الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر في ذكرى ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة

خليل محمد إبراهيم
(Khleel Muhammed Ibraheem)

2013 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


خواطر في ذكرى ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة
ثورة الشعب العراقي الكبرى
د. خليل محمد إبراهيم
أديب، باحث ومفكر
العواصف التاريخية العظمى؛ غالباً ما تقع على غير توقع، وبعد هدوء عميق، فالموج الهادئ؛ الرقيق الانسياب؛ غالباً ما يخفي تحته تموجا عنيفا قلَّ من يكتشفه.
وفي فجر الرابع عشر من تموز 1958/ قبل خمس وخمسين سنة- كان في العراق الحبيب؛ نوعان من الناس؛ أحد هذين النوعين؛ إنسان نائم؛ قد يكون محتاجا للتغيير، وقد لا يكون، لكنه لم يساهم في التغيير، وهناك نوع أهم هو النوع المساهم في التغيير؛ عن علم أو بلا علم؛ هذان النوعان؛ تفاجأا؛ كل منهما تفاجأ بطريقة خاصة/ ليس هنا مجال بحثها- لكن المفاجأة هي المهمة؛ هذا النظام الذي يفترض أنه قوي الدعائم محروس من جهات دولية وداخلية؛ عديدة وبوسائل متنوعة/ حتى لقد نسبوا إلى أهم رؤساء وزاراته (نوري السعيد) هوسة (دار السيد مأمونة)- هذا النظام؛ كان متهرئا إلى مستوى لم يجد من يدافع عنه، أو لنقل:- أنه أوشك ألا يجد من يدافع عنه، وحتى الذين جاؤوا من وراء البحار/ من الأمريكان والإنجليز- فنزلوا في لبنان والأردن؛ تريثوا في مهاجمة ما أسموْه حصان الثورة العراقية الجامح؛ الذي وجد شعبا مستعدا للدفاع عنه لسبب واحد هو أنه أحب هذه الثورة.
وإنما كان هذا الحب؛ نتيجة مطامح الناس؛ الذين حاولت/ هذه الثورة- أن تنصفهم؛ فإن ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة؛ قدمت للشعب قوانين مهمة وخطيرة/ على طريق النضال الشعبي- من أمثال قوانين الإصلاح الزراعي، والعمل، والأحوال الشخصية، وقانون النفط رقم 80/ الذي حجَّم استغلال شركات النفط الأجنبية التي كانت تتحكم في (العراق) ونفطه- مع الخروج من حلف بغداد، والخروج من المنطقة الإسترلينية، فقد وضعت الثورة (العراق) الحبيب/ فعلا- على طريق الرأسمالية بعد أن كان في ظل الإقطاع الرهيب؛ الذي حطّمت الثورة أسنانه؛ يوم ألغت قانون (دعاوى العشائر).
أقول:- إن ثورة تموز؛ نقلت (العراق) الحبيب؛ من نظام الإقطاع؛ إلى النظام الرأسمالي/ وافقنا على ذلك أم رفضناه- لقد وجدت الثورة صيغا مناسبة لهذا التغيير بأشكال قانونية أو اقتصادية.
ففي ذلك الوقت؛ قلَّ من كان يمتلك المذياع، لكن ثورة الرابع عشر من تموز؛ أدخلت إلى بيت المواطن العراقي الاعتيادي/ إضافة إلى الراديو- التلفزيون والثلاجة وغسالة الملابس والطباخ النفطي، بل أدخلت إلى بيته أشياء؛ ما كان ليحلم بدخولها إلى بيته من مقتنيات الأثرياء، إذ من الذي كان يمتلك مبردة هواء قبل الثورة؟!
لقد كان وجود ثلاجة أو غسالة ملابس أو ما إلى ذلك يُعد من دلائل الثراء التي لا يُفكّر بها كل أحد.
هذه أشياء؛ ما كانت من أحلام الفقراء، بل ما كانت من أحلام الطبقة الوسطى، فلما جاءت الثورة أدخلتها إلى بيوت المواطنين في السنة الأولى أو حفزتهم على التفكير بها في سنين قادمة، لقد شجع هذا الأمر التجار على التحرك والاستيراد، كما حفز الصناعة الوطنية على النهوض، فلما وجدت الثورة التجار/ ولأسباب متعددة- عاجزين عن تلبية مطامح الشعب/ بل مستغلين هذه المطامح لصالحهم ضد صالح الفقراء- شجعت على إنشاء جمعيات تعاونية لتوفير هذه البضائع، بأسعار مخفضة فعلا، وبأقساط ميسرة فعلا، فلما رأت الثورة إقبال الناس على التسوق، وعدم قدرة الموظف على دفع الأقساط؛ حصرت ما يمكن استقطاعه من راتب الموظف في خمس راتبه، لا يمكن تجاوز هذا الحد، وأظن أن هذا القانون؛ ما يزال ساريا.
إن هذا الأمر يعني تشغيل الناس، فهذه الأجهزة؛ تحتاج إلى من يصنعها وإلى من ينقلها من المصانع إلى المتاجر ثم من المتاجر إلى أماكن الاستعمال، ثم إنها/ نتيجة الاستعمال- ستتعطل، وستحتاج إلى من يصلحها؛ الأمر الذي وفر عملا للكثيرين؛ دون ضجيج، بل سهّل عمل النساء.
وكان هذا التحول؛ محتاجا إلى وسائل نقل وتخزين، فإذا بالشوارع تفتح أو يخطط لفتحها، وإذا بالجسور تنشأ أو يخطط لإنشائها، وإذا بالخط العريض؛ يخطط لإنشائه، بمساعدة الاتحاد السوفياتي، فيحتاج إلى الكثير من المصانع التي بنتها الدولة لخدمة السكك الحديدية، وما تزال عربات السكة الحديدية التي تكاتبت الدولة مع دولة المجر؛ هي العاملة على هذا الخط أو ما يزال أشباهها عاملا منذ عشرات السنين؛ لم يتبدل/ فيما أعلم- إلا قليلا، أو تبدَّلَ منذ وقت طويل، فلم يعد صالحا للاستعمال، فمن الذي فكر بالتطوير؟!
ولكي يشتري الإنسان بضاعة ما، فإنه محتاج إلى بيت يسكنه؛ فيه مستلزمات معينة؛ منها الكهرباء؛ من هنا أنشأت الدولة خطوط الضغط العالي الكهربائية؛ التي ما تزال تغذي العراق بما يتاح لها من الكهرباء، فلم تتوفر إنجازات جادة استراتيجية في الكهرباء؛ بعد هذه الخطة، بالعكس، لقد تم العمل على تخريب هذا الصرح العظيم؛ الذي بلغ آخر قرية في العراق/ يوما ما- وهو/ اليوم- بفضل...، لم يعد قادرا على تلبية حاجة بغداد، فبعضهم كان حريصا على تخريب ما في العراق، وبعضهم الآخر كان حريصا على استمرار التخريب، وسرقة أموال الشعب بالباطل، فقد قال السيد جورج بوش/ الابن؛ الرئيس الأمريكي الذي تم احتلال العراق في زمنه- (العراق فرصة) وقد استغلها من استغلها، بغض النظر عن الادعاءات الدينية؛ التي ثبت أنها لا تساوي الحديث عنها.
وكما أنهم بعد الثورة؛ احرقوا محطة تعبئة وقود الكيلاني، فقد أحرقوا/ بعد الأحداث- مصفى الدورة، وفجروا أكثر من محطة تعبئة، واختطفوا بعض العاملين في مصافي النفط، وخربوا جوانب من خطوط النفط؛ الموصلة إلى المصافي أو إلى موانئ التحميل، بل هربوا المشتقات النفطية أو أخفوها، فباعوها في السوق السوداء حينا وحرموا منها المواطن المحتاج أحيانا، فهم هم لم يتغيروا، فعلوا ما فعله آباؤهم الروحيون، بعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة وفعلوا الشيء نفسه حين استلموا السلطة مرتين، فقد عاش الناس/ في ظلهم- عرضة للأزمات.
من هنا لم يعد المواطن الاعتيادي يفكر في إيجار دار يسكنها؛ ناهيك عن أن يملك دارا/ كبرت أم صغرت- مع أن قوانين الثورة وزعت الأراضي على الموظفين والعمال بأثمان قليلة ميسرة، ووزعت على الفقراء أراضي مدينتي الثورة والشعلة في بغداد الحبيبة مجانا/ ناهيك عما وزعته في المدن الأخرى- ويسرت أمر البناء بسلف تعطيها النقابات والجمعيات التعاونية والمصرف العقاري، حتى ملك البيوت المتنوعة؛ الكثير ممن لم يكونوا/ قبل الثورة- يحلمون بامتلاك البيوت بل ما كانوا يحلمون بالسكن في بيوت الطين، فقد كانت الصرائف تملئ بغداد الحبيبة ومدن العراق الأخرى.
ومع ذلك، لم ينل رئيس الوزراء الذي شجع على كل هذا؛ قطعة أرض يسكنها؛ أنا أذكر أننا في مدرسة الكرادة الشرقية الابتدائية الأولى للبنين؛ أدينا الامتحان الوزاري للدراسة الابتدائية للعام الدراسي 60- 61/ وكان مركزنا الامتحاني في مدرسة (عادل) قرب بارك السعدون- لم نكن نعلم مسكن مَن هذا المسكن الذي نقف بجوار جداره، ولم يكن يعنينا ذلك، كنا نتصور أنه بيت عادي، لكن لم يكن في هذا البيت العادي أحد؛ لم نرَ أحدا خرج منه أو دخل إليه، حتى جاء يوم خرجت فيه من هذا البيت؛ سيارة كان الناس يعرفونها، إنها سيارة الزعيم الذي أشار إلينا بالسلام، ورددنا عليه بالتصفيق، وعلمنا أن الزعيم؛ يسكن هذه الدار المتواضعة التي لا يحرسها إلا الله تعالى؛ مع أن محاولة اغتيال الرجل؛ تمت قبل أن ندخل هذا الامتحان.
لم نعرف هذا/ فيما بعد- فحسب، لكننا علمنا أن الذين عفا عنهم؛ هم الذين قتلوه ظالمين لأنفسهم وله وللشعب العراقي المسكين، وعرفنا أن صاحبه الذي خانه كما خان الشعب حين تآمر على الثورة، والذي أنقذه زعيم الثورة من الإعدام، وخصص لأهله راتبا تقاعديا؛ هذا الشخص الذي لم يردّ الجميل إلا بما في ضميره حين وافق على قتله/ بعد محاكمة صورية؛ تتفق مع عدالتهم استمرّت عشر دقائق- لم يفكر له بمجرد راتب تقاعدي، لا يستلمه أحد، لأنه لم يتزوج، وبالتالي فليس لتقاعده ورثة، لكن الله تعالى يمهل ولا يهمل؛ أرأيت كيف فعل الله تعالى به حين احترق في طائرة عمودية، فقال عنه العراقيون:- (صعد لحم ونزل فحم) وإذ أنسى/ لا أنسى- كلمة امرأة عراقية كانت منزعجة من أبنائها يوم تشييع عبد السلام حيث قالت:- (الناس كله فرحانة ومتونسة إلَّ آني مَطالعة أتفرج) نعم لقد كان تشييع عبد السلام عارف فرجة، فسبحان الله الذي لا ينسى عباده الصالحين والطالحين، لكن المشكلة؛ تكمن في أن الناس ترى، ولا تجيد الربط، ولا تحسن التحليل، (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) فسبحان الله العظيم الذي يمهل ولا يهمل، ومع ذلك فقد سمى الناس الشارع/ الذي كان البيت الذي كنا نتظلل بجداره في آخره- (شارع الزعيم)، حتى يوم الناس هذا، فهل ترى أمر الله سبحانه وتعالى؟!
وعلى كل حال، فبفضل قوانين ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة؛ بلغ (العراق) الحبيب؛ أن ليس فيه كوخ؛ على عكس ما كان قبل الثورة، وعلى عكس ما هو قائم الآن؛ من عشرات العشوائيات؛ التي لا يدرون ماذا يفعلون بها، وبأهلها، فهي/ بزعمهم- تقف في طريق تطوير البلاد، وهم عاجزون عن التخلص منها، لذا فهم لا يُطوّرون البلاد.
بعد الثورة؛ صدر قانون الإيجار الذي ما يزال المستأجرون يستفيدون منه، وقد جرت محاولات قانونية كثيرة للتخلص منه لصالح المؤجرين، لكنها تعلقت، لأن أزمة السكن اشتدت، ولم يجد المواطن حلا يخلصه من الحاجة إلى هذا القانون، فلا أراضيَ أو شققا يتم توزيعها على المحتاجين، ولا تحسنا جديا في الدخول؛ يمكن المستأجرين من زيادة الإيجار أو ترك السكن، بغية السكن في مكان أفضل/ بل أسوأ- وهكذا يتصور الإنسان أنه لو استمرت الثورة في طريقها، لتطورت الرأسمالية في العراق، ولتغير الحال الآن.
إن الذين وقفوا في طريق الثورة بالأمس؛ هم الذين يقفون اليوم في وجه تطوير المجتمع العراقي بشكل يعينه على التخلص من المشكلات التي يعاني منها، فالفساد؛ قد ساد، ولا أحد يطيق الوقوف في وجهه كما يبدو، فهاهم الأمريكان يعلنون أن الأموال التي يزعمون رصدها للعراق؛ يستهلكها الفساد ، وها هو أحد السادة وزراء التعليم العالي والبحث العلمي يضع يده على الفساد في وزارته التي استهلكت أموال الدول المانحة في إيفادات غير مثمرة حيث يقول سيادته:- "المنح الدولية استهلكت بالإيفادات غير المجدية" ؛ ترى ماذا فعل هو/ أو من جاء بعده- لهؤلاء المفسدين؛ الذين استهلكوا أموال الشعب بلا جدوى؟!
وأين هيئة النزاهة، وهيئة الرقابة المالية، ومجالس المحافظات، والمفتشيات العامة، والمجلس النيابي؟!
كثرت دوائرها وقلّ فَعالها كالطبل يكبُر وهو خال أجوف
ومسألةُ ما هو معروف بقضية (19000000000 دولار الأمريكية المخصصة لإعمار (العراق)، والتي لا يدري أحد أين حلَّ بها الدهر، وقد نُسيتْ/ في ما نُسيَ من ملفات (العراق) المسكين- الكثيرة، مثل هذا يُقال عن المليارات التي سرقتها محاسبة في أمانة بغداد، وغيرها كثير.
أن أحدا لا يستطيع أن يقول أن الفاسدين كلهم من الموظفين الجدد، فــ 70% من الموظفين الفاسدين؛ أكثر كثيرا من الموظفين الجدد، ولو فرضنا أنهم الموظفون الجدد، فمن الذين علموهم الفساد ودلوهم على طرقه القانونية؟!
وأيا كان الفاسدون، ففيم السكوت عليهم؟!
إن الفساد الذي ساد البلاد، والذي ظهر بلا خجل، ساندا للإرهاب مستندا إليه؛ لم يظهر فجأة، لكنه نخر في جسد الدولة العراقية سنين طويلة، حتى بدا بهذه الحدة؛ فالذين أرهبوا الشعب بعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة وقتلوا أفاضل أبنائهِ وخوفوا الكثيرين؛ هم أنفسهم الذين أنجبوا الأبناء الضالين؛ الذين يرهبون العراقيين قتلا وتخويفا، وأبناؤهم الروحيون؛ هم الذين استقبلوا الذكرى السابعة والأربعين للثورة بقتل 32 طفلا أكبرهم في الثالثة عشرة من عمرهِ، وأصغرهم في اليوم الرابع من عمره/ كان ذلك يوم 13 تموز 2005 في النعيرية- قد يقول قائل هذا حديث عن زمن مضى وانقضى، وهنا يجدر بالإنسان أن يذكرهم بما حصل في حزيران 2009/ شهر انسحاب القوات الأمريكية من المدن والقصبات العراقية- ومن يتتبع الصحف العراقية؛ يعلم أنه يوشك ألا يمر يوم بلا إرهاب، وإذا كان الإرهاب عالي الصوت، فإن الفساد جاد الفعل، لكنه خفيض الصوت، ترى حتى متى يبقى الإرهاب والفساد، بهذا الشكل العنيف والعنيد؟!
إن الذين وقفوا في طريق تطور الثورة؛ هم أنفسهم الذين يقف أبناؤهم الروحيون/ اليوم- في طريق تقدم البلاد والعباد، بغض النظر؛ عن تسمياتهم المختلفة.
إنهم يقفون ضد تقدم شعبنا العظيم، لا بالفساد فحسب، لكنهم يقفون في طريقه بالنار والحديد والكذب والتذبذب، كلما تغير هو أن إمكانياتهم المالية والتسليحية والتدريبية قد تحسنت، كما تحسنت إمكانياتهم الإعلامية، فالذين يفجرون الأحزمة الناسفة أو العبوات الناسفة أو السيارات المفخخة بين الناس؛ هم أنفسهم الذين استورد آباؤهم الروحيون؛ رشاشات بور سعيد، ليقتلوا بها الشعب العراقي، وهم أنفسهم الذين أراد آباؤهم الروحيون؛ تفجير قطار شعبي في 8/ 3/ 1959 وآباؤهم الروحيون؛ هم الذين تآمروا على الشعب في الموصل، وآباؤهم الروحيون؛ هم الذين قتلوا من أسقطت الحكومة الملكية الجنسية العراقية عنه؛ إنهم لم يختلفوا إلا من حيث الإمكانيات، فإمكانياتهم/ اليوم- أفضل من حيث التمويل والتسليح والتدريب والإعلام/ وهو ما ألمح إليه السيد رئيس الوزراء (نوري المالكي) أكثر من مرة في خطب سبقت- أما الانتحاريون، فتوفيرهم يسير، إن بلادهم متخلية عنهم؛ تريد التخلص منهم، فهي تسهل لهم الخروج، وتشجعهم عليه.
إني أنظر فأرى العراقيين/ اليوم- يعيشون مشكلتين كبيرتين متداخلتين؛ إحداهما عناء، فكيف بهما معا؟!
هاتان المشكلتان هما أننا نعيش ظروف ما كان عليه أجدادنا في العشرينات، وما عاشه آباؤنا بعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة.
ففي العشرينات؛ كان الشعب مكلفا بكتابة الدستور، وَكَتَبَهُ بغض النظر عما قاله الشعراء فيه، ومما قاله الرصافي العظيم فيه:-
عَلَم ودستور ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها أما معانيها فليست تعرف
مَن يقرأ الدستور يعلمْ أنه وَفقاً لصكّ الانتداب مصنَّف
من ينظرِ العَلم المرفرف يلقَه في عزّ غير بني البلاد يرفرف
للإنكَليز مطامع ببلادكم لا تنتهي إلاّ بأن تتبلشفُوا
ومع ذلك؛ لم يقُلْ أحد بإسقاط الدستور، لكنهم تكلموا عن تغييره، والتغيير شيء، والإسقاط شيء آخر.
وبعد الثورة؛ عانى الشعب من الظالمين الذين كانت مهمتهم إجهاض الثورة، وإخراجها من عيون أبنائها إن لم يتم القضاء عليها، وهانحن كتبنا الدستور/ بما فيه وما عليه- بأيدِ عراقية، والظالمون يعرقلون ذلك بكل وسيلة، فهم يأملون أن يفقد الشعب أمله في المستقبل، بعد أن يفقد ثقته بقادته المخلصين، وقد نجحوا إلى حدٍّ كبير، فهناك مَن نادى بإسقاط الدستور، وماذا بعد إسقاط الدستور غير التخبّط؟!
ثم راحوا يُنادون بإسقاط النظام، وماذا بعد إسقاط النظام/ أي نظام- غير الفوضى؟!
إذن، فنحن نُطالب بالتغيير، على أن يكون التغيير لما هو أحسن، أما أن نصل لما هو أسوأ، فلا يقول بهذا عاقل.
وقد يقول قائل:- (هاهم ثوّار الربيع العربي؛ يُنادون بإسقاط الدستور والنظام، فما الذي نختلف به عنهم؟!)
وأتساءل:- فإلى ماذا وصلوا؟!
هل وصل قطر واحد من أقطارهم، لما هو أفضل؟!
إن التغيير الصالح، لا يكون إلا بعد وعْي وتخطيط، وبدون ذلك، فما أخطر الفوضى؟!
لقد جرّب (جورج بوش) الابن؛ الفوضى غير الخلاقة؛ في (العراق) المسكين، فوجد أنه لا يضرُّ البلاد والعباد؛ شيء أكثر من الفوضى، لذلك وجّه إليها أقطارا عربية معلومة؛ تقف تركيا عرابة لها، فلماذا لا يجرّب الأتراك أو الأمريكان؛ منافع هذه الفوضى غير الخلاقة، ويخصوننا بها؟!
ومهمة الشعب وقادته الحقيقيين/ الذين لم يدخلوا المجلس النيابي من أجل التقاعد والرواتب المفسدة، والصفقات التي من وراء الستر- أن يجدوا الحل الناجع لهاتين المشكلتين، فبدون حل جدي لهما وجذري؛ سيعاني العراق المسكين من سنين عجاف، تحسد سنين يوسف، ألا هل بلغت؟!
اللهم فاشهد، واشهد بأن لي غير هذا ما يُقال عن ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة، وآمل أن أقوله.
- (الأنفال: من الآية30).
- يراجع؛ مثلا؛ المقال المعنون:- (بسبب سوء التشغيل وفقدان الصيانة ملايين الدولارات هدرت في العراق، المشاريع الخدمية التي أنشئت بأموال أمريكية لم تعد تعمل، كرستيان ميلز) المنشور على الصفحة التاسعة من جريدة المواطن الصادرة بتاريخ الأحد 8 أيار 2005؛ العدد 48.
- جريدة الصباح المؤرخة في 4 تموز 2005؛ العدد 593، الصفحة الأولى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى