الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ادوارد سعيد:الغرب وتغطية الاسلام

اسامة غالي

2013 / 7 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


يقدم ادوارد سعيد دراسته الثالثة (تغطية الاسلام / 1981 ـ ترجمة د. محمد عناني2005 دار رؤية)حول علاقة الغرب بالاسلام بعد ان انجز دراستين (الاستشراق/ المسألة الفلسطينية) وهو يتجه من خلالها نحو دراسة العلاقة بين الغرب وايران (الدولة المتأسلمة) فيبدأ الدراسة بتنقيب مصطلح الاسلام كمدخل رئيس لاثارة التساؤلات وتحليل العلاقة المعقدة في ضوء التغطية الاعلامية التي قام بها الغرب ازاء ايران ودول اسلامية اخرى وابراز تداعيات التواصل الغربي الايراني ومدى صدق نوايا الطرفين في التعامل..
يحمل مصطلح الاسلام لدى ادوارد سعيد ـ والذي استعاره عنوانا رئيسا لدراسته ـ دلالة مجانبة للواقع الماثل ،فهو يعدّه (بطاقة ايديولوجية لا تتجاوز الحدود الدنيا في الاشارة الى الدين الاسلامي) ،من هنا عمل على محاكمة المواقف الغربية التي جعلت من الاسلام نافذة اعلامية لنشر الأنباء المثيرة المفجعة ،خصوصاً منذ ان لفتت احداث ايران انظار الناس في اوربا وامريكا، فهذ التغطية الغربية حسب توصيف ادوارد سعيد تغطية مظلله حتى وان بدت شاملة، ومصدر ذلك يرجعه الى ان متلقي الانباء يظنون بان الغرب قد فهم الاسلام،غافلين عن الدواعي الاساسية لتلك التغطية ،حيث ان الانحياز الغربي الى الاسلام تشكل حديثاً جراء وجود (البترول) الذي هو الداعم الرئيس في توجه الانظار نحو المنطقة وليس الانبهار بالاسلام كما يعتقد البعض،لكن هذه التغطية مررت دون ان تكشتف نوايا القائمين عليها ،وذلك بسب اللاعيب اللغة ( الكليشيهات) والتعميم في الخطاب الاعلامي،لذا يقوم ادوارد سعيد في مقدمة دراسته باخذ عينات من الخطاب الاعلامي في الصحف الغربية ليوكد الفهم لعلاقة الغرب بايران،حيث يستعرض ما جاء في صحيفة (نيويورك تايمز) من شرح وتفسير للمقاومة الايرانية ضد الغزو العراقي،ورفعها لمقولة (للشيعة ولعا بالاستشهاد) اذ هذه المقولات لها حظها من القبول من الناحية السطحية على حد وصفه،وتؤثر في سياقات التعامل مع الغرب في الوقت الذي تكون ورقة ضغط من قبل الشعب نفسه ازاء حكوماته لتعزيز التواصل تأثرا بهذه الحيادية المدعاة...ومن الجانب الاخر ان الغرب يرى في الاسلام خطرا يحدق به ويعرقل خطاه نحو الهيمنة المطبقة على العالم،من هذا التركيب الموغل برغبة الهيمنة و النفع التجاري يحدد ادوارد سعيد سياقات الخطاب الاعلامي الغربي،في الوقت الذي لم يكن مدافعا عن الاسلام بقدر ما كان يتجه نحو ابراز الوسمة الواقعية لتلك العلاقة وللاعلان عن ظروف نشأتها الخفية...
يستعرض ادوارد سعيد جذور الرؤية الغربية للاسلام كي يتسأل بعد ذلك عن التحولات السطحية التي رافقت عام 1978،وكيف تغيرت مجريات الاحداث في ظل انتصار الثورة الاسلامية واستولاء صورة الخميني على اجهزة الاعلام ،وما عقبه من دخول الشاه الى الولايات المتحدة عام 1979 وما انبرى اليه الشباب الايراني من اقتحام السفارة الامريكية في طهران،مما شكل نزعة انفعالية لدى المؤسسة الغربية فبدأت تصور الاسلام بخلاف ما كان عليه الغرب من رؤية ،و يبرز هذا التحول بصورة واضحة عام 1980 (اذ خصصت محطة اذاعة كولموبيا جانبا كبيرا من حلقتين من حلقات برنامجها ستون دقيقة للحديث عن التعذيب ايام الشاه وللاحابيل التي قام بها هنري كيسنجر لحساب الشاه)،الا ان ادوار سعيد يؤكد ان تلك التحولات كانت سطحية وآنية سريعا ما رجعت تستمد مادتها من نفس الرؤية السابقة للاسلام على انه (دين شيطاني)،لكن هذه الممارسة النقدية انتقل فيها ادوارد سعيد الى الجانب الاسلامي على ان المسلمين كانوا جزءاً من عملية تكريس الرؤية الغربية واستعادتها، ولم يسهموا في تعزيز موقفهم ازاء الاعلام الغربي،كل هذا بسبب الانغلاق الذي اتسم به (الخبراء الاكاديميون المتخصصون في الاسلام فقد دأبوا على تناول هذا الدين وشتى ثقافاته في اطار ايديولوجي اخترعوه او حددت الثقافة صورته،فامتلأ بالانفعال،وبالتعصب المعهود في الدفاع النفسي،واحيانا بالنفور،وهذا الاطار هو الذي يجعل تفهم الاسلام مهمة بالغة الصعوبة).بعد ذلك يلفت النظر لسير تعالقات الحدث الايراني بعد انتصار الثورة وتشعب العلاقات مع اطراف متنافرة وان كانت تنتمي لجهة مقابلة للشرق او للاسلام ،فعلاقة موسكو بايران تمت ايضا تحت تغطية مظللة انبرى البعض الى ابدائها بشكل إيديولوجي سطحي وتحت ثيمات متناقضة الفهم بل متصارعة في الواقع الخارجي،فيستعرض ادوارد سعيد مقالا نشر في صحيفة (نيويورك تايمز) للصحفي (جون كيفنر) بعنوان (لايزال التنافر قائما بين ماركس والمسجد) حيث يكشف المقال حسب ادوارد سعيد عن وسمة خادعة وساذجة في الوقت نفسه حيث يستخدم الكاتب مصطلح الاسلام كرابطة مباشرة ومطلقة تغاير بين الاسلام والاديان الاخرى على انه (دين جامع لا يفصل بين الكنيسة والدولة) ،وهذا ما عملت على بلورته العقلية الغربية ، وقد ناقش ادوارد سعيد هذه الفكرة مفصلا في كتابه (الاستشراق) .
ان للاعلام الغربي ـ المتمثل بصحفه واذاعاته وحتى قنواته التلفزيونية ـ دور كبير في اختزال صورة الاسلام واظهارها من زوايا متعارضة،مما ادى الى تشظي المصطلح واعادة تركيبه تحت عنوانات ثانوية (الثورة الاسلامية،الاخوان المسلمون) فبرز مصطلح مجانب وهو (الاسلامي) آثر استعماله على المصطلح الأم،وهذا ما اشار اليه ادوار سعيد في خضم حديثة عن سبب ظهور الحركات داخل الكيان الاسلامي وهو يقسم العالم الاسلامي الى تيارين رئيسين (الاول:يمثل الاراء الصحيحة الرسمية للحياة الاسلامية،والثاني يعارضه ويتخذ اشكالا كثيرة متفاوتة) مطلقا عليه تسمية (اسلام ضد ثقافي) ،وهو يرجع نشوء تلك التيارات الى اختلاف الفهم لكلام الله (القران) وتنوع الاساليب التفسيرية والمشارب الفقهية، في السياق نفسه يطرح ادوارد سعيد تساؤلات اخرى ذات اهمية بالغة، (هل يوجد شيء حقا يسمى السلوك السياسي الاسلامي؟.
كيف تتكون الطبقات وتتشكل في مجتمعات المسلمين؟ وكيف تختلف هذه عن نظائرها في اوربا؟، وماهي المفاهيم وادوات البحث والاطر التنظيمية والوثائق التي نستطيع بها رصد افضل مؤشرات الحياة اليومية للمسلم بصفة عامة؟،وهل يفيدنا استعمال مصطلح الاسلام في نهاية المطاف باعتباره فكرة،ام تراه يخفي اكثر مما يقول في الواقع او يشوهه او يحرفه او يضفي عليه دلالات ايديولوجية اوسع؟) وما يزيد التساؤلات تعقيدا ،من الذي سيجيب عنها؟،العلماء في ايران ام في مصر ام في السعودية؟ فهم مختلفون الى حد التناقض في رؤاهم وافكارهم ،ثم كيف تتوحد الخطابات والممارسات الاسلامية في خضم هذا الاختلاف ، هذا ما يؤكد تأثير العوامل والتجاذبات السياسية على منتجي الخطاب،مما يصفه ادوارد سعيد (ستارا يخفي العديد من العناصر التي تتسم بالتناقض المدمر ،عن استعمال مصطلح الاسلام في الغرب) .
من هذا كله، بتبلور جزء من قراءة ادوارد سعيد للعلاقة المعقدة بين الغرب وايران بالخصوص ومدى اهمية الاعلام في تصوير تلك العلاقة بخلاف ماهي كائنة في الواقع،وفي الاطار نفسه يمكن جعل هذه القراءة مدخلاً لاستيضاح ما يجري الان في سوريا ومدى تأثير الدور الايراني على سير الاحداث في المنطقة العربية ككل،وما هو مقدار التفاعل الغربي مع الربيع العربي ،وهل ثمة اختلاف في مقدار التفاعل من منطقة الى اخرى باختلاف طبيعة المجتمع الثقافية والاقتصادية وانتمائه الايديولوجي،وهل تغيرت إستراتيجية الغرب في تغطية الثورات بوصفها الشرقي او الاسلامي ؟ كل هذا يمكن الاجابة عنه استنادا الى ما قام به ادوارد سعيد ـ عبر دراساته ـ من تفكيك للمبادئ الاساسية في تعامل الغرب مع الشرق او الاسلام..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد