الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انقلاب بغطاء ليبرالي

يعقوب بن افرات

2013 / 7 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


في 30 يونيو الاخير صوّرت لنا المعارضة المصرية ووسائل إعلامها بأن مصر اخيرا حققت حلمها: محمد البرادعي اصبح الرئيس الفعلي لمصر الجديدة حسب "إرادة الشعب" الذي احتل شوارع البلاد ليحقق ما لم تحققه ثورة 25 يناير 2011. وما لم تنجح فيه حركة 6 ابريل والشباب الثوار في ذلك الحين استطاعت حركة "تمرد" ان تحققه بسهولة نسبية لأنها "تعلمت اخطاء الماضي وصححت مساره". عندما تنحى حسني مبارك عن الحكم كان مطلب الثوار تشكيل حكومة انتقالية، كتابة دستور عصري جديد ومن ثم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ضمن نظام ديمقراطي جديد. بنظرة سطحية للأمور، يسهل الاستنتاج بأننا بتنا بين عشية وضحاها أمام هذا المشهد بالذات، فحركة "تمرد" فتحت حملة جديدة بعنوان "الشعب يكتب الدستور" ومرشحهم البرادعي يدير الأوركسترا، تماما كما حلم ثوار التحرير.
يسهل التوصل الى هذا الاستنتاج (الخاطئ بالطبع) اذا اخذنا بالحسبان اننا من اول يوم لثورة 25 يناير كان مطلب القوى الثورية الليبرالية والديمقراطية من المشير طنطاوي الذي شكل المجلس العسكري الحاكم ان يسلمها الدولة، ولكنه رفض بالأساس لان هذه القوى لم تتمتع حينها بجذور شعبية، وكان المشهد السياسي حكرا على الحزب الوطني والاخوان لفترة طويلة جدا. وفي حين طالب الليبراليون بتشكيل حكومة انتقالية معيّنة تهتم بصياغة الدستور ومن ثم تقوم بإجراء الانتخابات على اساسه، عمد الاخوان المسلمون على ربط العربة قبل الحصان والتوجه لانتخابات برلمانية، وذلك ليقينهم بالفوز على اعتبار انهم القوة الاكثر تنظيما وتمويلا، وليتسنى لهم التحكم بصياغة الدستور من موقع قوة واغلبية. الطريف في الامر ان القوى الليبرالية لم ترد في اية مرحلة اجراء انتخابات ديمقراطية خوفا من الفشل، بينما تحول الاخوان "دعاة الديمقراطية" الاكثر حماسا.
لقد اخطأ الاخوان عدة مرات خلال فترة وجيزة جدا، ولكن تحالفهم مع الجيش في فرض الانتخابات قبل الدستور، كان من الكبائر التي كلّفتهم غاليا. فقد حقق الاخوان حلمهم دون التوافق مع حلفائهم في ثورة 25 يناير من الليبراليين واليساريين، وآثروا على ذلك إقحام الجيش في الحياة السياسية. وكان معنى ذلك إفساح المجال لعودة فلول النظام البائد للحياة السياسية، فالجيش هو منهم وفيهم وهو امتداد للنظام الدكتاتوري السابق.
ومع ذلك، ورغم كل العيوب والمتاهات التي مرت بها الديمقراطية المصرية الناشئة، الا ان مصر دخلت في طور العملية الديمقراطية وكانت الانتخابات البرلمانية ومن ثم الرئاسية عرسا ديمقراطيا حقيقيا وقدوة يحتذي بها العالم. واذا كانت نتيجة الانتخابات البرلمانية في صالح التيار الاسلامي بشكل حاسم، فقد كانت المنافسة على الرئاسة اكثر اعتدالا وأظهرت لأول مرة وجود تيار منافس للإخوان يتمتع بشعبية كبيرة جدا.
"العجلة من الشيطان" هو ما لم ترد المعارضة الليبرالية واليسارية ان تفهمه، بل لجأت الى كل الاساليب الممكنة لتعطيل العملية الديمقراطية، مرة استنادا للمحكمة الدستورية التابعة للنظام السابق، ومرة اخرى من خلال التحالف مع الفلول في جبهة الانقاذ، ومن هنا كانت المسافة قصيرة نحو التحالف مع العسكر والتمهيد للانقلاب. فقد وقعت "جبهة الانقاذ" وحركة "تمرد" في نفس الخطأ الذي وقع فيه الاخوان، وذلك عندما خططوا مع الجيش للانقلاب على الرئيس الإخواني المنتخب، وسددوا بذلك ضربة قاصمة للعملية الديمقراطية ذاتها.
ومع ان الاخوان والمعارضة وقعوا في نفس خطأ التحالف مع العسكر، الا ان خطأ المعارضة أشد وأخطر. فإذا كان الاخوان استعانوا بالجيش لفرض الانتخابات وسعوا للانفراد بالسلطة دون شركائهم في الثورة، فإن تحالف الثوار مع الجيش هو خطأ استراتيجي لأنه يضرب بكل المبادئ التي من المفروض ان يمثلها المعسكر الديمقراطي، وبالتحديد الاستعانة بالفلول والجيش للانقلاب على رئيس انتخب باعتراف الجميع بشكل ديمقراطي ونزيه.
المشهد المصري اليوم مقلق للغاية. من يستمع لتصريحات القادة الشباب في حركة "تمرد" الذين يصفون انفسهم بأنهم جبهة "الحرب على الإرهاب" في إشارة لتصديهم للإخوان، ومن يتابع الإجراءات القمعية ضد قيادات الاخوان، لا يمكنه الا ان يستذكر الماضي غير البعيد وان يشكك في نوايا هؤلاء الشباب. فبالأمس فقط تم تسويقهم كثوار أبرياء من كل مصلحة، كل همهم هو الخير للشعب المصري، وها هم الآن قد تحولوا إلى الذراع الإعلامية للانقلاب، تبرر وتشجع الحملة القمعية ضد التيار الإسلامي بما في ذلك اعتقال قيادته، إغلاق إعلامه، مصادرة أملاكه وقتل أنصاره المعتصمين بالرصاص الحي.
إزاء هذا المشهد الرهيب الذي يضرب بكل قيم الديمقراطية وحقوق الانسان، بدأت الاصوات ترتفع ضد الجيش وضد كل من يعمل على إقصاء التيار الاسلامي كليا. عمرو حمزاوي، الذي ترشح للانتخابات الرئاسية عن اليسار، تعرّض لانتقادات بسبب دعمه الانقلاب، والنسوية رباب المهدي تتحفظ عن سلوك العسكر، في حين ابتعد حزب النور السلفي عن الحكومة الجديدة المنحازة لجبهة الانقاذ الليبرالية العلمانية بدل تشكيل حكومة تكنوقراط.
هذه بلا شك هي بداية تفكك هذا الائتلاف الغريب الذي لم يقم على اساس رؤية مشتركة لعناصره حول مستقبل مصر، بل فقط على أساس الكراهية والخوف من الاخوان. لا شيء يجمع حزب النور باليسار، ولا الفلول بالليبراليين، ولا قائد القوات المسلحة عبد الفتاح السيسي بمحمد البرادعي. انه ائتلاف غير مبدئي يتغذى على وهم ان ما حصل هو ثورة، ويحاول ان يغطي الشمس بغربال، ولكن هيهات.
ازاء الانتقادات المتذبذبة للانقلاب والخطوات القمعية الخطيرة التي لحقته، يبرز المقال البديع والشجاع للمناضل ابراهيم العيسوي احد مؤسسي حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، في موقع "بوابة الشروق" بعنوان: "الثالث من يوليو مدخل لأزمة جديدة". يسجل الكاتب موقفا سياسيا واضحا ويضع النقاط على الحروف عندما يصف ما حدث في 30 يونيو بانه انقلاب عسكري بامتياز: "ومن العجيب أن يعتبر أنصار تدخل الجيش أن 30 يونيو ثورة جديدة تصحح مسار ثورة يناير. ولكن بئس المقارنة بين ثورة 25 يناير التي احتشد لها السواد الأعظم من الشعب وبين تظاهرات 30 يونيو التي احتشد لها جمع كبير وإن تشكل من خليط متنافر ممن كان لهم دور مشهود في ثورة يناير وممن ناصبوا تلك الثورة العداء سرا أو جهرا".
ويتابع الكاتب انتقاداته الشديدة على من يدعم الانقلاب قائلا: "من كانوا يحلمون بالديمقراطية التمثيلية راحوا يهونون من أهميتها، ويسخرون من نتائج انتخابات يشارك فيها أكثرية من الأميين والفقراء، ومن شرعية الصندوق بدعوى أن الشرعية الحقيقية هي شرعية الإنجاز أو الشرعية الشعبية؛ مع أن هذه ليست بدائل لشرعية الصندوق وإنما هي وسائل للصراع السياسي الذي لا تعرف الديمقراطيات سبيلا لحسمه غير صندوق الانتخابات".
بعد هذا القول السديد للعيسوي لا يبقى لي سوى التأكيد على ان مصلحة كل المصريين، ليبراليين كانوا أو إسلاميين، هي الوقوف يدا واحدة ضد الجيش لإبعاده عن الساحة السياسية. قيام الاخوان بإقحام الجيش في السياسة بعد ثورة 25 يناير، قاد الطرف الآخر في 30 يونيو لفعل الشيء نفسه لإقصاء الاخوان عن المشهد السياسي. اما الجيش الذي يتلاعب بكل القوى القائمة، فانه كما انتهى من الاسلاميين سينتهي كذلك من الليبراليين ليعيد سلطته من خلال الفلول. على الاخوان استخلاص العبر من الحدث الجلل الذي وقع، والادراك بأن الحكم لا يعني الأخونة، وعلى الكتلة الليبرالية واليسارية ان تدرك ايضا انه لا مناص من بناء قوة سياسية متجذرة في صفوف الشعب وتحديدا الطبقة العاملة. وعلى اليسار المصري أن يكون حارسا للنظام الديمقراطي، ان يحترم الصندوق، ان يناضل من اجل توسيع الحريات الديمقراطية وان يحاسب الاخوان على سياستهم الاقتصادية.
ليست هناك طرق التفافية او انقلابية. الطريق الى حكم تمر عبر الحفاظ على العملية الديمقراطية من ناحية، وطرح بديل سياسي واقعي وثوري يضمن تحقيق المبادئ التي من اجلها صنع الشعب المصري ثورته المجيدة في 25 يناير تحت شعار: "عيش، حرية عدالة اجتماعية".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انتفاضه اعقبها انقلاب
حاتم حسن ( 2013 / 7 / 18 - 09:43 )
لايمكن ان نشطب علي الملا يين التي خرجت في0 3 يونيو بجره قلم
ماحدث كان انتفاضه شعبيه عارمه قوامها الاساس جمارهير غير مسييسه تدهورت احوالها المعيشيه
بشده بعد عام من حكم الاخوان في وقت كان سقف طموحاتها قد ارتفع مع بدايه نظام جديد
بقايا عصابه مبارك ذات الجذور العميقه بالدوله والمجتمع اعتلت الموجه ورفعت شعارات تحريضيه
تنادي بتدخل الجيش
المؤسسه العسكريه خلال حكم مبارك تحولت لكيان اقتصادي شديد الضخامه وقادتها صاروا رافد ا
اصليا للطبقه البرجوازيه الطفيليه التي جرفت الاقتصاد المصري ودفعت بالملايين لهاويه الفقر
المؤسسه العسكريه للمره الثانيه سارعت بالتدخل بهدف لجم الانتفاضه والحيلوله دون تحولها
الي ثوره حقيقيه تهدد امتيازاتها
من خلف الكواليس وفي السناريو الا نتخابي المقبل سوف يتم الدفع بانصار نظام مبارك لسد
الفراغ الي احدثه اقصاء الاخوان
صمت تمرد علي الاعلان الدستوري الاخير رغم عواره الشديد وصمتهم علي مذبحه الاسلامييين
امام الحرس الجمهوري موقف غير ثوري وغير اخلاقي ويبعث علي الارتياب
المقدمات المريبه دائما ما تؤدي الي اسوا النتائج واخطرها
الاعلام المستقل وجبهه الانقاذ سقطوا سقوطا اخلاقيا مروعا

اخر الافلام

.. النموذج الأولي لأودي -إي ترون جي تي- تحت المجهر | عالم السرع


.. صانعة المحتوى إيمان صبحي: أنا استخدم قناتي للتوعية الاجتماعي




.. #متداول ..للحظة فقدان سائقة السيطرة على شاحنة بعد نشر لقطات


.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال الإسرائيلي تكثف غاراتها على مخي




.. -راحوا الغوالي يما-.. أم مصابة تودع نجليها الشهيدين في قطاع