الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحواجزالكونكريتية

عبدالرزاق أحمد صالح

2013 / 7 / 18
حقوق الانسان


الحواجزالكونكريتية
عبدالرزاق احمد صالح / كاتب صحفي
كتل كبيرة صمّاء من الإسمنت تمتد متطاولة لتشكل طوقاً يحيط بالمدن والمناطق والأحياء ..ناعمة ملساء في مظهرها الخارجي ! لكنهاتحمل بين طياتها قسوة القيود ووخز الأشواك وضغط السلاسل وألم الكلاليب الممزقة ..إنها مأساة تحزن القلب وتجرح النفس ويضيق بها الصدر ..إنها سجون كبيرة منتشرة في العراء لتضع العراقيين داخل سجن كبير وتبعدهم عن بعضهم وتفرقهم وتمزقهم ..وقفت أمامها طويلاً محدقاً بها متأملاً لها ممعن النظر فيها ،فإذا هي كتل ثقيلة ثقل السنين القحط وصلبة صلابة الصخور الصمّاء المجردة من المشاعر والأحاسيس وملساء مثل أفعى إسطورية عملاقة خرجت من مغارة مظلمة في جبل معزول في مكان مجهول لتلتف حول الأعناق وتقتل الناس وتحرق المدن.

إنها إحدى الواجهات الحضارية والممارسات الديمقراطية التي جاء بها الأمريكان .. طبقها الجنرال الأمريكي بتريوس قائد الجيش الأمريكي في العراق لعزل المدن عن بعضها ومواجهة حرب المدن وحرب العصابات.وقد نتج عن هذه الحواجز الكثير من الأمراض النفسية والجسدية.. فالبعض يشعر بالضيق وبالكآبة النفسية كلما نظر إليها !..والبعض الآخر يرتفع ضغطه والآخر يصاب بالحساسية..كما أدت الى إرتفاع أسعار السلع في المناطق المطوقة بالحواجز الكونكريتية.. فتطويق المناطق دفع أهلها للإكتفاء الذاتي بعظم السلع والحاجات التي يطلبها الناس فظهرت أسواق كبيرة في كل مدينة مما أدى الى إرتفاع السعار الى الضعف تقريباً .وقد أدى وجود الحواجز الكونكريتية إلى زيادة المسافات بين مكان وآخر وعقًدت دخول المناطق وشوهت الشوارع وحفرت الأرصفة.كما غنها أحدثت عزلة كبيرة بين المدن على أسس مذهبية مما قد يخلق تمزقاً مجتمعياً بين ساكنيها.بالإضافة الى كل ذلك فإنها إستنزاف للعملة وتهديم للإقتصاد الوطني ،فكلفة كتلة الكونكريت التي قياسها (3×1)م تكلف (800) دولار وهي تستخدم غالباً لتطويق وعزل المناطق ، والكتلة التي قياسها (80سم×2م) تكلف (300) دولار وتستخدم لإغلاق الطرقات وفي نقاط التفتيش المنتشرة في الطرقات ..وإترك لكم تقدير حجم الأموال التي تنفق في هذا المجال!!. وللحواجز تأثيرواضح على الميزانية التي تحددها الحكومة العراقية للأمن والدفاع ..فمن جانب إنها تكلف أموالاً طائلة كما يخبرنا خبراء الإقتصاد .. ومن جانب آخر فإنها رفعت أسعار المواد المكونة لها كالحديد والإسمنت ، وقد إرتفع في الآونة الأخيرة سعر طن الإسمنت الواحد الى (230000) مائتان وثلاثون الف دينار بعدما كان قبل خمس سنوات ب(50000)خمسون الف دينار.. وبعد أن كان العراق مصدّراً للإسمنت بات اليوم أحد المستوردين .هل تعلم أن المنطقة الخضراء تبلغ مساحتها (10كم2) وتحدها الحواجز من كل الجهات ؟ فضلاً عن حواجز الوزارات الموجودة داخلها والتي يتجاوز عددها الثلاثون وزارة وماتحتويه من مستشفيات ومدارس ومراكز شرطة ومؤسسات حيوية أخرى .لماذا لاتستخدم هذه الأموال الضخمة والطائلة التي تنفق على صناعة الحواجز في بناء المجمعات السكنية للمواطن الذي يفترش الإرصفة وينام في أماكن رمي النفايات وتحت الجسور وفي المخيمات والسقائف ؟! ومن الطريف أن يحاول بعض الظرفاء إضفاء روح المرح والدعابة على هذه الحواجز المكفهرة الكالحة فيقوم بطلائها بألوان صارخة زاهية أو يرسم عليها شخصيات كارتونية أو لوحات فنية أو مناظر طبيعية! ويستخدمها البعض الآخر لتعليق إعلانات شركات السفر والسياحة والعيادات الطبية والصيدليات والمطاعم وغيرها...وقد أنقذت وسيلة الإعلانات هذه عدداً من المحال التجارية من خسارة مؤكدة بعدما عزلتها الحواجز الكونكريتية..والسؤال الذي يقتحم أفكارنا ويطرح نفسه بنبرة الحلم المستحيل والأمل البعيد متى ترفع الحواجز؟ متى تحرر المدن من قيودها وتقد سلاسلها ؟ متى يقتل التنين الإسطوري الذي يجثم على صدورنا ؟متى نستنشق هواء الحرية ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علم إسرائيل يرفع على الحدود المصرية.. ورفح بين المجاعة والقص


.. نتنياهو: عملية رفح تخدم هدفي إعادة الأسرى والقضاء على حماس




.. شبكات | تفاصيل صفقة تبادل الأسرى ضمن الاتفاق الذي وافقت عليه


.. الدبابات الإسرائيلية تسيطرعلى معبر رفح الفلسطيني .. -وين ترو




.. متضامنون مع فلسطين يتظاهرون دعما لغزة في الدنمارك