الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعددية الحزبية في الشام في ظل السلطات الزمنية

نضال القادري

2005 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


أما بالنسبة للأحزاب في الجمهورية العربية السورية التي تقول بمفاهيم الوحدة بطرائق مختلفة، فقد ظلت تعيش هامش العزلة واستلحاق الواقع، وقد عرفت التعددية والعمل تقلبات مثيرة ومتلاحقة، ومرت بفترات مد وجزر، ظهرت فيها أحزاب سياسية جديدة عملت بأشكال مختلفة، كما تحكم الجيش في السياسة وقام بحل كثير من الأحزاب أو جعلها محظورة في عملها العلني. وسادت أيضا الاقتراعات المطبوخة سلفا وعرف الناس رئيسا ينتخب بنسبة 99.99% لفترات طويلة. ولتسهيل فهم الخريطة الحزبية الشامية على تعقيدها، وللوقوف على الانشقاقات وتوالد الأذناب الحزبية من الأحزاب التاريخية، ينبغي أن نبدأ بتحقيب المشاهد الزمنية التالية: في عهد التعدد الحزبي إبان رئاسة هاشم الأتاسي، من عام 1946 إلى 1949 ظهرت في الساحة تشكيلات حزبية بقوة كبيرة كان أبرزها الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب الشعب، الحزب الوطني، الحزب الشيوعي وجماعة الإخوان المسلمين. ثم تأسست أحزاب سياسية جديدة هي: حزب البعث، الحزب الاشتراكي العربي والحزب التعاوني الاشتراكي. من بعدها، دشنت الشام عهد الانقلابات العسكرية لأول مرة في تاريخ العالم العربي الحديث، فأغتصب العقيد حسني الزعيم الحكم بطريقة مبرمجة، ولم يكتف بإلغاء الديمقراطية بل اكتسح في إنتخابات رئاسية في حزيران 1949، وصفت بكونها انتخابات معدة على قياسه، حصد من خلالها على نسبة تفوق 98% من أصوات المقترعين. وظلت الأحزاب محظورة في عهده، كما زج بقياداتها في السجون. إلا أن عهد حسني الزعيم لم يدم طويلا، لقد تمت إزاحته بانقلاب عسكري، فكان من نصيب التعددية الحزبية أن عادت إلى الشام في نهاية عام 1949 بأصدر الرئيس الجديد سامي الحناوي قرارا برفع الحظر عن الأحزاب السياسية، باستثناء الحزبين الشيوعي والتعاوني الاشتراكي. بدوره في 19 كانون الأول عام 1949 بعد إزاحة الحناوي في انقلاب تم بقيادة أديب الشيشكلي، تم حل مجلس النواب وحظر النشاط الحزبي في كانون الثاني عام 1952، وبخاصة الحزب الوطني وحزب الشعب والإخوان المسلمين والتعاوني الاشتراكي، ثم قام بتشكيل حزب التحرير العربي الذي أشهر له الولاء. أما القشة التي قسمت ظهر البعير، وكانت خاطئة بكليتها، هي الوحدة المفروضة بين سوريا ومصر ما بين الأعوام 1958 وحتى 1961 ، حيث انفراط فيها عقد الأحزاب وجمدت، وهو شرط فرضه الرئيس المصري جمال عبد الناصر لتحقيق الوحدة بين القطرين، وبذلك وضع حدا لفترة التعددية بقي حتى الإنفصال. أما في إباّن الوحدة السورية ـ المصرية، كان الظابط "صلاح جديد" برتبة رائد في سرب الطيران الليلي، وقد نقل هذا السرب أواخر عام 1959 إلى مصر. وكان قد أصاب "جديد" وأربعة من رفاقه شعور بالصدمة والسخط ضد الأستاذين عفلق والبيطار، مؤسسي حزب البعث، اللذين اتخذا قرارا بحل الحزب سنة 1958، وقرر الرفاق (محمد عمران، حافظ الأسد، عبد الكريم الجندي، أحمد المير) أن يقيموا تنظيماً سرياً أطلقوا عليه إسم (اللجنة العسكرية) وكانت أهدافهم الظاهرة هي: إعادة بناء حزبهم المشتت، ووصول حزب البعث إلى السلطة، ومن ثم النظر في أمر الوحدة العربية. أما عام 1962 فقد عرف صدور قانون الطوارئ لأول مرة في تاريخ الشام، الذي كانت غايته قمع التيارات الوحدوية، وقد تعاقبت خلال ذلك العام 6 حكومات في دمشق. ورغم الحظر الحزبي، فقد تشكلت في مواجهة الانفصال قوى جديدة هي حركة الوحدويين الاشتراكيين والجبهة العربية المتحدة، إلى جانب حركة القوميين العرب، وحزب البعث العربي الاشتراكي.

هذه المرة، حزب البعث العربي الإشتراكي يستلم الحكم في الشام، حيث ساهم الضابط صلاح جديد بصفته واحداً من ضباط اللجنة العسكرية في انقلاب 8 آذار 1963، واستطاع ورفاقه البعثيين الوصول إلى الحكم، والقضاء على كل مقاومة منظمة لحكمهم. وقد اعتبر بأنه يمثل اليسار الماركسي المتطرف في قيادة الحزب، ويطلق الشعارات اليسارية المتطرفة، وقد مهد لصدور قرار التأميم عام 1965، وفي الطريق إلى السيطرة على الحزب والسلطة، أمر بخطوات عديدة منها: تقديم الترويج لرفيقه زكي الأرسوزي (العلوي)، لأسباب طائفية، على أنه صاحب الفكرة الأولى لتأسيس حزب البعث العربي الإشتراكي ليحل محلّ ميشيل عفلق (المسيحي) الذي تم التخلص منه بقرار حزبي، وأكمل الضابط صلاح جديد فصل الربيع بفصل رفيقه صلاح البيطار من الحزب في مؤتمر نيسان 1964، أما بتاريخ 23 شباط 1966، فقد قام ورفاقه بالانقلاب على واجهة الحكم المتمثلة بالسيد أمين الحافظ بعد أن انحاز إلى ميشيل عفلق وتخلى عن اللجنة العسكرية في لعبة الصراع على السلطة، علما أنه قد سمي رئيساً لمجلس الرئاسة والأمين العام للقيادة القطرية والقائد العام للجيش ورئيس الوزراء، وأمسك عندها الضابط "جديد" بالسلطة، وبات الجميع في الحزب والجيش والجهاز الحاكم من جماعته، علماً بأنه ظل محتفظاً بمنصبه الحزبي (الأمين العام القطري المساعد)، أماّ الواجهة العملية فكان رئيس الدولة نور الدين الأتاسي.

بعد كل ما قد سبق، ولأسباب كثيرة أخرى، من بينها لعبة السلطة والحزب، جاء المؤتمر القطري الرابع في أيلول 1968 ليعلن عملانيا ازدواجية السلطة وصراع الضابطين رفيقي الأمس: صلاح جديد وحافظ الأسد، الذي لم يتأخر في اتخاذ الإجراءات المناسبة التي جاءت قاتلة مع دعوة الضابط "جديد" إلى مؤتمر طارئ للقيادة القومية في 30 تشرين الأول لمحاسبة حافظ الأسد وزير الدفاع (على خلفية الحرب الأهلية في الأردن ودور الشام)، وما أن انتهى المؤتمر الذي أكد خط "صلاح جديد" حتى عاجله حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني 1970 بحركة تصحيحية، فاعتقل خصومه، وأرسل صديق الأمس ورفيق البعث (صلاح جديد) إلى سجن المزة الذي ظل محتجزاً فيه إلى أن توفي عام 1993. أما الضابط الفريق حافظ الأسد فقدم مقولة حزبه التصحيحي في الوحدة فقال: "إن الوحدة العربية هدفنا الأسمى الذي لن نمل ولن نكل في النضال من أجل تحقيقه، ولن نتردد في الإقدام على كل خطوة ممكنة على طريقها. إننا جزء من الأمة العربية وفي القلب منها، وإلى أن يتحقق هدف الوحدة العربية فإننا سنظل عاملين مجدين في سبيل التضامن العربي وتعزيزه". لقد كان هذا على الصعيد النظري، أما عمليا فقد عرفت هذه الفترة، على مستوى النشاط الحزبي والديمقراطي، بقمع الاتجاهات الناصرية وإغلاق الصحف المؤيدة لها (بردى، الوحدة، العربي..)، وإغراء قيادة حركة الوحدويين الاشتراكيين (الناصرية) ذات الأصول البعثية بحل الحركة، وإدماجها في حزب البعث العربي الإشتراكي الذي تربع وحيدا على عرش السلطة ليقود المجمتمع بالدم والنار والإعمار، حيث تمثل الإغراء بإبعاد الأخير عن حلفائه الخارجيين والداخليين مقابل إعطائه نصف المواقع والمناصب في القيادات الحزبية ومؤسسات السلطة. وبذلك تم احتواء التيار الناصري الواسع في قواعد الحركة. ومع قيام الحركة التصحيحية عام 1970 التي أعلنها الفريق حافظ الأسد، تمت إزاحة رموز البعث أصحاب الإتجاه اليميني، ودشن التصحيح صيغة جديدة في التعامل أسماها "الديموقراطية الشعبية"، وذلك بإنشاء جبهة سياسية تقدمية على النسق المعروف في أوروبا الشرقية الشيوعية سابقا، وأطلق عليها تسمية "الجبهة الوطنية التقدمية"، وهي لا تضم إلا بعض الأحزاب اليسارية في الشام. تأسست الجبهة في 7 آذار 1972 أي بعد عامين على قيام الحركة التصحيحية، وتضم 6 أحزاب هي: حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي السوري والاتحاد الاشتراكي العربي وحزب الوحدويين الاشتراكيين وحزب الاشتراكيين العرب والحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي. أما في أواخر العام 2001 فأصبح الحزب السوري القومي الاجتماعي يحضر اجتماعات الجبهة بصفة مراقب، ويعامل كما لو أنه قد رخص رسميا، أو أعيد اعتباره من جراء إلصاق تهمة قتل العقيد عدنان المالكي، واعتبار رئيس حزبه جورج عبد المسيح أنذاك متورطا مع أخرين فيها، والكل كان يعرف أن الهدف المخفي منها كان إنهاء الحزب والتنكيل بأفراده على جميع الأراضي الشامية، في وقت ظهر الإتجاه الناصري يتصاعد ممهدا للسيطرة على كل شيء على خلفية قيام حركة الظباط الاحرار في مصر وما رافقها من أجندة على المستوى القطري في مصر والعروبي في دول الجوار المشرقي، وعلاقاتها الدولية في الفلك الشيوعي والإشتراكي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة