الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يُفجرون أنفسهم فينا؟

سوسن بشير

2005 / 5 / 6
الارهاب, الحرب والسلام


كان يوم سبت، آخر أيام شهر أبريل. عطلة أعياد. كنت أمني النفس بجولة حرة في شوارع وسط البلد، حيث تكون العاصمة ملك يمين بعض أبنائها الذين فضّلوا الاستغناء بها عن استجمام الشواطئ. كذلك سافر من تَبّنتهم من محافظات أخرى لرؤية أهليهم. شُلّت حركة المرور فجأة في شارع القصر العيني، معبر القادم من مناطق عدة إلى وسط البلد وميداني التحرير وعبد المنعم رياض الحيويين. عَرفت بعد قليل من بعض السائرين في الاتجاه المعاكس ما حدث؛ فجّر أحدهم نفسه بالقرب من المتحف المصري، ومنهم من حدد ميدان عبد المنعم رياض. وضعت يدي على قلبي وأنا أتساءل، لماذا ميدان عبد المنعم رياض تحديداً، حيث تَجَمُع مواصلات وسط المدينة، و أكبر عدد من المصريين العاديين، لا علاقة لهم بفنادق خمس نجوم الشاهقة المحيطة بالميدان، و بغض النظر عن وجود أجانب من عدمه. ترّجلت عن السيارة، و لجأت لمقهى فسيح في منتصف شارع القصر العيني. يفصل الشارع بين منطقة جاردن سيتي الراقية التي يسكنها عدد من الأغنياء والأجانب وتمتلئ بسفارات عربية وأجنبية من ناحية، ومنطقتي المنيرة التي يُحسب سكانها على الطبقة المتوسطة، و السيدة زينب الشعبية من ناحية أخرى. خذلتني قدماي في الذهاب لموضع الحدث. كان الطريق مغلقاً على الراكب والسائر، أو هكذا اعتقدت. جلست في المقهى البسيط شبه الفارغ، حيث بدأ توافد رجال و شباب، و بصحبة قلة منهم نساء وشابات، كنّ مرتديات الحجاب ما عدا امرأة واحدة وأنا. الجميع يطلب تحويل محطة التليفزيون على أية قناة إخبارية. لا أعرف كم من الوقت فات بين الينسون والشاي المر، حتى وفد آخرون إلى المقهى يتحدثون عن فتاتين منقبتين أطلقتا النار على حافلة بها أجانب في منطقة السيدة عائشة المكتظة هي الأخرى بالسكان الكادحين و مواقف المواصلات العامة، ثم أطلقت إحداهما النار على الأخرى ونفسها. كنت مذهولة، فهذه هي المرة الأولى في تاريخ العمليات الإرهابية في مصر التي تقوم عليها نساء، بل كنت أكثر ذهولاً من دخولنا حزام ثقافة تفجير النفس هذه. وكنت أتساءل بيني وبين نفسي؛ ماذا ستقول الحكومة المصرية هذه المرة، هل ستصنف الحدثان فرديان، كما فعلت في تفجير الأزهر في السابع من إبريل؟
لكن ما شغلني عن كل شيء حقاً، هو متابعة ردود الفعل الصادرة من الجالسين في المقهى، الذين تبادلوا الرأي بصوت واضح عبر الموائد المتلاصقة. كانوا من فئات اجتماعية مختلفة، بين بسيطة ومتوسطة. لم تتحدث النسوة. ساد سجال بين مائدتين من الشباب حول ما إذا كان الذي فجّر نفسه شهيداً أم لا!!!
منهم من قال بثقة، إن من فجر نفسه ومن مات معه من المسلمين في عداد الشهداء، وأن ذلك ما ذكره خطيب الجامع الذي يذهب إليه في خطبة الجمعة حول المجاهدين في سبيل الله. اختلف معه بعض الشباب من مائدته والمائدة المجاورة، بدون حجج قوية مقابلة، منهم من وصف أصحاب العمليتين بالانتحاريين، ومنهم من اعترض على مكان التفجير!!!
كانت هناك وجوه واجمة، ثم صاح فجأة أحد الجالسين في نهاية المقهى بشماتة:" خللي عماد أديب ينفع حسني مبارك". في ركن من المقهى كان شاب وفتاة محجبة، يمكن ببساطة نقل جلستهما تلك إلى الكورنيش، وكأنما لا يعنيهما الأمر.كان الشاب يمسك بيد الفتاة، وبدا أنه يبذل جهداً فاشلاً للفوز منها بقبلة.
و أنا أتلفت حولي اصطدمت عيناي بلافتة معلقة داخل المقهى تنص على عبارتين:" ممنوع جلوس الرواد أقل من 18 عاماً. ممنوع إظهار الجوازات على الطاولات". توقفت أمام الجملة الثانية ببلاهة، وسألت أحد صبيان المقهى عن مغزاها، فقال إن وقوع المقهى قريباً من قنصلية بلد عربي عُرف باستقباله لأكبر عدد من العمال المصريين، حوّل المقهى إلى ملتقى بين السماسرة و راغبي السفر من وظائف مختلفة، و إبراز جواز السفر على المائدة يكون علامة تعرفهم ببعضهم. و كثيراً ما ينتهي الأمر إلى عملية نصب مأساوية، حيث يدفع طالب السفر كل ما لديه للسمسار، وغالباً ما يبيع القليل الذي يملك و يستدين مقابل الحصول على تأشيرة و عقد عمل، ويكتشف في نهاية المطاف أن ما حصل عليه مزوراً و لا يساوي شيئاً، فيعود للمقهى متهماً أصحابه بالضلوع في عملية النصب.
قبل أن أغادر المقهى، تلاحقت أمام عيني مشاهد عدة، عن شعارات تلاحقنا ليل نهار في جميع وسائل الإعلام، يأتي على رأسها دور الدولة الخلاق في تجديد الخطاب الديني، وتعميم الثقافة الدينية الصحيحة خاصة بين خطباء المساجد، وملاحقة من يمارسون الدعوة الدينية عن جهل وتطرف، أو ممولين من الخارج. كذلك عن مشروع القراءة للجميع الذي يهدف إلى تكوين مكتبة في كل بيت، برغم نسبة الأمية الأبجدية الكبيرة في مصر، والتي لا يُعلن عن أرقامها الحقيقية، كما تخرج الصحف القومية المصرية أيضاً بين حين و آخر مؤكدة على وجود فرص عمل للشباب في الحكومة و القطاع الخاص، و معلنة عن تدني نسبة البطالة في السنوات الأخيرة!!!
لا يوجد سبب يبرر تفجير النفس و الآخر الآمن، لكن ربما يعطينا رواد مقهى بُعيد تفجير مؤشرات الإجابة على سؤال...لماذا يفجرون أنفسهم فينا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون