الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظريات الاقتصادية والتطبيق في البلاد العربية

خلدون طارق ياسين

2013 / 7 / 14
الادارة و الاقتصاد


ان الارث الحضاري الانساني الاوربي المولود من رحم عصر النهضة والثورة الصناعية بجميع ابعاده السياسية والإقتصادية والإجتماعية بل وحتى المنهجية الفكرية ادلى بظلاله على جميع نواحي المجتمعات الاوربية غير الاوربية ومنها الاسلامية اذ اقتبس الانسان المسلم والعربي بالذات التجربة الاوربية السياسية والإقتصادية بعد ان وجد نفسه متخلفاً قياساً الى النموذج الاوربي وهذا ما اطلق عليه في الادبيات العربية بالتبعية وهذه التبعية تقسم بدورها الى ثلاث انواع ، وهي التبعية السياسية ،والتبعية الإقتصادية ، والتبعية بالمنهج وما يهمنا الان في هذا المبحث النوع الثالث , فبعد ان شهدت المنطقة العربية والعالم الاسلامي موجات من حركات التحرر أواسط القرن الماضي ظهر الى السطح تساؤل مهم الا وهو هل أن نجاح شعوب العالم الاسلامي بالتخلص من التبعية السياسية لا يكتمل الا بنجاحها بالتخلص من التبعية الإقتصادية للغرب ؟ وقد طرح الجيل الاول من الثوار اطاريح فكرية حاولت ان تضع حلولاً لمشكلة التخلف التي تعانيه شعوب العالم الاسلامي وتؤطر نظرياً لجهود التنمية التي اصبحت فيما بعد الشغل الشاغل للدول الناشئة والمستقلة حديثاً . غير ان تلك المناهج الموضوعة تناولت القضية الإقتصادية بالمفهوم الغربي السائد فقط وليس من خلال الارث الحضاري الاسلامي الا انه ليس من الانصاف بمكان ان نحمل الجيل الاول او الثاني من الثوار وزر عدم صياغة نظرية اقتصادية تعالج مواضيع التخلف وتدفع بمسيرة التنمية المستقاة من الارث الاسلامي . اذ ان الواقع الاسلامي في تلك الحقبة الزمنية كان مترديا حيث اصطبغ بالتخلف الناجم عن عصور الانحطاط التي اعقبت سقوط بغداد على ايدي التتار حتى ان اللغة العربية أهم أدوات الثقافة العربية تعرضت الى التشويه ولولا سابق الحفظ الالهي لكتابه الخاتم لضاعت من بين ايدي العرب والمسلمين ولذا كان من الصعب ازاء ماتقدم من تردي الحالة الاسلامية ان يلجأ الثوار والذي كان معظمهم قد تأثر بالنموذج الاوربي المتميز الى الاسلام لصياغة نظريات اقتصادية او سياسية حتى .
لذا انقسمت الحركة الحديثة للبناء الإقتصادي في العالم الاسلامي الى شكلين للتجربة الإقتصادية في الحضارة الغربية الحديثة وهما الاقتصاد القائم على اساس حرية رأس المال والاقتصاد الموجه القائم على أساس إشتراكي .
إن من تبنى النهج الإقتصادي الحر كان ذريعته ان هذا النهج حقق للعالم الغربي التقدم ونهض به من غياهب التخلف كما انه ساهم في تحقيق مستويات عالية من الانتاج والتصنيع وبالتالي لا بد للدول المتخلفة اذا ما ارادت النهوض وبلوغ مستويات متقاربة الى ما بلغته المجتمعات الاوربية أن تقتبس تلك التجربة بحذافيرها , اما من نبنى الاتجاه او المنهج المركزي يرتكز اساساً على حجة ان التقدم الغربي الاوربي قد تم في ظروف موضوعية تختلف عن الظروف السائدة في حينه اذ لم تكن الدول الاوربية تواجه تحدياً مثلما يواجه هذا التحدي الدول المتخلفة اليوم لذا لابد لتلك الدول ان تعبئ جميع الموارد الإقتصادية والبشرية ضمن خطة مركزية تسعى الى النهوض من واقع التخلف وبالتالي وبالمجمل ايضاً ان الدول النامية والاسلامية لم تستطع التخلص من الهيمنة الإقتصادية الاوربية بشقيها الحر والاشتراكي فالتجربة الناصرية على سبيل المثال استوحت من التجربة السوفيتية الكثير من انجازاتها في ادارة الاقتصاد كما استوحت منها تجربتها في المجال العسكري مما ساهم في تشوه معالم الاقتصاد المصري الذي كان مبنياً وقبل عام 1952 على المبادرة الفردية والنشاط الخاص وقد ساهم التوجه نحو المركزية في التخطيط الإقتصادي الى تدني واضح في مستويات الانتاج ونوعيته وخاصة في القطاع الزراعي الذي يشكل عماد الاقتصاد المصري وعلى سبيل الايضاح فقد حققت في عام 1948 كلاً من المكسيك وكوريا الجنوبية ومصر ناتجاً اجمالياً متساوياً تقريباً الا ان الواقع اليوم يشير الى ان كوريا الجنوبية اصبحت من الدول المتقدمة ومازالت مصر تصنف الى الان ضمن مصاف الدول النامية الفقيرة , ومن خلال ما تقدم نرى ان التجربة المصرية سقطت في براثن التبعية الإقتصادية لذا ان حكام مصر بعد الحقبة الناصرية لم يجدوا مناصا من اللجوء الى الغرب مرة اخرى بسبب عبئ التركة الإقتصادية الثقيلة التي بدأت تأكل من الاطراف انجازات الحقبة الناصرية .
ان التجربتيين المتمثلتين بالاخذ بمبدأ الاقتصاد الحر والموجه مركزيا قد فشلتا في الدول العربية والاسلامية في وضع حلول للمشاكل الإقتصادية التي تشهدها تلك الدول اذا ما استثنينا دول الخليج لخصوصية تلك الدول المتمثلة بتعاظم الموارد الطبيعية وتناهي الموارد السكانية في الصغر كما ان الفلسفة العامة المتبناة في تلك الدول والتي كانت الركيزة الاساسية للنظريات الإقتصادية والسياسية المتبناة لم تجد حلاً للمشكلة الدينية التي بدأت تطفو على السطح بعد فشل التجربة العربية في تحقيق تطلعات الشعوب والجماهير العربية والاسلامية وهذا يفسر سبب تفشي الحركات الاسلامية الاصولية نهاية الستينات وتعاظمها في نهاية السبعينات والثمانينات اذ ساهمت اموال البترودولار والثورة الايرانية ايضاً في ايجاد الدعم المادي للقاعدة الفكرية الدينية التي تأسست على انقاض فشل التجربة القومية بشقيها الناصري والبعثي في تحقيق الحلم العربي بالوحدة بل وعلى اقل تقدير في ارجاع الارض او الاراضي العربية المغتصبة في فلسطين وغيرها .
ان فشل النظريات الإقتصادية الاوربية في ايجاد الحلول لمشاكل التخلف التي تعيشها البلدان الاسلامية والعربية اضف اليها فشل تلك النظريات التي تواجهها تلك البلدان اظهر الحاجة الى ايجاد نوع او نمط جديد من النظريات الإقتصادية لم تتعد في اغلب الاحيان الطرح النظري كما ان الازمة المالية العالمية والناجمة عن الخلل البنيوي في النظام المصرفي والائتماني القائم على اساس الحرية الفردية والزعم القائل بأن للسوق قوى خفية توازن كفتي العرض والطلب طرحت مرة اخرى تساؤلاً عميقاً وجذرياً هل ان الرأسمالية بالفعل كما قال يوكوهاما اعلى مرحلة من مراحل التطور الانساني ام انها ستصبح حال ابنتها الماركسية مرحلة من المراحل التي ستسحقها مراحل اخرى او اطر نظرية جديدة ومنها طبعاً النظرية الاسلامية التقليدية التي كانت تقف بوجه توسيع النظام المصرفي القائم على اساس الفائدة وكذلك تدعو الى خلقنة النشاط الإقتصادية القائم وحسب المفهوم الرأسمالي فقط على اساس الربح والخسارة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس مجلس النواب الأميركي: سنطرح إلغاء الإعفاءات الضريبية عن


.. ملايين السياح في الشوارع ومحطات القطار .. هكذا بدا -الأسبوع




.. لماذا امتدت الأزمة الاقتصادية من الاقتصاد الكلي الإسرائيلي ب


.. تقرير خطير.. جولدمان ساكس يتوقع ارتفاع أسعار الذهب لـ3 آلاف




.. -فيتش- تُعدل نظرتها المستقبلية لاقتصاد مصر إلى إيجابية