعتمد المبادئ الآتية:
- خالف تُعرف
- ولو طارت معزة ( أي التشبث بالرأي مهما كان الأمر وعدم التزحزح عنه)
- كبّرها تصغار ( الهروب إلى الأمام بتضخيم الأمور)
- هبل ترباح " ( التظاهر بالبله لتحقيق أهداف غير معلنة)
إن مثلث العلم والسياسة والأخلاق. كل ضلع منه يتأثر بالضلع الآخر، وإذا ما برز صِدام بين رؤى كل واحد من هذه الأضلاع فإن الحياة الإنسانية ستصاب بالخلل والتأزم. وهذا ما نحياه الآن بامتياز.
إن الأخلاق والعلم يشكلان الأرضية الخصبة للحوار الذي يُعدّ أنجع سبيل لحل المشاكل. وهذه الأرضية هي السبيل للنجاة من عالم القحط السياسي الذي يلفنا منذ أمد .
إن ركائز الحياة الاجتماعية هي الأخلاق، وهي لا تنحصر بالأحكام والتنظير الأخلاقي بل إن كل ما ينظم حياتنا ويسجل حضورنا في المجالات الفردية والاجتماعية ويرتب علاقتنا مع العالم الإنساني وكل ما يبلور أفكارنا وأعمالنا. إن كل هذا يمثل الشأن الأخلاقي.
فما هو السبيل للتغلب على هذا الظلام الدامس الذي نعيشه؟
هناك سبيل وحيد لا مندوحة عنه، إنها الأخلاق التي تشكل اليوم – بعد أن جربنا كل المتاهات- إحدى تباشير الخلاص من الكثير من المعضلات والطامات. الظلم والظلام لا ينهاران إلا التي تشكل الأرضية الخصبة لأي حوار بين الحضارات.
بعد مرور حول ونيف على الحكومة الحالية ، لا تزال الحياة السياسية على رتابتها وخمولها وعبثها. والشباب الذين - من مشاربهم المختلفة- انتظروا منها جزء من التعويض عن الحرمان والتهميش والإقصاء، عادوا اليوم إلى قنوطهم من غد واعد الذي طال انتظاره.
الانتظارات كانت كثيرة، ومرت الأيام ولم يحصد شباب سوى الخيبة تلو الخيبة. فكان أن ألغى معظمهم أحلامهم البسيطة، واقفلوا عائدين إلى ساحات الاعتصام وفضاءات تجعل أجسادهم قرابين لهراوات الحكومة التي عقدوا عليها الآمال. فأقفلوا أبواب الأمل الخادع وتوجهوا إلى النضال المستميت رغم شراسة "سياسة الزرواطة الحكومية"، وهذا في انتظار فرص أخرى، لا يبدو أن معالمها تلوح جديا.
فالكل يدرك – قولا - أن السياسة يجب أن تقوم على الأخلاق أولاً، وبعدها تتوالى بكل جوانبها حسب ضروراتها وأولوياتها. وسيد الأخلاق في السياسة العدل بين الجميع، كي لا ينمو القهر والاستبداد في تدبير الأمور، والتطرّف والعنف، وبالتالي تتشوّه كل المُثُل الخيّرة والقدوة الصالحة، وتفقد الثقة بين الجميع. فالمجتمع يرى – قولا - أن الأخلاق سامية جدا، ويرى – معاينة وممارسة - أن السياسة شر وانتهاز واستغلال. حيث بات منتشرٌ أن الأخلاق الحميدة في ركح السياسة لم تعدْ تجدي نفعاً، فالكذب أجدى من الصدق، والنفاق أجدى من الصراحة، ممّا شوّه الرابطة الوثيقة لهدف السياسة والأخلاق، ألا وهو منفعة البشرية وخيرها.
‭-;-فإذا‮-;- ‬-;-كان‮-;- ‬-;-العلم‮-;- ‬-;-دون‮-;- ‬-;-ضمير‮-;- ‬-;-خرابُ‮-;- ‬-;-الروح،‮-;- ‬-;-فإن‮-;- ‬-;-السياسة‮-;- ‬-;-بلا‮-;- ‬-;-أخلاق،‭-;- ‬-;-خراب‮-;- ‬-;-الإنسانية‮-;-.
إن ما نعاينه هو حضور منطق القوة والنفوذ والعنف (الفعلي والمعنوي، المباشر و"الناعم") في رسم مسارات حياتنا وتوجيهها، وتنامي شعور يميل نحو التحلل من الضوابط الأخلاقية وإباحة كل الطرق والوسائل لتحقيق الأهداف السياسية والمصالح. نعيش اليوم أبشع صور السلوكات "الميكافيلية" ( نسبة لميكيافيلي صاحب كتاب "الأمير" الذي يغلّب السياسة على الأخلاق ) . ولا يقصد بالأخلاق في ميدان السياسة حزمة القيم الشائعة عن الصدق والوفاء والشجاعة على أهمية هذه القيم وضرورتها في العمل السياسي النظيف بل أساساًً تلك العلاقة الشائكة والمعقدة بين الهدف السياسي والوسائل المفضية إليه. فليس ثمة غاية مهما بدت سامية أو مقدسة يمكن أن ترتفع فوق حق الإنسان المتساوي في الحياة والحرية والكرامة.
فالأخلاق والسياسة ماهيتان مختلفان بطبيعتهما ومن المحال احتواء إحداهما للأخرى، لكن يمكن دمجهما في تفاعل متبادل ترعاه أجواء الحرية والاعتدال والانصاف، لأن الفضيلة السياسية أو الأخلاق في السياسية لا يمكن أن تنمو في مناخات اليأس والإقصاء والتهميش ومع غياب حقوق المواطنة والعدالة والمساواة والمشاركة. وقد ميز المفكرون والفلاسفة منذ أفلاطون الفارق الكبير في البنية الأخلاقية بين الفرد الذليل والمدفوع وراء أهوائه ونزواته ومصالحه الخاصة الضيقة عن الذي يتمتع بكامل حقوقه الطبيعية، المدنية والسياسية ويصبو لقيم الخير والحق والجمال والعدل، ما يجعل الديمقراطية الخيار الأكثر إلحاحاً لبناء مجتمع معافى وإنسان سوي وأيضاً لإرساء قواعد سلوك سياسي كفاحي تنظمه القيم الأخلاقية الإنسانية وليس قواعد المكر السياسي والحوازيق (القوالب).
نسمع دائما شعار "لا سياسة بدون أخلاق"، لكن على أرض نعاين ممارسة سياسية لا علاقة لها – قطعا – بالأخلاق، نعاين تجرد السياسة من أي اعتبارات أخلاقية. علما أن "السياسة هي القيام على الشيء بما يصلحه" في منظور ابن خلدون.
نعيش زمن انهيار الركن الأخلاقي في السلوك السياسي. لم يسبق للسياسة أن ابتعدت عن الأخلاق بالدرجة التي عليها الآن، أضحينا نعيش في غابة شرسة، يتصارع فيها الجميع مع الجميع، ومن يحاول أن ينأى بنفسه عن الصراع، عليه الرضا بأن يكون هو الضحية. لا وسطية، ولا تعادلية، فإما أن تكون مفترِسا، أو مفترَسا. هكذا يحدثنا واقعنا الآن بشكل جلي.
قد يظن بعض السياسيين عندنا أنهم لا يزالون يتمتعون بقدر ما من الأخلاق في عملهم السياسي لكن الواقع يفضح الجميع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ