الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النَسْر

صبري هاشم

2013 / 7 / 12
الادب والفن


***
النَسْر
***

في أعلى البرجِ في برلين
نسرٌ منذ الضحى حطَّ
كيف أخطأ نحو الجبالِ السبيل ؟
كيف قطعَ المسافةَ ؟
هل يدري أحدٌ ؟
إنما الطائرُ كان زائرَ برلين الغريبَ في ساحةِ الكسندر
كان الزائرَ السماويَّ في هذا المخاضِ .
نسرٌ يتفرّسُ تارةً في تمثالِ الشيخين ماركس وإنجلز
وتارةً يُحَدِّقُ بعقاربِ الساعةِ العالميةِ وكأنه على موعدٍ ما
أو هو على موعدٍ مع ساعةِ صفرٍ
نبتون إلهُ البحرِ الجاثمُ على مقربةٍ مِن الشيخين يشحذُ فالتَهُ تحسُّباً لأيِّ طارئٍ .
نبتون إلهُ البحرِ المُتجبِّرُ
يوعزُ لحورياتِه أنْ يحذرْنَ مِن تقلُّبِ مزاجِ الطائرِ
ويأمرُ كائناتِهِ أنْ تدخلَ الماءَ .. أنْ تختفيَ تحت الموجِ
مازلنا في الظهيرةِ
نرقبُ نوايا الطائرِ العملاق
ونمتحنُ سلوكَ الريحِ
في ساحةِ الكسندر هاجتِ النّوارسُ
فزعَ الحمامُ
وأطيارٌ أخرى تركت المكانَ
فيما النسرُ لا يكفُّ عن مراقبةِ عقاربِ الساعةِ
وتمثالِ الشيخين غير عابئٍ بالبشرِ
الشمسُ الصيفيةُ في أحسنِ طلّةٍ
ورذاذٌ يأتي مِن نافورةٍ
يسقي وجوهَ صبايا قبّلتها الشمسُ
جئْنَ اليومَ في قافلةِ السيّاحِ
مازلنا في منتصفِ الميدان
نُرثي ماضينا
وأمام نهودِ الفاتناتِ نتحسّرُ
آه ما أبخلَ تلك الأيام !
ما أحلكَ تلك الأزمانَ !
كأنّ العمرَ حزنٌ وبكاء
مازلنا في منتصفِ الميدان
نتأهبُ لكلِّ احتمال
نرقبُ سلوكَ الطائرِ
وننتظرُ ما سوف تسفرُ عنه تلك الحَيْرَةُ
هذا نسرُ الغلطةِ
هل هذا نسرٌ للغلطةِ ؟
لا أظنُّ فالطائرُ هذا لا يُخطئ درباً في سماء
الطائرُ هذا خبرَ الأمكنةَ وسبلَ الماء
ما بعد الظهرِ اجتمعتْ قوافلُ السيّاحِ
واُسْتُلّتْ نواظيرُ لكي تُقرِّبَ سلوكَ الطائرِ المحميّ برأسِ البرجِ
عدساتُ التصويرِ هي الأخرى جُهِّزت للغرضِ نفسِهِ
الشيخان مازالا هادئين وسطَ المرجِ الأخضر
حورياتُ نبتون مازلنَ يخطفْنَ قواريرَ البيرةِ مِن أيدي شبابٍ لُطَفاء
والنسرُ الفاجعُ يزرعُ الذّعرَ في نفوسِ حماماتٍ لا يعرفْنَ غيرَ الأمان
وفي سلوكِ النوارسِ القادماتِ مِن نهرِ شبريه المعتمِ
هذا نهرٌ بلا لونٍ
أو هو بلونِ الاسمنتِ
بلونِ القاعِ
هذا نهرٌ بلونِ الطينِ
لم أرَ نهراً بهذا اللون
بالبشرِ تلهو النوارسُ
بالنوارسِ تلهو البشرُ
أنا وقوافلُ السيّاحِ وكلُّ الأطيار
ننتظرُ انقضاضاً مِن نسرٍ أخطأ سبيلَ الجبالِ وولجَ المدينةَ
تُرى هل أخطأ النسرُ سبيلَ السماء ؟
عصراً فرشَ النسرُ جناحيه
عصراً صفّقَ بهما
عصراً أقلعَ مِن أعلى البرجِ نسرٌ
عصراً حلّقَ بعيداً
صار شاهقَ الارتفاع
نحوه توجّهت نواظيرُ السيّاح
نحوه صوِّبت الكاميراتُ
بعد دقائقَ مِن التحليقِ انقضَّ مِن شاهقٍ نحو تمثالِ الشيخين
اقتلعهما مِن مكانِهما وارتفع
العيونُ تُتابعُ النسرَ الذي توارى
خلال ثانيتين توارى
بلمحِ البصرِ عن الأنظار توارى
حملَ بين مخالبِهِ تمثالَ الشيخين وغاب.

31 ـ 05 ـ 2009 برلين

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل