الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشيلي: الإنقلاب العسكري وآليات سقوطه

وفاء داود

2013 / 7 / 21
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


فاز زعيم الحزب الإشتراكي سلفادور الليندي في الإنتخابات الرئاسية عام 1970 في تشيلي، وهو ممثلاً عن اليسار المتحالف مع الحزب الشيوعي والاتحاد السوفياتي السابق، وهذا ما أزعج القوة الدولية وأثار غضب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ومستشاره للأمن القومي هـنري كيسنـجر، خاصة في وقت لاتزال تخوض أمريكا حرباً دموية في فيتنام، كما أنها لا تقبل منافس في أمريكا اللاتينية.
وبدأت الشرارة مع إتباع الليندي سياسات لا تباركها القوة الدولية والتي تقوم على عدد من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية التي تهدد مصالح الولايات المتحدة في تشيلي لاسيما فيما يتعلق بتأميم قطاع المناجم وخاصة النحاس المشهورة به وإجراء إصلاح زراعي، ومن هنا أنطلقت وكالة المخابرات المركزية وبالتعاون مع قوى يمينية معارضة للنهج اليساري لترتيب انقلاب عسكري في سبتمبر 1973 بقيادة أوغستو بينوشيه، وحدثت مذبحة المماليك حيث قتل بينوشيه الزعيم الاشتراكي الليندي في مبنى البرلمان وكبار القادة والمسؤولين وحُكم الدولة بقبضة من الحديد والنار.
وفي العام 1988 صدر دستور جديد وبموجبه تم خوض الانتخابات، وذلك بعد مصالحة وطنية وتقبل جميع الأختلافات والتوجهات السياسية و الإتفاق على بقاء بينوشيه في موقعه العسكري لمدة 8 سنوات، مقابل إجراء انتخابات ديموقراطية حقيقية، وعندما فازت المعارضة شرعت بتطبيق مشروعها للعدالة الانتقالية، وتعويض الضحايا وإصلاح المنظومة القضائية والأمنية.
وحول آليات المعارضة لإسقاط الديكتاتور العسكري، كان هناك مسارين أمام المعارضة: الأول أن تتم الإطاحة عبر العنف، ولكن خطر هذا المسار أنه سيؤدي إلى الحرب الأهلية، والمسار الثاني، عن طريق صندوق الاقتراع، وذلك تحت شعار "الثورة في صندوق الاقتراع"، وهو الطريق الذي توحّدت عليه المعارضة، واستطاع حزب الليندي والقوى اليسارية أن يحرزا الفوز في 5 اكتوبر 1988 .
إنّ هذه التجربة في بحاجة إلى التأمّل والدراسة، لاسيّما فيما يتعلق بالإجرات الإستراتيجية التي إتباعها معارضي الإنقلاب، والتي يمكن ذكر بعضها، والتي تتمثل في تحالفات واسعة مع الإبداع اللاعنفية للاطاحة بينوشيه، بدءاً من الاحتجاجات المبتكرة التي نظمها العمال وتكثيف مقاومة قمع النظام من خلال المشارك في تدريب اللاعنف (والتي كانت تتم داخل الكنائس)، والمظاهرات العامة، والاحتجاجات الشعبية مثل التظاهر بأسلوب التباطؤ، والمقاطعة، والغناء العام واجراءات رمزية آخرى تسمح للناس للتعبير عن أنفسهم. وأدى ذلك إلى حيرة النظام وعدم قدرته على القمع مما دفع بينوشيه بتقديم تنازلات متواضعة قبل استفتاء عام 1988، واغتنما المقاومون الفرصة، مع بتسجيل لقطات تلفزيونية 15 دقيقة التي كشفت عن انتهاكات النظام وتنظيم الانتخابات على الصعيد الوطني. ونجحت المعارضة في إسقاط الإستفتاء بعد تشويه سمعة حكومة بينوشيه، وسمُيت هذه الانتخابات بالانتخابات التي هزمت فيها المعارضة بينوشيه في عام 1989، مما اضطره إلى التنحي.
وأضاف إلى هذه الآليات عدد من الإجراءات الاستراتيجية الآخرى التي استخدمت لإسقاط الإنقلاب، والتي من أهمها:
• الإضرابات العمالية، حيث استخدم الاتحاد العام لعمال منجم النحاس واللجنة الوطنية للعمال الإضرابات العمالية التقليدية، فضلا عن أسلوب التباطؤ وهو التظاهر بالمشي البطيء في الشوارع الرئيسية للبلاد.
• المقاومة الشعبية القائمة على تنظيم الكنيسة، والتي نظمت ورش تدريبية بداخلها بمثابة مدارس رسمية لتحويل الخوف وتوحيد الناس من خلال تدريبهم على أساليب المقاومة اللاعنفية، ومساعدتهم على التفكير بشكل استراتيجي وإعطائهم أقكار وآليات من تجارب حملات لاعنفية ناجحة.
• دور االكنيسة الرومانية الكاثوليكية ورغم حرصها كمؤسسة مستقلة على عدم التعارض المباشرة مع النظام إلا أنها خصصت مساحة لتنظيم وحماية ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، كما أنها حشدت وحثت على التصويت بـ "لا" في الاستفتاء الذي هزم بينوشيه.
• مسيرات ومظاهرات في كاقة شوارع الدولة الرئيسية للإعلان عن الإنتهاكات التي تعرضوا لها من جانب الإنقلاب من خلال التواصل المباشر مع المواطنين عبر تنظيم المسيرات والسير في الشوارع.
• الغناء، حيث عمد المتظاهرييين على الغناء في الشوارع والمسيرات مع شعارات قائلة "انه سيسقط، انه ذاهب للسقوط" “He’s going to fall, he’s going to fall” ، والرقص في الشوارع، الأمر الذي افقد بينوشيه سيطرة من كثر ازعاجه ودفعه إلى حظر الغناء.
• بعض البرامج التلفزيونية والاعلانات الحيادية والموضوعية كانت تبث أحاديث لمعارضة الإنقلاب يومية ولمدة 15 دقيقة والتي كانت تفضح التعذيب و"الاختفاء" وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان، مما ساعد على إندماج قطاع عريض من التشيليين إلى قاعدة معارضي الإنقلاب.
• تنظيم الانتخابية وبناء التحالفات اللاعنفية أو ما أطلق عليه "انتخابات مظاهرة" لاظهار الدعم الشعبي ضد الديكتاتور.
كما تميزت قوى المعارضة في الحفاظ على السلمية في تظاهراتها وهذه النقطة في غاية الأهمية حيث أنها عمدت على عدم إعطاء أي فرصة للنظام الديكتاتوري العسكري أو أي زريعه يستخدم من خلالها القوة ضد المتظاهريين، كما تميزت تكتيكات المعارضة الخفية بالتنوع والإبداع، ومنها التباطؤ: وهي استراتيجية تقوم على مشى المنتظاهرين وقيادة السيارات ببطء شديد في يوم معين كعلامة على الاحتجاج، وكان هذا تكتيك بارع حيث توافد الحشود الرهيبة أحبط أي قدرة للنظام على المواجهه، بالإضافة إلى تكتيك ضجيجا الأواني Banging pots and pans خارج منازلهم في ساعة معينة والتي كانت في الثامنة، في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في سانتياجو. إلى جانب استخدم الفن والمسرح في الإحتجاج، والذي أزدهر على يد المخرج المسرحي هيكتور نوغيرا ، وكان يتم تجنيد المرأة في الحركة من خلال ورش عمل الفنون.
وأنتهى الأمر بأن سلم بينوشيه السلطة السياسية وسقط في نهر من التهم العسكرية في تشيلي حتى عام 1998 عندما ألقي القبض عليه في لندن بسبب أمر تسليم من إسبانيا، ثم إحباط الجهود المبذولة لمحاكمته قبل وفاته في ديسمبر 2006، وكانت المحكمة العليا في شيلي في وقت سابق من ذلك العام مهدت الطريق لمحاكمته. وقد تم الحفاظ على الديمقراطية في تشيلي، مع مجلسين التشريعي، واستقلال القضاء، وحرية الصحافة رسميا. وفي عام 2005 قام القضاء على إصلاح تشريعات السلطة السياسية الرسمية للجيش، حيث جعلت من الممكن للرئيس إزالة كبار القادة العسكريين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني


.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ




.. لماذا تشكل جباليا منطقة صعبة في الحرب بين الفصائل الفلسطينية