الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف يتم خداع الجماهير؟

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2013 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


حاليا، على امتداد رقعة العالم العربي، ستظل الجماهير تتحرك بشكل أو بآخر، من أجل التغيير وتوسيع هوامش حريتها وبناء دولة القانون والديمقراطية وتحقيق العدالة والقضاء على رؤوس الفساد والولاء للأجنبي -أي بكل بساطة – تسعى إلى أخذ دورها الطبيعي بين دول العالم وشعوبه بعد أن هُمّشت من قبل حكامها وأصبحت ضعيفة ومسلوبة الإرادة على امتداد عقود. هذا في وقت أضحت فيه تحديات العصر كثيرة ومعقدة ، وما يتطلب القيام به والتحرك من أجله يحدد مستقبل البلاد والعباد، في عالم مضطرب وخاضع للعبة الأمم ، ومع الإدراك بأن هذه التحديات حقيقة قائمة وعميقة ، فإن واقع الحال يتطلب المراجعة وإعادة الحسابات والتقييم وإحداث أكثر من قطيعة في أكثر من مجال وميدان، وذلك تمهيدا لإحداث التغيير الاستراتيجي الذي بات ضروريا في حياتنا. وإذا ما تذكرنا بأننا نعيش في عصر الحريات وحقوق الإنسان وعصر الاحتمالات المتعددة وفي عصر المعلوماتية وعصر العولمة بآثاره المعقدة ، وفي عصر أصبحت خطى التغيير فيه أوسع ومداها أبعد وتكلفة الفشل في مواجهتها ستكون عالية ومأساوية جدا . فاليوم – أراد من أراد وكره من كره- إن الجماهير اكتشفت حقها في الانتفاضة والتمرد على الاستبداد والظلم والقهر والإقصاء والتهميش ، بعد أن عانت الكثير من كل هذا.
وقد اعتمد القائمون على الأمور جملة من الاستراتيجيات لمحاولة إلهاء الجماهير أو خداعها بعد أن فرضت التطورات والمستجدات التي عرفها العالم العربي، على حين غرة، التخلي عن استراتيجية استعمال قوة الإكراه المادي القمعي دون حدود والتي كانت معتمدة وكقاعدة لصد التحركات الجماهيرية.
ومن المعلوم أن الاستراتيجية هي كلمة استخدمت أصلاً في الحياة العسكرية وتطورت دلالاتها حتى أصبحت تعني فن القيادة في مواجهة الظروف الصعبة وحساب الاحتمالات المختلفة فيها واختيار الوسائل الرئيسية المناسبة والناجعة لها. في حين أن التاكتيك هي عبارة عن مجموعة من الخطط قصيرة الأجل المتتابعة التي تعتبر استراتيجية عند تجميعها معاً وفن تطبيق الاستراتيجيات هو التكتيك الذي يعد بمثابة الطريقة المثلى للتنفيذ.

فالاستراتيجية هي مجموعة الأفكار والمبادئ والإجراءات التي تتناول ميداناً من ميادين النشاط الإنساني بصوره شاملة متكاملة. وتكون دلالة على وسائل العمل ومتطلباته واتجاهات مساراته بقصد إحداث تغييرات أو منعها من الحدوث.

فماذا عن استراتيجيات خداع الجماهير؟
أجملها العالم والمفكر نعوم تشومسكي في عشرة نقتبس منها

- استراتيجية الإلهاء أو التسلية: وهي عنصر أساسي للضبط الاجتماعي، وتتمثل هذه الاستراتيجية في تحويل أنظار الرأي العام والجماهيرعن المشاكل الهامة والتحويلات والقرارات المقررة من طرف القائمين على الأمور والنخب السياسية والاقتصادية في الحكومات إلى طوفان من القضايا الهامشية والأخبار اللامجدية وإبقاء انتباه الجماهير مُنصب على قضايا حياتية معيشية خدماتيه مثل قضايا انقطاع الكهرباء ،انقطاع المياه... أو مهرجانات ودورات رياضية وغيرها للحفاظ على جماهير منشغلة باستمرار دون أن تكون لها أدنى مجال للتفكير بالقضايا الرئيسية المحورية المستقبلية ( وقد سماها تشومسكي بأسلحة كاتمة من أجل حروب هادئة ).

- خلق أو اختلاق المشاكل ثم تقديم الحلول: وهذه الاستراتيجية تعتمد على خلق مشكلة ثم ردة فعل ثم حلول، أي مشكلة لرفع الدعم عن سلعة تموينية يكون هناك ردة فعل جماهيرية تقوم بعدها الحكومة بإيجاد الحلول المناسبة لذلك ، مثل غض الطرف عن ذلك مؤقتاً، كذلك فرض ضرائب معينة، أو زيادة الضريبة وهكذا .....

- استراتيجية التقهقر : وتتبع هذه الاستراتيجية من أجل تقبل الشعب لإجراءات وقرارات غير مقبولة تؤثر على حياته المعيشية والمستقبلية ولكن يتم تطبيقها تدريجياً وبالتقسيط على مدى عدة سنوات. مثل خوصصة الشركات الكبرى، تكون في بادئ الأمر وعود بعدم تسريح العاملين فيها ثم بعد عدة أشهر يبدأ التسريح تدريجياً مع أو دون دفع مستحقات ، حتى تصل الشركة إلى الاستغناء عن أكبر عدد ممكن من المستخدمين والعمال تدريجياً، مما خلق هشاشة اجتماعية وتفرض الشركة المخوصصة أجورا هزيلة للعمال الجدد وشروط لصالحها. فلو طبقت استراتيجية الخوصصة دفعة واحدة لأحدثت لا محالة ثورة عمالية في كل الشركات إنما تم تطبيق الخوصصة على مراحل وتسريح العمال على مراحل وهكذا .

- استراتيجية تعويض الانتفاضة بالشعور بالذنب : تعتمد هذه الاستراتيجية على جعل الفرد يشعر أنه هو المسؤول الوحيد عن شقائه بسبب نقص ذكائه وكفاءته وقدراته وتعليمه مما يسبب حالة اكتئاب لدى الفرد /المواطن / الشاب الباحث عن العمل ، وبالتالي تثبط من عزيمته.

- استراتيجية العاطفة بدل التفكير: وتعتمد هذه الاستراتيجية على المحافظة على فرق كبير بين سكان المناطق النائية عن المناطق الحضرية سواء في جودة التعليم أو الخدمات الصحية أو الخدمات الرياضية والثقافية وغيرها.
إذن تعمل هذه الاستراتيجية على بقاء هوة الجهل التي تعزل الطبقات الاجتماعية الدنيا عن الطبقات الاجتماعية العليا. فجودة الخدمات التعليمية المقدمة إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا في المناطق النائية هي الأضعف كذلك جودة الخدمات الصحية وغيرها، إن لم تكن غائبة بالمرّة .

- استراتيجية تشجيع الجماهير على قبول البلادة أو الجهل أو البلاهة (لا داعي لتفسيرها)... وهكذا...

علما أن الاستراتيجيات الحديثة في الدول الديمقراطية التي تحترم مواطنيها تبنى على التشاركية مع كافة الجهات المعنية في كافة القطاعات العمومية والخاصة لمواجهة الصعوبات وتحقيق الأهداف ومعالجة الأزمات مهما كان نوعها، ولن يتأتى ذلك إلا بنزول القائمين على الأمور وصناع القرار إلى الميدان والتعايش مع المواطنين همومهم وقضاياهم المعيشية لتتجاوز كل المحن المعيشية التي من الممكن أن تعترضهم. فعهود الوصاية على الجماهير وحجرها قد ولّت بلا رجعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا