الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


.الهويات المتناحرة .... أزمة الوجود العربي

عزمي موسى

2013 / 7 / 18
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



أتخذ مفهوم الهوية , وبشكل أكثر انتشارا في مرحلة الربيع العربي , بعدا عنصريا رجعيا وتصفويا , عند كافة أطياف القوى اليمينية , وبدرجات متفاوتة . بعدا ينكر الأخر ويحلل سفك دمه بصورة وحشية ذهبت إلى ابعد من جز رؤوس البشر إلى حد أكل أكبادهم . مما شكل خطرا حقيقيا , وتحديا وحشيا أضافيا أمام شبكة العلاقات الاجتماعية العربية المهددة بتأكل والزوال . وبالتالي ينبغي على القوى المجتمعية الحية , العمل على إعادة تصحيح وتصويب مفهوم الهوية , من خلال تحرك يستند على عظمة الفكر الإنساني , وعلى قاعدة الكرامة الإنسانية . الركن الأساس في المجتمع المدني .
فالعالم العربي اليوم يمر بمرحلة انتقالية , من اشد وأعمق مراحل التغير الاجتماعي , التي عرفها الإنسان العربي منذ قرون عديدة . مصحوبة بمجموعة من التناقضات الاجتماعية الداخلية , وبموجة عالية من التحشيد والتجيش الطائفي والعرقي غير مسبوقة . بحيث بات الوجود العربي كوحدة اجتماعية قائمة على الجغرافيا الواحدة مهددا وقابلا للتشضي والزوال . نتيجة لغلبة الثقافة اليمينية ذات النظرة الأحادية غير التعددية ,ومرجعياتها الفكرية الماضوية , على قطاعات اجتماعية واسعة وأساسية .
هذه المرجعيات التي رسخت مفاهيم وقيم غير حضارية ما قبل المدنية . من أبرزها تفتيت الوعي الجمعي لصالح وعي طائفي مذهبي أو قبلي مناطقي . عززت بدورها مفهوم الهويات الفرعية عند العامة , وإعاقة تشكيل هوية اجتماعية جامعة . مما سهل الطريق إمام القوى الاستعمارية الغربية , واليمينية المحلية خاصة أصحاب النزعات الطائفية والقبلية , إن تفعل فعلها التفتيتي في بنية المجتمع . وذلك من خلال الاستخدام المراوغ ولغرائبي لمفهوم الهوية . مما إربك الوعي المجتمعي وافقد الجماهير القدرة على مواجهة مثل هذه الأفكار .
لقد أصبحت الكثير من المشكلات والقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية , تتمحور أسبابها ومسبباتها حول ادعاءات متناقضة لهويات يائسة وبائسة , تختص بفئة اجتماعية معينة دون سواها , ويتم إحالة كافة هذه الأزمات المتعددة إلى هذه الهويات اليائسة أو تلك . وبالتالي ارتفع معدل الاعتداءات الإرهابية , وازداد منسوب العنف المجتمعي والغير مبررة , في السنوات الأخيرة .
تعود جذور كافة هذه المشكلات الاجتماعية المزمنة والمستجدة , والتشوه الفكري في الوعي المجتمعي العام . إلى فشل دولة الاستقلال الوطني في بناء دولة المجتمع المدني بكل مكوناتها وإبعادها . إضافة إلى عجزها عن تطوير خطابها السياسي الاجتماعي الذي ضل بندوله يتحرك ما بين البعد العشائري أو الديني الطائفي . دون إن يصل إلى بناء هوية وطنية اجتماعية جامعة لكل مواطني الدولة الواحدة على الجغرافيا الواحدة .
حيث كان الغرض من هذا التوجه القائم على تعويم مفهوم الهوية , بين ما هو قبلي أو وطني , ديني أو قومي .
هو إعادة اكتشافها ومن ثم توجيهها باتجاه خيارات انعزالية غير وحدوية , عبر استغلال الفواصل بين الانتماءات المتعددة في المجتمع وتعميقها . لكي تجعل من إدامة سيطرة القوى السياسة اليمينية المرتبطة بالقوى الاستعمارية الخارجية على المجتمعات أمر سهل ومستقر . وبالتالي فقد أسفر هذا التوجه , عن ارتفاع منسوب الإحساس بالإحباط والخوف بين إفراد المجتمع الواحد , بالتزامن مع ارتفاع منسوب التضامن الداخلي ضمن إطار الجماعة الواحدة في المجتمع الواحد . إلى جانب سيادة نظام تصنيف واحد للبشر لا مرونة فيه يعتمد على الدين أو القبيلة . بدلا من التصنيفات القائمة على البعد الطبقي أو القومي . أسفر عن عدم اكتمال بناء وسيادة مفهوم الهوية الجامعة , ليحل محلة مفهوم الانتماءات الضيقة , باعتبارها هوية فريدة . لذا فمن المنطقي إن ينتشر الخوف ويزداد العنف وتكثر الإعمال الإجرامية كلما تعمق الإحساس بهوية فئوية ضيقة , يزعم أنها فريدة , مع محاولة فرضها على الآخرين .
كل هذه الصور من التعبيرات المتعددة عن الولاءات الضيقة لا يمكن إن ترتقي إلى مفهوم الهوية بمعناه الفلسفي السياسي والاجتماعي . فالهوية ليست إلا حاصل مجموع العناصر المكونة للشخصية الإنسانية , هي وحدة انتماءات متعددة ومتنوعة في الذات لا تتجزأ . بحيث إن فصل أي مكون من مكوناتها يسقط عنها المفهوم . لذا فان تجزأت الهوية والغرق في الخصوصية , لن تفضي إلا إلى سلسلة كسور عشرية لا نهائية من الصفات الخاصة , وتعزز الانعزالية الفردية أو المجتمعية . لأنها تجعل من الفرد الواحد لا يشبه حتى أخاه . فكما انه توجد عناصر مشتركة عامة تجمع بين الإفراد في حدود العائلة الصغيرة أو الكبيرة , أو في حدود الطائفة الدينية أو مجتمع الدولة . توجد عناصر أيضا , تجعل من الفرد الواحد فريدا ولا يشبه أحدا على الإطلاق بما فيهم أبوية وإخوته .
إن اختزال الهوية في انتماء واحد , سواء كان عرقي أو ديني . هو تعزيز للنزعة الانعزالية الأحادية , التي تفرض طريقة تفكير ورؤية واحدة . فهي لا تستطيع النظر إلى الأخر إلا في كونه , حامل هوية نقيضه فقط . فالانعزالية إذا هي في الجوهر نقيض التعددية .
إن أصحاب النزعة الانعزالية الأحادية , الذين اختزلوا الهوية في مكون واحد . وعملوا على تعزيزه وترسيخه في المجتمع . تحت ذريعة إن الحقيقة واحدة , ذات قيمة مطلقة وعالية مهما اختلفت مجالاتها . وبأنهم هم وحدهم دون سواهم مالكو هذه الحقيقة , والمعبرون الأوفياء عنها , والأوصياء عليها , والمجاهدون الساعون على تجسيدها , على ارض الواقع . فرأيهم وحده هو المشروع والصواب الدال على منفعة الناس , وباقي الآراء باطلة محرمة لا يجوز النظر إليها .
وبما إن الحقيقة مطلقة وثابتة , فان امتلاكها وتجسيدها على الأرض , سيكون لمرة واحدة والى الأبد . لأنها ( أي الحقيقة ) لا تتغير ولا تتبدل في الزمان أو في المكان . وبالتالي لا يمكن للأتباع إضافة أي شيء أو إجراء أي تعديل على الحقيقة التي ورثوها عن من سبقوهم . فأي تغير أو تعديل إنما هو مجرد وهم لا يستقيم مع طبيعة الحقيقة المطلقة التي يمتلكوها . وعلى ضوء ذلك فالماضي كما الحاضر والمستقبل مرسوم ومحكم بشكل محدد لا مجال للتغير أو التبديل وحتى التطوير فيه . فالعالم تام ومكتمل ولا مجال للإرادة الإنسانية في تغيره , أو إضافة أي شيء علية . فالتغير وهم وليس إمام البشر إلا التسليم لإرادة من يملك الحقيقة .
وعلية فقد تحولت معطيات أصحاب النزعة الانعزالية الأحادية إلى حقائق مطلقة ومسلمات قدرية . اختزلت في مفاهيم لا تعرف التسامح ولا القواسم المشتركة بين الذات والأخر , جاعلة من التاريخ والصيرورة الإنسانية مطابقا لمعايرها الخاصة بغض النظر عن حركة التحولات التاريخية في حياة المجتمع . لذا فهي لا تقيم وزنا لما هو نسبي ومتغير وتاريخي في الوجود الإنساني . في حين إن التعددية لا ترى الوجود إلا من خلال وحدة الاختلاف والتنوع , وبان الحقائق مهما تطابقت مع الواقع أو تم تأكيدها , فهي نسبية وليست مطلقة . لذا فهي تفرض على أصحابها الاعتراف بالأخر , بالتعايش السلمي , التسامح والاحترام المتبادل .
بينما خطاب أصحاب النزعات الانعزالية اليمينية . خطاب إقصائي الغائي واستعلائي , يخلو من المبادئ المقنعة . ويقوم على شعارات ميتافيزيقية عامة وفضفاضة , لا يمكن تحقيقها إلا بإلغاء الواقع الذي لا يلغى . فهو خطاب إذن خارج العصر والتاريخ .
في هذا الإطار يمكننا فهم المحركات العقلية التي تحرك كل هذه التيارات اليمينية التقليدية المتنوعة التي تتغذى من مرجع فكري واحد يقدس الأنا باعتبارها الحقيقة المطلقة في هذا الوجود . عصبوي ومنغلق لا يرى ولا يحاور إلا ذاته. هو من اوجد البيئة المناسبة لانتشار ظاهرة الإرهاب الفكري , والحركات الإرهابية الدينية والعرقية , إلى جانب الاستبداد السياسي والاجتماعي .
إن واقع هذا العنف المجتمعي القائم على الخلفية الذهنية الدينية الطائفية أو القبلية المناطقية , لا يمكن فهمة ومعالجته إلا في إطار بناء هوية وطنية جامعة , يكون محورها المواطن والوطن , وعل قاعدة التعددية والمشاركة الاجتماعية , مع العمل التوعوي الموجة على إدراك الذات في هذا الإطار فقط . فمفهوم الهوية المشتركة يستوعب كل التناقضات الاجتماعية الاثنية والعرقية ويوحدها في خدمة نماء وثراء المجتمعات العربية المتنوعة .
فلم يستطع البكرين إلغاء وجود التغلبين في التاريخ العربي القديم . ولا أهل السنة إلغاء أهل الشيعة في التاريخ الإسلامي . مثلما لم يستطع الكاثوليك إلغاء البروتستانت في أوروبا عبر الحروب الدينية . وفي النهاية توصلت الإنسانية بعد فقدان مئات الملاين من البشر في حروب دينية وطائفية وقبلية طاحنة وبلا معنى . إن لا حل إمام البشرية إلا في التعايش السلمي . على قاعدة الاحترام المتبادل , الحرية , الديمقراطية والعدالة الاجتماعية الشاملة.

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قراءة عسكرية.. ما الذي يحدث بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاح


.. مظاهرات في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة اليمين المتطرف برئاسة




.. تفاعلكم | تعطل حركة الطيران في مطار ميونخ، والسبب: محتجون في


.. إسبانيا: آلاف المتظاهرين ينزلون إلى شوارع مدريد للدفاع عن ال




.. لماذا تتبع دول قانون السير على اليمين وأخرى على اليسار؟ | عا