الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب الباردة ... تبدأ من جديد....(1)

علي الأسدي

2013 / 7 / 16
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


لم تعد الولايات المتحدة هي ذاتها قي عيون العالم ، لقد تغيرت صورتها منذ افصح الموظف الأمريكي السابق في وكالة التجسس الامريكية ادوارد سنودين عن كشفه الخطير. ومع انه لم يذكر الا القليل عما تبحث عنه الاجهزة السرية في التصنت على حلفاء واصدقاء وأعداء الولايات المتحدة ، لكن ليس من الصعب تفسير دوافع الحكومة الأمريكية للقيام بذلك.

عمليات التجسس على المستوى المحلي والدولي أيا كان القائم بها تمنحه القدرة على اتخاذ خطوات استباقية لتخريب خطط الخصوم السياسية والاقتصادية والعسكرية ، وحيث تشكل المعلومات المستحصل عليها خلال عمليات التجسس مصدرا بالغ الأهمية كمادة لتخطيط السياسات الاستراتيجية ضد الخصوم.

تاريخيا كان التجسس على الآخر المعادي وسيلة شائعة خلال الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي. وقد تسبب التجسس المتبادل بأزمات ساخنة في العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين دفعت بهما الى حافة الهاوية ، كما حصل في أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر من عام 1962.

بدأ تلك الحرب للمرة الأولى الرئيس الأمريكي هاري ترومان بالاتفاق مع رئيس الوزراء البريطاني ونستون جرجيل نهاية أربعينيات القرن الماضي (1947) واستمرت ما يقارب الخمسة والأربعين عاما. كانت حربا تخريبة بكل المقاييس من جانب الولايات المتحدة خاصة والدول الرأسمالية عامة ، هدفها الأهم محاصرة الدول الاشتراكية اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وتكنولوجيا والاساءة اليها عبر التشويه الاعلامي المضاد للاشتراكية ولمنجازاتها في الحرب العالمية الثانية. لم تبررها شعوب المعسكرين ، لكنها مورست بالرغم من ذلك فاستنفذت موارد اقتصادية عظيمة كانت ستحقق منافع لا تحصى لو تم تكريسها لرخاء الأمم.

وقد اعلن عن نهاية تلك الحرب بداية التسعينات بعد اتفاق رئيس الاتحاد السوفييتي حينها ميخائيل كورباجوف مع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان على وقفها. فقد جاءت كنتيجة لتوقيع معاهدة وقف انتاج الصواريخ الطويلة المدى أو ما سمى حينها بنظام حرب النجوم اضافة لتخفيض الرؤوس النووية لدى كلا الدولتين. لكن التجسس على الآخر استمر رغم ذلك وإن بمستويات دنيا عما كان عليه ابان الحرب الباردة.

الضجة الاعلامية الكبرى التي رافقت الكشف عن التورط الأمريكي بعمليات التجسس ، لم تكن بسبب ممارسات خاطئة استخدمتها الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية ضد الدول المعادية لها ، بل لأن التجسس قد استهدف أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة. وبذلك يكون الأمريكيون قد باشروا حربا باردة ليس فقط ضد الخصوم روسيا والصين وحلفائهما ، بل ضد حلفائها في الناتو وأصدقائها في أرجاء المعمورة في سابقة لم يحدث لها مثيلا في قصص التجسس المثيرة.

لقد سمحت الولايات المتحدة الأمريكية لأجهزتها بالتجسس على الدول والأفراد دون استثناء وفق مبدأ صاغته هي لنفسها وهو : " كل الدول والأفراد يعتبرون أعداء للولايات المتحدة الا اذا أثبتوا العكس". تصرف كهذا ليس احتمالا ، بل ممارسة يومية وضعت المسئولين الأمريكيين في تناقض صارخ مع المبدأ الانساني المهم : " المتهم بريئ حتى تثبت ادانته ".

المثال الأقرب للذاكرة عن خرق مبادئ حقوق الانسان هو ما يحصل حاليا للشاب الأمريكي سنودين من مضايقات من قبل سلطات دولته لمنعه من السفر الى الدولة التي منحته حق اللجوء السياسي فيها. وليس هذا فحسب ، بل طلب من الدول الأوربية أن تمتنع عن السماح للطائرة التي يسافر على متنها من عبور أجوائها لارغام الطائرة على الهبوط اضطراريا في دولة محددة حيث تنتظره هناك قوى أمنية تأخذه عنوة الى بلاده رغما عنه.

لم يعد سرا ، أن الولايات المتحدة تضع الاصدقاء والأعداء في زنزانة واحدة لا فرق بينهما ، فجميع تصرفاتهم خاضعة للمراقبة عبر عدسات الكاميرات وأجهزة التصنت على محادثاتهم. القيام بذلك لا يكمن في توفر أو عدم توفر الثقة في أولئك الأصدقاء ، وانما لمحاولة ازالة أي احتمال يتناقض مع رغبتها في أن تبقى القوة الدولية الأعظم ، وهو الدور الذي من أجله تتبع كل السبل النظيفة منها والقذرة لتبقى لها السيادة المطلقة على العالم.

وتعزيزا لرغبة الهيمنة أنشأت نهاية أربعينيات القرن الماضي في عام 1949 حلف شمال الأطلسي " الناتو " الذي ضم اليه غالبية الدول الرأسمالية بحجة الوقوف ضد التهديد والتوسع السوفييتي. وعندما تحلل الاتحاد السوفييتي وتلاشى تهديد الشيوعية المزعوم ، لم يفكك حلف الناتو أسوة بتفكيك حلف وارشو ، بل تعزز باشتراك دولا أوربية اشتراكية سابقة في تنفيذ سياساته الموجهة أصلا نحو عدوه التقليدي القديم روسيا.

الاشارات التي صدرت في السنوات الأخيرة عن سياسة التسلح الأمريكية الولايات بينت بأن حربا باردة جديدة على الأبواب ، ابتداءا بخرق الاتفاقات الموقعة بينها وبين روسيا التي نصت على وقف بناء نظام حرب النجوم القادر على ضرب الصواريخ المعادية في الجو. وكخطوة أولى وباتفاق ثنائي وقع عام 2007بين الناتو وبولندا والناتو وجيكيا يتم بموجبه بناء قاعدتين لذلك النظام واحدة في بولندا والثانية في جيكيا. تبع ذلك في عام 2012 اقامة خمسة قواعد لصواريخ باتريوت في تركيا بحجة التهديد الذي يشكله النظام السوري عليها.

كلنا يتذكر ان اتفاقا قد تم عام 1962 بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على ازالة صواريخها المحملة برؤوس نووية المنصوبة حينها في تركيا والموجهة نحو الأراضي السوفييتية ، كان ذلك مقابل سحب الصواريخ السوفييتية المقامة على الجزيرة الكوبية. ومنذ ذلك الحين لم تنصب في تركيا أية صواريخ من هذا النوع المتقدم ضد روسيا. يعني هذا ان العودة الى أجواء الحرب الباردة وسباق التسلح قد استهوى صانعي السياسة الأمريكية ربما بضغط من شركات صناعة وتجارة السلاح كمخرج للأزمة الاقتصادية السائدة السائدة فيها منذ منتصف عام 2007.
علي الأسدي -يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟


.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح




.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا


.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ




.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم