الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزائر ...والانحدار إلى المجهول

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2013 / 7 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


قال أحد الإعلاميين إن اسم الجزائر لم يعد يعيد للأذهان ثورة نوفمبر الكبرى والتضحيات الجسام التي قدمت عبر التاريخ ولا جيل منفتح ومتعلم وواعي بما يدور حوله. جيل يرى في وطنه بلدا يعج بالموارد وبالمليارات بينما يعاني الشعب من البطالة ونقص البنى التحتية الصحية والرياضية والتعليمية والثقافية وتزداد فيه فقرا شريحة عريضة من المجتمع تعيش في الألم والحزن...
فــ "إلى أين تتجه الجزائر؟"... إنه سؤال ظل مطروحا بقلق شديد على امتداد تاريخ الجزائر منذ استقلالها، وها هو ذات السؤال يبرز بقوّة اليوم ويشغل بشدة أقوى بال كل أطياف الجزائر بما فيهم جنرالاتها المتحكمين في دواليب الحكم من خلف الستار.. كل يطرحه من موقعه المختلف لكن المشترك بين الجميع هو القلق الشديد.
كل المكتوون من الواقع القائم والساخطون على الوضع بأي شكل من الأشكال أجابوا على هذا السؤال بكل وضوح: تتجه الجزائر نحو المجهول إذا ما بقيت الأمور على حالها، وإذا لم يتم وضع حدا لسلطة الجهل والإقصاء والكراهية والأنانية، وإذا استمر تجاهل الكفاءات ورجال الأجيال الصاعدة..
وقد أقرّ أغلب المجللين السياسيين ، الجزائريين منهم وغيرهم، أنه في الوقت الذي يعزل المرض الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن هامش سدة الحكم المسموح له بها ويشله ، وفي الوقت الذي تعيش فيه الجزائر غليانا وتباينا بخصوص الخلف وبروز حروب باردة تارة وساخنة أخرى – مستترة أو جلية - في ظل سيادة هذه الضبابية ليس واضحا من يحكم الجزائر علنيا وفعليا ، كل هذا من شأنه أن يؤكد أن الجزائر تتجه استراتيجيا نحو المجهول ، ولربما نحو الانفجار حسب البعض... يُطرح هذا التساؤل والكثير من الجزائريين تأكدوا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن رئيس الجمهورية ليس إلا شبه دمية في يد الجنرالات ، ولا يملك قوة القرار ولا قوة التسيير ولا حرية الاختيار كقائم على سدة الحكم بالبلاد.
ويقرّ الكثير من أبناء الجزائر العالمين بخبايا الأمور بما يلي:
" إن ما تعيشه الجزائر اليوم يعتبر كارثة بمعنى الكلمة ،والجزائر تتجه نحو المجهول، والسبب في ذلك يعود إلى الماضي أصلا، وبالتحديد لمبادرة هواري بومدين ،والذي ترك إرثا كارثيا ، يحكم الجزائر لغاية اليوم ، والمقصود بذلك استعمال "الضباط الفارين من الجيش الفرنسي"من طرف العقيد هواري بومدين واحتضانهم، فقد أحاط نفسه بــ "شلّة الجيش الفرنسي" حسب كلامه وهم الذين ظلوا يجثمون على صدر الشعب الجزائري ويديرون الأمور من وراء الستار"

وظل الكثير من السياسيين الجزائريين ينددون بالانغلاق السياسي وتصفية التعددية السياسية الحق واغتيال الديمقراطية في مهدها، والإصرار على رفض التغيير والإصلاح السياسي الشامل من قبل السلطة التي تحتضن جيوب تقاوم مسعى التغيير السلس الذي طال انتظاره من طرف الشعب الجزائري. وهناك منهم من ذهب إلى أبعد من هذا، حيث يقولون إنه ليس من المستبعد أن تكون الجزائر مرشحة بقوة لأن تشهد نفس سيناريو ليييا وسوريا. هذا في وقت مازال يعرف فيه العالم العربي غليانا والمنطقة تشهد تطورات سياسية جذرية في طرق الحكم والتعامل مع إرادة الشعوب في حين يبقى حكام الجزائر مصرين على اعتبار ذلك ترفا أو تآمرا لا يلزمهم في شيء. وفي هذا السياق تساءل أحد المحللين الجزائريين قائلا: "كيف يمكن لنظام جُبل على الفساد والاستهتار بإرادة الشعب أن ينتج مؤسسات صالحة تعكس اختيارات الشعب وتلبي طموحاته وأحلامه؟ امنحوه إن شئتم مائة ألف فرصة ولن تكون النتيجة إلا نفسها، مزيدا من الفساد وتهميش الشعب وأجيال أخرى من الضحايا واليائسين البؤساء... لا يمكن للطيب أن ينبت في أرض فاسدة ومن ينتظر المعجزة فعليه أن ينتظر حدوثها عندما يتحول السراب ماء..."
ويقول الغاضبون: "لابد من لحظة حسم، بدل ترك الأمور تتجه نحو المجهول.. واليوم قبل الغد حتى لا يحدث ما لا يمكن تجاوزه بالندم.." ويضيفون: "هناك عامل آخر سيدخل في تحديد مصير الجزائر، وهو الحراك الشعبي الذي عرف بداياته في عدة مدن جنوبية وعم بشكل أو بآخر مدنا أخرى، بسبب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانهيار البنيات التحتية الأساسية وعلى رأسها الصحة والتعليم إضافة إلى أزمة السكن والخدمات الإدارية الرديئة..."

اقتصاد
في المجال الاقتصادي، يقرّ المحللون الاقتصاديون الجزائريون، أن الجزائر اتبعت منذ الاستقلال نظام اشتراكي إلى أن سقط المعسكر الروسي فتغيرت الجزائر إلى النظام الرأسمالي بعد أحداث أكتوبر واستمرت في هذا النهج إلى اليوم هذا تحت شعار الإصلاحات و الخوصصة، وحتى هذه اللحظة، يقرّ المتخصصون، لا يوجد سوق حر في الجزائر وإنما انتقل الاحتكار من الدولة إلى المافيا المالية التي تكونت في العشرين سنة الماضية .
كما أقرّوا أن رصد وضخ مبالغ مالية كبيرة لإحقاق التنمية في الجزائر في وقت شهدت فيه الحكومات المتلاحقة عجزا ذريعا في تطبيق الآليات القانونية لمكافحة الفساد جعل الجزائر تواصل سقوطها نحو المجهول، خاصة وأنّ الأموال بقيت عرضة للنهب والاختلاس في غياب المساءلة للهيئات العامة وتعزيز النزاهة، وتشديد الرقابة على الإنفاق العمومي، وكذا تفعيل برنامج العمل الوطني في مجال الحكامة ممّا يقلّص من فجوة التسيّب وحالة اللاشفافية. إنّه من غير المعقول بلوغ درجة الإنفاق العمومي مبالغ فلكية منذ سنة 1999 وإلى غاية اليوم دون تحقيق إقلاع تنموي حقيقي، ويكفي أن نذكّر بأنّ الجزائر ضخّت أكثر من 500 مليار دولار في الفترة الممتدة ما بين سنة 2009 ونهاية سنة 2013 قيمة برنامج التنمية الخماسي في الجزائر (في وقت تشير فيه مؤشرات الفساد لسنة 2012 إلى احتلال الجزائر المرتبة 105 من بين 176 دولة) لنعلم حجم الكارثة وقصّة مسار الغرق الذي اهتدت على سبيله... لذا لا يمكننا الاستمرار في الهرب إلى الأمام وإخفاقات الإستراتيجية السياسية الاقتصادية والاجتماعية تحيط بالجزائر من كلّ جانب... إنّ تقوقع الجزائر في ذيل الترتيب في كلّ التقارير التي تعدّها المنظمات التابعة للأمم المتحدّة أو المنظمات غير الحكومية (منها تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول تكنولوجيا الّإعلام والاتصال حيث احتلت الجزائر المرتبة 131 من بين 144 دولة)، وهذا يدعو القائمين على أمور البلاد إلى الاعتراف بالفشل وتحكيم العقل قبل الرّيع لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل معاينة ما لا تحمد عقباه...

في ظل هذه الضبابية يقرّ الكثير من متتبعي الشأن الجزائري أن أي مغامرة غير محمودة العواقب يمكن أن يبادر بها أي طرف لجر البلاد في أتون قرارات استعجالية لن تخدم مطلقا الاستقرار في البلاد، خاصة وأن الجزائر على مسافة قصيرة من رئاسيات 2014 التي يأمل الجزائريون أن يتم استغلالها في التأسيس لتغيير هادئ وسلس.
وهناك شبه إجماع على الوصفة القائلة: الجزائر بحاجة إلى دماء جديدة، والضرورة القصوى تقتضي تكريس التوجه نحو شرعية الكفاءات بدلا من كل الشرعيات السابقة التي تم تجريبها والتي لم تنتج إلا المساوئ ، والتي أثبتت عدم قدرتها على مواكبة التحديات و الرهانات المفتوحة خصوصا في الظروف الإقليمية الحساسة التي تحيط بالبلاد.
والحالة هاته، لا يرى الكثير من المحللين الجزائريين أنه من الممكن أن يتم التوافق على اسم شخصية بعينها لتكون مرشحا لجميع الجهات النافذة والمؤثرة في 2014، ورغم ذلك يستبعد العديد منهم أن تكون الرئاسيات القادمة موعدا للتغيير الحقيقي نظرا لاستمرار نفس الذهنيات التي رافقت المواعيد السابقة...
فإلى أين تسير الجزائر؟ السؤال ظل راهنيا منذ أن قام الرئيس محمد بوضياف- المغتال بأياد جزائرية- كتابه الذي حمل نفس العنوان : "إلى أين تسير الجزائر"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب